الترفيع في تعريفات الكهرباء والغاز: "الستاغ" توضح..    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    تونس تشارك في المعرض الدولي 55 بالجزائر (FIA)    استرجاع مركب شبابي بعد اقتحامه والتحوّز عليه    الاعتداء على عضو مجلس محلي    نبيل عمّار يُلقي كلمة رئيس الجمهورية في مؤتمر القمة لمنظمة التعاون الإسلامي    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    عاجل/ أحدهم ينتحل صفة أمني: الاحتفاظ ب4 من أخطر العناصر الاجرامية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    وزير الفلاحة وممثّل منظمة الفاو يتّفقان على دعم التنمية والأمن الغذائي والمائي لمواجهة التحديات المناخيّة    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: لجنة الاستئناف تسقط قائمتي التلمساني وبن تقية    قاضي يُحيل كل أعضاء مجلس التربية على التحقيق وجامعة الثانوي تحتج    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمواجهات نهاية الأسبوع    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    عاجل/ تلميذة تعتدي على أستاذها بشفرة حلاقة    بطولة الكرة الطائرة: الترجي الرياضي يواجه اليوم النجم الساحلي    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأزهر بالي" رئيس حزب الأمان ل«التونسية»: وجوه «نداء تونس» خطر على المجتمع والثورة ... و من له ملفات فساد عليه اظهارها الآن حتى لا توظف لغايات سياسية
نشر في التونسية يوم 22 - 08 - 2012


"
«بلادنا في حاجة إلى جيل جديد يؤمّن لها إعادة بناء كاملة، هي في حاجة إلى سواعد جديدة ينتشلونها من أدران الواقع، هذا علاوة على إعادة هيكلة البنية التحتية وإعادة المرافق والإعمار، فعملية البناء لا بد أن تشمل بناء العقليات وثقافة التعاطي مع الأشياء، لا بد من إعادة بناء الإدارة وإعادة إرساء مفاهيم الوطنية، والتوعية بالمسؤولية وقيمة العمل، ولا بد من تطوير الخدمات العمومية من صحة ونقل وإسكان وغيره... فأينما وليت وجهك تصطدم بالتردي والفوضى والارتجال» بهذه الكلمات شخّص السيد الأزهر بالي رئيس حزب الأمان الوضع الحالي في تونس محاولا إبراز مكامن الداء ونقاط الضعف في واقع ما بعد الثورة.
«التونسية» التقته في حوار شامل، تطرق فيه للتحالفات الأخيرة بين الأحزاب وتقييمه لأداء الحكومة الحالية، و أبرز الأمراض التي تعاني منها البلاد، إلى جانب التجاذبات الحاصلة في المساجد.
كيف ترون المشهد الوطني الراهن؟
نحن نقر بأهمية الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتأمين الوضع العام وتسيير المرفق العمومي وحماية أمن الوطن والمواطن.. لكن أخشى شخصيا الوصول إلى قناعة مفادها أنه قد وقعت قرصنة الثورة. ذلك أن هناك مؤشرات على التفرد بالسلطة. وأظن أن حزب «النهضة» مازال رهين مشروع مجتمعي قائم على الايديولوجيا أكثر من قيامه على أسس واقعية.. وأرجو أن أكون مخطئا في تقييمي.
هناك مؤشرٌ على ان هذا الحزب يسعى للتأبد في السلطة، هذا حق تكفله له المنافسة الديمقراطية.. لكن ليس بالاستحواذ على مفاصل الدولة، ليس كقوة سياسية فقط بل كقوة اقتصادية أيضا. ولا نرى في تمتيع مساجين الرأي بالتعويضات إلا جزءا من هذه الاستراتيجيا، باعتبار أن أغلبهم من المنتمين ل«النهضة». والتعويضات ستمكنهم من المال الذي يخول لهم الدخول في الدورة الاقتصادية وبالتالي بناء ثقل اقتصادي في المجتمع.
يضاف إلى هذا أن الحكومة تتعمد حجب المعلومة أحيانا.. وكثيرا منها يردنا عبر التسريبات، لذلك فإننا نطالب بطرح جميع الملفات للعلن وبكل شفافة، لأننا صرنا نشعر أنه لا وجود لمصداقية في أية كلمة تقال.
