رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي طلب من الحضور التمعن في دلالات ما يحمله المكان الذي شهد ميلاد الجمهورية الأولى في 25 جويلية 1957 أشار إلى حكمة الأيام في قلب المعادلات السياسية مذكرا في الآن ذاته باللحظات التاريخية الحاسمة للمجلس القومي التأسيسي الذي أشرف على كتابة أول دستور للجمهورية التونسية، قبل أن تنزلق النخب الحاكمة في مطبات الرأي الواحد والحزب الواحد -والتي قد تجد مبرراتها في سياقها التاريخي- مستعينة في ذلك بالشخصية الكريزماتية للزعيم الحبيب بورقيبة . بن جعفر الذي دعا إلى استخلاص العبر من الماضي وتلافي سياسية الإقصاء التي فتحت الباب في يوم ما للتنقيحات الدستورية المتكررة حتى انحرف النظام الجمهوري عن مساره، قال إن انتظارات الشعب اليوم في الجهات كثيرة وأن المجلس الوطني التأسيسي يواجه تحديات كبرى في صياغة دستور جديد يستوعب قيم الثورة ويحمي قيم الجمهورية ويصون مكاسبها . رئيس المجلس التأسيسي أشار في خطابه إلى بعض ملامح الدستور القادم خاصة في ما يتعلق بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية حتى لا تجتمع السلطات الثلاث في يد واحدة قد تنتج دكتاتورية جديدة .غير أن الفصل بين السلطات حسب بن جعفر لا يجب أن يكون مبررا لانكفاء كل سلطة على نفسها بل يجب أن أن تعمل السلطات الثلاث في إطار تشاركي تكاملي وأن تراقب كل سلطة الأخرى . بن جعفر الذي اعتبر الوصول إلى توافق وطني بشأن نظام الحكم القادم تحديا كبيرا في ظل انقسام الآراء بين نظام برلماني ونظام رئاسي معدل وآخر مزدوج قال أن الأهم هو أن يكون نظام الحكم الذي سيقع عليه الاختيار مطبوعا بخصوصياتنا ونموذجا تونسيا يمنع عودة الاستبداد ويؤسس لدولة تحترم علوية القانون. كما مثّل بن جعفر الدستور المرتقب بالعقد الذي ينظم حياتنا المدنية على أساس التعايش الطبيعي بين الجميع دون مزايدات ولا تشدد ولاغلوّ. وقد دعا رئيس المجلس إلى ضرورة انشاء محكمة دستورية عليا تبت في دستورية القوانين وترسخ دور القضاء وذلك ضمانا لهيبة النصوص القانونية وشفافيتها متعهدا بالحفاظ على أهداف وشعارات وبالانتهاء من كتابة الدستور في 23 أكتوبر المقبل وتنظيم الانتخابات في موعدها.