من الأشياء التي تلفت الانتباه منذ الوهلة الأولى في الجريد ارتداء النساء «الملحفة» السوداء وهي عادة صمدت في وجه الموضة والغزو الغربي تماما كما صمد اللباس التقليدي الذي يعتبر مفخرة أهالي الجريد ولقد عرف أهالي الجريد في الماضي القريب بلباسهم التقليدي كالبرنس والجبة و «الحرام» الجريدي وتعودت النسوة في هذه الربوع التلحف بالملحفة السوداء وذلك عند الخروج من البيت وهي رداء النساء منذ القدم ولا تزال إلى الآن اللحاف المفضل لديهم. و«الملاحف» المستعملة في الجهة عديدة من حيث الأنواع وهي تعرف لدى تجار الصناعات التقليدية ونساء الجهة بتسميات طريفة ك: عين حجلة و «دق إبرة» وهناك الملحفة العادية. ويجمع هذه الأنواع قاسم مشترك هو اللون الأسود على أن سعر الملحفة الواحدة يتراوح عادة بين 20و25 دينار. ولو حاولنا ربط كل جهة من مناطق الجريد بنوع الملحفة الرائجة فيها فإننا سنستكشف فسيفساء مثيرة ولكنها تشترك في كيفية اللباس وتتميز كل جهة بطابعها ففي توزر تقبل النسوة على التلحف بالملحفة ذات اللون الأسود والحاملة لخط أبيض يكون عادة في منتصف الملحفة ويطلق عليه اسم «السفيفة» وفي نفطة ترتدي النسوة الملحفة السوداء والمعروفة بخطها الأزرق بينما ترتدي العجائز في بعض الأحيان ملاحف ليست سوداء اللون. وتختلف طريقة ارتداء الملحفة حسب الأعمار فالعازبات والمتزوجات تغطين كامل أجسامهن بالملحفة مثلما تمليه العادات والتقاليد. أما العجائز فهناك من تضع الملحفة على كتفيها وتغطي بها الرأس والظهر وهناك من تتلحف بها كاملة ويبقى وجهها ظاهرا. جذور تاريخية ولو حاولنا الوقوف على الجذور التاريخية للملحفة السوداء في ربوع الجريد لوجدنا أنها تعود إلى قبائل الطرود التي حلت بالجهة واستوطنت بها. وقد اصبحت رداء تلتحف به المرأة عند خروجها من البيت. حيث يجمع بين الجمال والاحتشام ولا يعيق المرأة في تنقلاتها ولكن الروايات تختلف حول المصدر الحقيقي للملحفة السوداء إذ هناك من يقول أيضا إنّ العراقيين الأوائل الذين حلوا ببلاد الجريد وأقاموا بها طويلا هم الذين غرسوا في الأهالي عادات وتقاليد منها ارتداء المرأة للملحفة السوداء وغراسة النخيل والبناء بالطوب وهناك من يؤكد أن اليمنيين هم الذين جاؤوا بهذا اللحاف إلى أرض الجريد التي كانت قطبا تجاريا ومنارة علم حيث كان يقصدها التجار والطلاب من كل نواحي المعمورة لاسيما اليمنيون الذين استهوتهم الجهة واستوطنوا بها. «هز وارحل» و «سنين فار...» !؟ وتقول السيدة عائشة الشبيكية 87 سنة إنّ للملحفة أسماء كانت تعرف بها في السابق منها ملحفة: كراع دجاجة وهي تلبس كل يوم و»سنين فار» وهو لحاف خاص بالبنات في توزر وملحفة «هز وارحل» وهو لباس العروسة وملحفة «منجل» وهو لباس المتزوجة و»العقلة» ولو لحاف العجائز و «كب وقعد» وغيرها من الأسماء الأخرى. حيرة وإعجاب ونظرا للطابع السياحي للجهة فقد أصبح اللحاف الأسود من دعائم السياحة الصحراوية يقبل عليه السياح ويتهافتون على أخذ صور تذكارية وقد أثار ارتداء المرأة للملحفة السوداء عدة تساؤلات لدى السياح فمنهم من كان يسأل كيف تسير المرأة بلحافها هذا. وهل تتمكن من الرؤية خلف اللحاف وغيرها من الأسئلة الأخرى التي تصب في واد واحد وهو محاولة معرفة سر ارتداء النسوة لهذا اللحاف. رغم تطور الحياة فإن المرأة بالجريد لم تفرط في لحافها لأسود الذي يترجم أصالة وحضارة الجهة وتشبثها بعاداتها وتقاليدها وحتى اللواتي يعملن بالإدارات فإنهن لم يفرطن فيها باعتبارها جزءا من عادات الجهة ويتحلفن بها في أوقات العمل وخارجه.