على صعيد آخر، تشهد تونس اليوم انقساما تاما إلى قوتين نراهما للأسف في حالة تصادم. القوة الأولى تضم من يروجون لأنفسهم أنهم يمثلون الصحوة الإسلامية، في حين تضم الثانية الذين يتبنون أطروحات الحداثة والعلمانية والفكر اليساري، وحولهم أطياف عديدة من المجتمع المدني من جمعيات ونقابات، ومن رافضين لوصول الإسلاميين للحكم. ولا نرى في الأفق أية بوادر لتنازل أي من الطرفين لتخفيف الاحتقان أو اجتناب التصادم. بل نحن نشهد حالة من الغلو والتشدد من القوتين.
لكن إذا كان البعض يظن أنه قادر على فرض نمط مجتمعي مسقط أو دخيل فهو واهم. لأن هوية تونس وموروثها متجذران منذ قرون عديدة.
تجنبتم الحديث عن مبادرة نداء تونس.. فهل أنّ ذلك مقصود؟
منذ ظهور هذه المبادرة قلنا إنها ضمت مجموعات مختلفة ممن فقدوا نفوذهم وامتيازاتهم التي استأثروا بها في ظل النظام السابق، كما ضمت رجال أعمال كانت معاملاتهم مشبوهة ولا تزال، وضمت أيضا مرتزقة وطامعين وناقمين ومتآمرين والقائمة طويلة، لا يجمعهم إلا الحرص على العودة من النافذة إلى المواقع التي خرجوا منها من الباب.
نحن وبما لدينا من المعطيات حسب تفحصنا للوجوه التي احتشدت في نداء تونس، نرى أنها تشكل الآن خطرا فعليا على المجتمع والثورة والدولة. لأنها لو كتب لها التنفذ من جديد ستكرس الالتفاف بعينه.. وسنقول حينئذ أن على الثورة السلام.. لذلك فإننا لن نخفي موقفنا الداعي لإجهاض المشروع الالتفافي المضمر في نداء تونس.
هذه الحركة نراها تضع استراتجيتها بطريقة دقيقة وممنهجة لتستحوذ على المفاصل الحيوية في الدولة والهيئات الرسمية والجمعيات والإدارة والإعلام وغيره. ونظن أنه لا يمكن إحباط مخططاتها إلا إذا وقع الإسراع بتفعيل العدالة الانتقالية التي ستخضع حتما وجوه عديدة من الفاعلين فيها على القضاء. هذا إلى جانب العمل على تحسين ظروف عيش المواطنين والطبقات الكاحة منها، وتحسين أداء الإدارة لتكون أداة لخدمة الشعب بأسره وليس لفئات أو للأشخاص أو الأحزاب بعينها، وبناء الخيارات على الكفاءة لا على الولاء. نحن مع عمل جبهوي يحيل هؤلاء على التقاعد السياسي الوجوبي، لأن الشعب جربهم وأدرك أنهم أنعشوا الفساد والدكتاتورية. ولو كان لديهم ما ينفعون به البلاد والمواطنين حقا لقدموه عندما كانوا متنفذين في السلطة. نحن مع تحميل هؤلاء مسؤولية أخطاء الماضي، كل حسب نصيبه في ارتكاب هذه الأخطاء.. وهذا الأمر نراه لا يغضب أحدا.. على الشعب أن يقول كلمته الفصل في إبعاد هؤلاء. ونرى أنه لن يهدأ له قرار حتى تستأصل مكامن الداء ويحيلهم على التقاعد، ويترك الحكم عليهم للتاريخ.
ما تقييمكم لدور الاتحاد العام التونسي للشغل ولأداء قياداته في الوقت الراهن؟
لقد عبّرنا في عديد المناسبات السابقة عن مساندتنا المبدئية للاتحاد وعن ثقتنا في قياداته، ونرى أن التعاطي الإيجابي مع هياكله خيار استراتيجي بالنسبة إلينا.. لكن ندعو في الوقت ذاته لأن لا يضع ثقله ورصيده النضالي في الميزان، وأن ينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية، ويحافظ على استقلاليته كمنظمة اجتماعية ذات وزن.. فما حدث في سيدي بوزيد حين اعتلى السيد شكري بلعيد منبر الاتحاد الجهوي هناك، يشي بخلط منهجي، ويوقع الاتحاد في مزالق السياسات الحزبية الضيقة. كما أن إظهار أحزاب اليسار كذراع سياسي للاتحاد يمكن أن يضع مصداقية هذه المنظمة العتيدة على المحك ويفتح أبوابا للتأويلات.
