- النهضة:لا صحة لوجود مفاوضات مع رجال أعمال متورطين في الفساد ولا بد من محاسبة كل من أجرم في حق الشعب أثار البلاغ الذي أصدرته مؤخرا لجنة المصادرة والذي دعت فيه جميع الأشخاص القابلين للمصادرة بناء على استفادتهم من منظومة الفساد وفقا للمعايير المذكورة بالمرسوم عدد 13 لسنة 2011 إلى التصريح تلقائيا، على الشرف لدى اللجنة وذلك في أجل لا يتجاوز 30 يوما ردود أفعال مختلفة لدى العديد من الملاحظين حيث رأى البعض فيه قرارا، صائبا من شأنه توسيع دائرة المستهدفين بالمصادرة ويتيح للجنة فتح المزيد من الملفات والتقصي حول مكاسب الأشخاص قصد استئصال الفساد. في ما رأى البعض الآخر أنّ هذا القرار قدّم للمستفيدين من النظام السابق ضمانات كبيرة تقتصر فيه المصادرة على المال الفاسد دون غيره. فهل انّ إمكانات اللجنة والحيّز الزمني الوجيز المتبقي لها وراء التعجيل بإصدار هذا البلاغ أم انّ توسيع دائرة الحسابات السياسوية والمالية المباشرة اقتضت الإسراع بإصداره؟ وهل فعلا ينبئ ملف المصادرات بمنزلق سياسي، خطير سيّما في ظلّ التسريبات التي تتحدث عن مصالحة بين حركة «النهضة» وبعض رجال الأعمال المستفيدين من منظومة الفساد. "التونسيّة" تطرقت للموضوع ورصدت آراء بعض السياسيين ونواب التأسيسي حول واقع وأسباب وانعكاسات بلاغ لجنة المصادرة ومن يقف وراءه. أكّدت الأستاذة نادية بن شعبان نائبة المجلس التأسيسي عن «القطب الديمقراطي الحداثي» أنّ البلاغ يشوبه الكثير من الغموض وعبرّت عن استغرابها منه، خاصّة في الفقرة المتعلّقة بالتعامل في كنف السرية دون إعلام النيابة العمومية «لن تعلم النيابة العمومية...وستتولى إيداع التصريح في مكان آمن على ذمّة اللجنة» واعتبرت ذلك أمرا خطيرا وقالت إنه في دول العالم التي خرجت من أعتى الدكتاتوريات تتم مثل هذه الأمور في سياق العدالة الانتقالية وليس صلب لجنة تفتقر في أغلب الأحيان إلى مقاييس المصداقية وطالبت بالعلنية في مثل هذه الإجراءات. وأضافت بن شعبان أنّ اللجنة تقرّر في أمور مصيرية من حقّ الشعب أن يكون على دراية بها وانّه لا بدّ من المساءلة والمحاسبة لتكون المصالحة في الآخر . وأكدت بن شعبان انّ المشكل لا يقتصر على محاسبة الجميع باعتبار أنّ بعض الأشخاص تورّطوا تحت الضغط وكانوا مجبرين، لكن في ما يتعلّق بقضايا الفساد فإنّ هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مجبرين ولا بدّ من محاسبتهم والاعتراف للأشخاص الذين تضرّروا بأنّهم كانوا ضحيّة منظومة فساد وتساءلت «كيف نعطيهم حقّ الدفاع عن أنفسهم وتمكينهم من المصالحة دون الاعتراف بانّ هناك ضحايا؟». عجز وسوء تنسيق أمّا أيمن الزواغي ممثّل تيار «العريضة الشعبية» بالمجلس التأسيسي فقد أشار إلى انّ مثل هذا الإجراء لا يعبّر إلا عن عجز لجنة المصادرة في تقصّي الحقائق وعن سوء تنسيق بين لجنتي تقصّي الحقائق عن الفساد المالي والإداري و لجنة المصادرة ويؤكّد عدم اقتناع لجنة المصادرة بالقائمة الأولية التي أصدرتها لجنة تقصّي الحقائق الشيء الذي يعبّر عن فشلهما في أداء عملهما. وأضاف الزواغي أنّه لا يوجد شيء يبرّر غياب أي محاسبة للفاسدين الذين انظووا في السابق تحت نظام بن علي. وأكد انّ بيان اللجنة يكتسي غموضا ويؤكّد عجزها عن القيام بوظيفتها وهو أمر يعود إلى تباطؤ عمل اللجان الخاصة داخل المجلس الوطني التأسيسي وخاصة اللجنة الخاصة بالتحقيق في الفساد الإداري والمالي التي يترأّسها صلاح الدين الزحاف والتي