إن الاتحاد هو حضن الحركة الاجتماعية والوطنية، وسند الكادحين. فلا بد أن يبقى وفيا لأهدافه، ويقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب ويتعاون معها ومع الحكومة ومع كل مكونات المجتمع، همه الوحيد في ذلك ضمان الحقوق المادية والمعنوية للعمال. ولنا أن نشير إلى أنه من واجب الاتحاد أيضا توعية منظوريه بحقوق المجموعة الوطنية وإرساء ثقافة العطاء وتحفيز العمال وتأهيلهم حتى يعوا بواجباتهم..
هل أنتم في حزب الأمان مع التعاطي الأمني لعلاج بعض الملفات؟ وما درجة تجاوبكم مع حملة «اكبس» التي تشنها قواعد حزب «النهضة» لحث الحكومة على توخي خيار الحزم؟
إن الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية تعكس حالة من الإحباط في صفوف الذين قاموا بالثورة.. وإذا سلمنا بأن بعض هذه التحركات تقف وراءها بعض قوى الردة، فإنه لا يمكن تجاهل الأسباب الموضوعية لقيامها.. فبطون الكثيرين لا تزال خاوية، ومؤشرات البطالة مازالت في ارتفاع، والفقر والإقصاء والتهميش يستفحل في فئات عريضة من المجتمع. إنه لا مجال للتعاطي الأمني مع هذه التحركات الاجتماعية المشروعة.
إن على الحكومة التركيز على حل مشاكل الشعب بكل موضوعية وواقعية. ولا يصلح في هذه الحالة منطق أن كل من يعارض أو ينتقد فهو المعادي المتآمر. والواقع أن الطريق لتأمين جميع حاجيات الشعب ورفاهه ما زال طويلا. والحكمة أن يتسلح الجميع بالصبر.
أما حملة «اكبس» التي انتشرت في المواقع الاجتماعية ومنسوبة لقواعد «النهضة»، فالمنطق يقول إنها لا ينبغي أن تكون موجهة ضد حساسيات أو تيارات بعينها، أوهي تغض النظر عن تيارات وحساسيات أخرى. نحن نريد من الحكومة أو الأحزاب الحاكمة أن تتعاطى مع القضايا على أساس أنها حكومة التونسيين جميعا.. ومنطق الانتقائية وازدواج المعايير.. أو منطق المع والضد.. لا يخدم المصلحة الوطنية بل يعمق الانشطار الذي أشرنا له في ما سبق. نحن مع «اكبس» في حالة استهداف جميع مظاهر الفلتان والفوضى والفساد مهما كان مصدرها، ولا يعلو أحد فوق القانون.. وخلاف ذلك فنحن ضده.
ما حقيقة الخلاف بينكم والحزب الجمهوري؟
نحن على علاقة طيبة مع جميع القوى والحساسيات الوطنية، ونتعاطى معها بإيجابية، ونتفاعل مع تحركاتها مادامت ضامنة للمصلحة الوطنية.. وقد وجهنا الدعوة لهذا الحزب للمشاركة في المائدة المستديرة التي عقدها حزب الأمان قبيل رمضان المعظم حول تحييد المساجد، وشرفنا ممثلهم د. ناجي جلول بالحضور، وكان إيجابيا في تدخلاته. لكن ما أسجله أنه في المسيرة التي انتظمت يوم 13 أوت بمناسبة عيد المرأة، تم الإتفاق على أن لا ترفع أية راية حزبية، وأن تكون كل الشعارات منادية بحقوق المرآة دون استغلال حزبي للتظاهرة. وكان حزب الأمان حاضرا فيها في إطار الانضباط لهذا الاتفاق.. ثم نفاجأ بالحزب الجمهوري يرفع لافتاته وألوانه وشعاراته ليخترق بذلك القواعد المتفق عليها. فهذا الحزب أعطى الدليل من جديد على عدم الالتزام. والواقع أنه قد عود منافسيه السياسيين بذلك عندما كان تحت اسم «الحزب الديمقراطي التقدمي» من خلال الإشهار الخارق للقواعد المنظمة للحملات الانتخابية في الانتخابات الأخيرة.
هل ترون الحكومة قد وفقت في إدارة المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي أعلنتها ضمن المشروع التكميلي للميزانية؟
ليس تماما.. لنأخذ مثالا لذلك ما يسمى بمشروع 30000 مسكن، وهذا المشروع تعتبره الحكومة مثالا نموذجيا لمشاريعها الاجتماعية، هو مثال حي لضعف الكفاءة على مستوى الإدارة والاستشارة والتواصل مع أهل المهنة. هذا المشروع الذي كان من المفترض أن يؤمن المسكن اللائق لضعاف الحال، والشغل لخمسين ألف عاطل، ويحرك 80 قطاعا. وذلك وفق تصريحات القائمين عليه عند عرضه على المجلس التأسيسي، أصبح اليوم مثالا لسوء التصرف، حين تم الاختيار على نوعية المساكن المصنعة في المعامل، بدون دراسة مسبقة أو تمحيص للخصوصيات المناخية والمعمارية للمناطق التي سوف تركز فيها، وبلا دراسة اجتماعية مدققة للجمهور المستهدف وعاداته، وبلا جرد وتحليل للوضع القائم.. فالنماذج المختارة لا تعدو أن تكون سوى نتاج صناعي بلا روح تنجز بمواد بناء غريبة عن موقع التنفيذ لا ينظر في حاجيات ساكنه ولا يتدارس إمكانية توسيعه عموديا أو أفقيا ولا يأخذ بعين الاعتبار نمط حياة الساكن وطريقة عيشه.
وما يبعث عن القلق هو الارتجال والاعتباطية في أخذ القرارات، وتجاهل أهل الاختصاص في صياغة المشروع واختيار مواقعه والقيام بدراسات جدية ومتأنية ودقيقة للطابع الاجتماعي والثقافي والمعماري المميز بكل جهة واقتراح الحلول الأنسب حسب الاحتياجات، والتغييب الكلي لدورهم وعدم تشريك الكفاءات التونسية في صياغة هذا المشروع. وهذا سوف يكلف البلاد الكثير، خاصة وأن الحكومة ستستورد هذه المساكن من قبل شركات أجنبية، وهي شكل من أشكال إهدار المال العام الذي نراه ضربا من الفساد. وأمام هذا التصرف اللامسؤول من طرف القائمين عليه، نتساءل ماذا لو خرج المواطنون ليعبروا عن رفضهم للسكن في هذه المساكن التي هي أشبه ب«الحاويات»؟
كثرت في الفترة الأخيرة الانتقادات الموجهة للحكومة. ما تفسير ذلك حسب رأيكم؟
نحن لا نريد التجني على الحكومة ولكن نحن أمام واقع.. هل تحققت الاستحقاقات التي نادى بها شباب الثورة؟ وما المشاريع التي أنجزت إلى حد الآن لفائدة هذا الشعب؟ فالتضحيات التي قام بها شباب الثورة لا يوجد لها مقابلا على ارض الواقع؟ أين الترتيبات القانونية لشرائح العاطلين عن العمل، وصغار الفلاحين مثلا؟ بالعكس رأيت أن أغلب القوانين التي سنتها الحكومة راعت مصالح رجال الأعمال، في حين أنه كان من المفروض أن تكون الفئات الفقيرة والمهمشة في صدارة الاهتمامات والقرارات التي وجب اتخاذها. إن ما تم اتخاذه لم نجد فيه ما يخدم الفقير والمحروم، بل كل ذلك انعكس على مستوى عيش المواطن، الذي تدهورت مقدرته الشرائية بشكل ملحوظ.. وهو ما وضعنا أمام أزمات اجتماعية حقيقية في الجهات التي عرفت منطلق الثورة.. وهي مسائل تنذر بالخطر.. والمعالجات الأمنية الأخيرة زادت الأزمات تعقيدا.