لم تصدر أي تقرير في الغرض منذ انطلاق أعمال التأسيسي حسب قوله. ومن جهته انتقد محمّد الكيلاني رئيس «الحزب الاشتراكي اليساري» عمل الحكومة وقال إنها تقوم بعمل انفرادي وهو ما يعرقل ملف العدالة الانتقالية، خاصة في موضوع المصادرات التي تهمّ كلّ الشعب التونسي وكلّ القوى السياسية وكلّ هياكل المجتمع المدني. واعتبر الكيلاني انّ هذا البلاغ فيه دعوة ضمنية للمصالحة، في حين انّه لا بدّ من تشريك كلّ التونسيين في مثل هذه القرارات. واعتبر الكيلاني انّ مثل هذه المبادرات التي تقوم بها «الترويكا» وخاصة «النهضة» كأنّها مسألة شخصية لا تهمّ كافة القوى السياسية واعتبر أنّ هذه الاتفاقات السياسية غير شفافة إذ من الأجدر طرح ملفات رجال الأعمال المورطين في قضايا فساد على طاولة النقاش وبعد ذلك تتم محاسبتهم إن ثبت إدانتهم. وبسؤالنا عن مدى استجابة رجال الأعمال المعنيين بهذا البلاغ قال الكيلاني إنّ عددا قليلا من المستفيدين من منظومة الفساد في النظام السابق سيقومون بالتبليغ عن أنفسهم. وتساءل الكيلاني عن الضمانات التي سيوفّرها هذا الإجراء سيّما على ضوء السرية المستوجبة للمعلومة. مفاجأة غير مسبوقة أمّا الجيلاني الهمامي عن «حزب العمال الشيوعي» فقد تساءل عن فحوى هذا البلاغ وما تضمنه من دعوى ضمنية للمصالحة مع المتورّطين في قضايا فساد. واعتبر الهمّامي أن مثل هذه القرارات تمثّل مفاجأة غير مسبوقة في ملف العدالة الانتقالية معتبرا انه لا بدّ من المحاسبة قبل المصالحة. واعتبر القيادي بحزب العمال الشيوعي انّ مضمون هذا البلاغ يخضع إلى اللامنطق، متسائلا: «كيف لشخص مجرم يطلب منه تقديم القرائن المادية والمعنوية التي تدينه» وتساءل عن دور لجان تقصّي الحقائق في هذا الصدد. وأشار الهمامي إلى ضرورة محاسبة كلّ الذين أجرموا سواء بالاستيلاء على الأموال العمومية أو اقترفوا جرائم اقتصادية أو تدخلوا في مؤسسات كبرى و قدّموا خدمات بلا وجه قانوني. واعتبر أنّ هذه الملفات يجب أن تطرح فوق طاولة النقاش وتتمّ بصفة علنية وليس بطريقة خفية وقال إنّ ما يتّم اليوم هو بدعة من بدع الحكومة التونسية، إذ كان أجدر بالحكومة أن تتحلّى بالشجاعة في طريقة عملها. وأضاف الجيلاني الهمامي أن هناك أخبارا تؤكّد أنّ حركة «النهضة» بصدد التفاوض مع قائمة طويلة من رجال الأعمال الذين ارتكبوا أخطاء وتجاوزات في حقّ الشعب التونسي خلال العهد البائد وذكر انّ آخر المفاوضات جمعت قائمة من رجال الأعمال، مشيرا الى أن حركة «النهضة» تسعى إلى إيجاد سبل لفتح هذه الملفات و إجراء مصالحة ضمنية مع كلّ المتورّطين في قضايا فساد. ورأى الجيلاني الهمامي أنّ سياسة الحكومة تعتمد على بثّ «الدخان» من اجل التعتيم على بعض الملفات المتعلقة بقضايا الفساد واعتبر انّ المصالحة، التي تتمّ في الخفاء و«تحت الطاولة»، هي أقرب ما يكون الى صفقة لا أكثر ولا أقل. إجراء حاسم و تتويج للعدالة الانتقالية ورأت السيّدة سميرة الشواشي الناطق الرسمي باسم حزب «المبادرة» أنّ هذا الإجراء مهمّ وأنّه يعدّ اوّل خطوة واضحة من أجل تحقيق العدالة الانتقالية بمكوّناتها الأساسية من محاسبة في إطار القانون والقضاء والمصالحة من أجل تنقية المناخ الوطني حتّى يكون حافزا للانطلاق في العمل. وعبّرت عن رغبة حزب «المبادرة» في أن يتمّ التقدّم في هذا الإجراء بوضع خصائص وشروط واضحة تشمل كلّ المعنيين بالمصادرة حتّى لا تكون القدرة المالية هي المحدّد الوحيد لها. وأضافت انّهم يدعون