يضاف إلى ذلك محاولات تدجين قطاعات حساسة وحيوية كالقضاء والإعلام والنيابات الخصوصية بطريقة المحاصصة الحزبية، وكأنها حرب لوضع اليد على المجالات الحيوية للدولة والمجتمع، بنية التأبد في السلطة. وبطبيعة الحال نحن في حزب سياسي يحترم نفسه وشعبه، من حقه أن يبدي رأيه في الأداء الحكومي وفي الشأن العام بما يتماشى مع مبادئه وأخلاقياته وما تقتضيه المصلحة الوطنية. ومن حقنا أن نصارح منظورينا وشعبنا بما نراه مناسبا للصالح الوطني.
إن مشكلة حزب «النهضة» في نظرنا أنه مازال يخلط بين السياسي والدعوي، فضلا عن عدم حسمه في قضاياه الداخلية، وقد انعكس ذلك في مؤتمره الأخير، الذي وقع فيه تأجيل الحسم للمؤتمر المقرر بعد سنتين. وهو ما جعل هذا الحزب يواجه جملة من التهم كازدواجية الخطاب، وضبابية المشروع، وتوفير الحماية للإسلام السياسي المتشدد، وعدم الالتزام برابطة المواطنة، والميل عن السلم الاجتماعي، ومدنية المجتمع. وندعو التيارات السلفية لتجنيب البلاد كل ما قد يؤدي بنا إلى العنف بأنواعه، فهذا العنف رأيناه قد عصف في السابق بالجزائر الشقيقة ويعصف اليوم بسوريا التي نرجو لها السلامة والأمان.
لماذا حسب اعتقادكم لم تفتح بعد عديد الملفات؟
أخشى أن نفسر ذلك بأن عديد هذه الملفات قد تستغل استغلالا سياسيا، كأوراق ضغط، أو لغايات انتخابية وفي الوقت المناسب. وفي أحسن الاحتمال لعدم جهوزية البت في هذه الملفات، وفي هذه الحالة على الحكومة أن توجد السبل لتسريع البت فيها.. لأن ذلك من صلب مهامها. وأن تثبت حسن النية في تأخير فتحها. وندعو كل من لديه ملفات من هذا النوع إلى اظهارها الآن لكي لا توظف لغايات سياسية.
تقوم عديد الأحزاب في الوقت الراهن بمشاورات وتحالفات فماهي التحالفات القادمة لحزب الامان؟
إن مجال المناورة السياسية ضيق جدا.. ومقومات قوة سياسية ثالثة قادرة على أن تحدث اختراقا نوعيا في المشهد السياسي ورجّة في موازين القوى لم تكتمل بعد.
نحن نعتبر أن حزب الأمان وحركة وفاء ومجموعة الخيار الثالث من أهم مقومات هذه القوة.. ونعوّل على أن تكون أحزاب الخبرات والكفاءات وباعثو المشاريع ممن ينخرط فيهم شباب مثابر عامل، يبني ويغرس ويحرص على توفير الشغل لآلاف العائلات من غير المتورطين مع النظام البائد... واليوم يعتبرون أن هذا الضرب من النضال هو الذي أمّن للمجتمع الصمود أمام التحديات. نحن لا نقبل بمشاريع أحزاب قائمة على إيديولوجيات مستوردة من الغرب والشرق، تجر الشعب إلى قضايا بعيدة عن قضاياه الجوهرية، وغير معنية بتأمين معيشتة اليومية.
ولعل الأقرب إلينا اليوم تبقى حركة وفاء التي نحن بصدد التنسيق معها لاندماج في كيان سياسي يجمع بين النضال والحيوية السياسية. ومن المؤكد أن القوة التي ستتمخض من هذا الاندماج سيكون لها وزنها على الساحة الوطنية، وذلك في انتظار مبادرات أخرى.. ومرحبا بكل من يريد التعاون معنا.
كيف تتصورون الخروج من الأزمة الحالية؟
تونس في حاجة إلى نفس جديد ودماء جديدة، تونس في حاجة إلى جيل جديد من السياسة ينبني على الكفاءة والبراغماتية.. وتونس في حاجة إلى استبعاد تجار الكلام وإلى استقدام عقول متنورة قادرة على وضع البرامج والاستراتيجيات وسواعد قادرة على التنفيذ.
لا بد اليوم من فسح المجال لمن هو قادر على البناء.
ما ردكم حول ما يروج بأن حزب الأمان ينوي المشاركة في الحكومة؟
من الناحية المبدئية ونحن نعتبر أنفسنا في حزب الأمان قوة اقتراح ما دمنا خارج الحكم. وإذا أتيحت مناسبة جادة لخدمة شعبنا ووطننا لن ندخر جهدا لإنزال مقترحاتنا وتصوراتنا وخططنا في الواقع.
علاوة على أننا لا نتوانى لحظة في خدمة وطننا والمساهمة في بنائه. وبناء على ذلك أستطيع أن أؤكد لكم استعدادنا التام للمشاركة في الحكومة، أما من الناحية العملية فيبقى لهياكل الحزب وقياداته صلاحية الحسم.
استعدادنا مهم للإصلاح من داخل المنظومة السياسية والتفاعل الإيجابي ومشاركته في بناء هذا الوطن يشمل كل من وصل إلى الحكم بصفة شرعية مهما كانت حساسيته ولن نبخل عن وطننا بالكفاءات والخبرات التي يزخر بها حزبنا.
هل تنادون بفصل السياسة عن الدين، خاصة بعد التصعيد الذي شهدته بعض المساجد؟
هناك مسلمات ننطلق منها في معالجة هذا الموضوع.. نحن في حزب الأمان مع فصل الدين عن السياسة لكن لسنا مع فصل الدين عن الدولة، لأن الدين شأن عام.. والمؤسسات الدينية تدخل ضمن مسمى «المرفق العمومي» وعلى هذا الأساس لا يمكن للمرفق الديني ألا يكون تحت إشراف الدولة.. وبالمناسبة أدعو وزارة الشؤون الدينية إلى مزيد تفعيل دورها في الإشراف على بيوت الله وملحقاتها كالكتاتيب ودور القرآن، حتى لا يقع استغلالها حزبيا من طرف الحساسيات السياسية. وهذا هو محتوى المائدة المستديرة التي دعونا لها قبيل رمضان الحالي. إن دستورنا أصلا في فصله الأول سينص صراحة على أن تونس دينها الإسلام وسيتجلى هذا حتما في كل القوانين وستبقى مبادئ الدين السمحة.
أما تحييد السياسة عن المساجد، فبيوت الله والتي أذن الله تعالى أن يذكر فيها اسمه فالمساجد لله فلا يدعى مع الله أحدا وكيف يجوز تحويلها إلى مسرح للتجاذبات السياسية والمهاترات الحزبية والكل يعلم ما آلت إليه الأمور من تناحر على المنبر؟.
إن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي بدأت تأخذ في التكاثر، فكيف لنا أن نسمح أن تكون بيوت الله مسرحا للتصادم على غرار ما حصل في المسجد الكبير بصفاقس ثم بجامع الزيتونة المعمور وغيره.
إضافة إلى ذلك لدينا معطيات مؤكدة أن بعض الأحزاب البعيدة نسبيا عن الإيديولوجيا الدينية بدأت تفكر اليوم في اختراق هذا الفضاء المقدس الذي جعل للقيام بالمناسك وتهذيب الأنفس بعيدا عن دنس السياسة والاستقطاب الإيديولوجي.
أثارت الانقطاعات المتكررة في الماء الصالح للشرب وفي الكهرباء عديد الردود؟
قيل ان ما في السدود التونسية والمخزونات المائية السطحية ما يكفي لثلاث سنوات، وفي باطن الأرض ما هو خير من ذلك. فالقضية ليست قضية شح بل هي قضية سوء تصرف وضعف البنية التحتية، وقضية إدارة متهاونة. والوضع في قطاع الكهرباء ليس أحسن حالا. وبخصوص التبريرات الواهية بتزايد مستعملي المكيفات فهل هذا التزايد جاء معاكسا لمنطق الاستياء؟
تصوير: نبيل شرف الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.