في الحزب إلى جعل هذا الإجراء استثنائيا واستبداله بطرق تعامل جديدة تقوم على المصالحة الجنائية الحقيقية والعدالة بين كلّ الفئات الاجتماعية ومقوّمها الأساسي هو الشفافية في التعامل وهدفها هو استقرار دواليب ومؤسسات الدولة التي تواصل تماسكها منذ الاستقلال إلى اليوم ومن جهة أخرى فكّ الحصار الذي يكبّل عددا هاما من رجال الأعمال ويعطّل إمكانيات دعمهم لمجهودات القطاع العمومي في التشغيل الذي يشهد صعوبة كبرى. أمّا عمر البجاوي رئيس حزب «صوت التونسي» فقد قال إنّ المحاسبة، حسب اعتقاده، أمر لا خلاف فيه بل لا بدّ منها على أن تكون قضائية و تتوفّر فيها الخبرة و الدقة حتّى تتمّ إدانة المفسدين و استرجاع الأموال المنهوبة و ليتمّ أيضا فرز الغثّ من السمين و إنصاف من تثبت سلامة تصرّفهم و شرعية مكاسبهم. وأضاف البجاوي أنّه بخصوص المصادرة فإنّ له ثقة كبيرة في اللجنة وفي رئيسها القاضي نجيب هنان ورأى انّه من المهمّ جدّا الإسراع دون تسرّع في البتّ في هذه الملفات حتّى تتضح الرؤية للجميع ويتوفّر بعد ذلك مناخ أنسب للاستثمار والكسب والمبادرة وهو شرط أساسي لتحريك الدورة الاقتصادية. «النهضة» على الخطّ من جهته، أكّد عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة «النهضة» أنّ كلّ من أجرم في حقّ الشعب يجب ان يحاسب وكلّ من أخطأ في حقّ التونسيين يجب أن يعتذر لهم وقال الجلاصي «يجب أن تأخذ السلطة القضائية مجراها في هذا الصدد» واعتبر الجلاصي أنّ كلّ المعالجات والمقاربات تمرّ عبر الحكومة وعبر المجلس التأسيسي. وبسؤالنا عمّا يتداوله الوسط السياسي من أخبار تؤكّد وجود مفاوضات بين حركة «النهضة» ورجال الأعمال الذين تورّطوا في قضايا فساد في العهد السابق أكّد الجلاصي أنّ هذه التسريبات ليس لها أساس من الصحة وإن تمّ التفاوض مع رجال الأعمال فإنّه سيكون علنيا وينقل مباشرة للمواطنين بل سيقع تشريك الصحفيين للحضور في هذه اللقاءات وأوضح نائب رئيس حركة «النهضة» أنّ اللقاءات. التي جمعت حركة «النهضة» برجال الأعمال كانت في إطار دفع الاستثمار. فكلّ من لم يرتكب جريمة في حقّ الشعب من حقّه أن يستثمر بتونس. وأضاف الجلاصي أن الملفات المعقدة تعالج بروح من التفاهم والوفاق الوطني وليس بمنطق التجاذبات و في كلّ الحالات يجب التأكيد على أن كلّ من ارتكب جريمة لا بدّ أن يحاسب كما انّ الشعب التونسي متّفق على مسارين واضحين: الأوّل القضاء والثاني العدالة الانتقالية فإنّه يقتضي المصالحة والمحاسبة وكلّ ذلك يجب أن يتمّ في إطار من الشفافية و أمام الرأي العام ولا يجب ان يتمّ عن طريق صفقات يعقدها هذا الطرف أو ذاك. وأوضح الجلاصي أنّ كلّ الملفات، التي تخصّ الفساد والمتورّطين في قضايا من هذا النوع، تمرّ عبر مؤسسات الدولة وحركة «النهضة»طرف من الأطراف ليس لها ما تخفي. أمّا السيدة سعاد عبد الرحيم فقد أشارت إلى انّه لا يجوز أن يكون قرار اللجنة على حساب أناس ظلموا وكانوا ضحيّة منظومة فساد و قالت إنّها مع المحاسبة ثمّ المصالحة حتّى وإن كانت محاسبة معنوية أكثر منها مادية وانّ الاعتراف والاعتذار وحدهما غير كافيين، حيث لا بدّ أن يصاحبهما إرجاع حقوق الناس الذين ظلموا والاعتذار منهم. وأكّدت أنّه لا بدّ من محاسبة معنوية و مادية وأن لا يكون ذلك في كنف السرية لتكون المصالحة و أضافت أنّ الفساد كان متغلغلا في منظومة كاملة ولا بدّ من محاسبة الأشخاص الذين تورّطوا ضمن هذه المنظومة دون أن يتحمّلوا أفعال غيرهم.