كيف ينظر التونسيون بالخارج الى بلدهم بعد سنة من انتخاب المجلس التأسيسي؟ وكيف تتعامل أوروبا مع تونس في ملف الهجرة المنظمة؟ وهل غيرت حركة النهضة موقفها من نداء تونس؟ ومن هو مرشحها للانتخابات الرئاسية القادمة؟ . هذه الأسئلة يجيب عنها الأستاذ حسين الجزيري كاتب الدولة المكلف بالهجرة أكد الاستاذ حسين الجزيري ان اوروبا مازالت ترفض فتح مجالها أمام اليد العاملة التونسية وتمارس الهجرة الانتقائية المقتصرة على الادمغة معتبرا ان ذلك لا يساهم في مواجهة ظاهرة الهجرة غير المنظمة، مشيرا الى ان السلطات التونسية اقترحت على الاوروبيين منح التونسيين تأشيرة بحث عن عمل.
وفي اتجاه آخر قال الجزيري في حديث مع «الشروق» ان نداء تونس هو حزب معترف به وتحترمه حركة النهضة لكنها ليست مستعدة للتحالف معه وان التحوير الوزاري قد يشمل اطرافا مثل الحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الديمقراطي الجديد وحركة وفاء ان أرادوا هم ذلك معتبرا ان البلاد في حاجة الى الولوج الى مرحلة الاستقرار بأكبر توافق ممكن محذرا الاطراف التي هي في المعارضة من الاكتفاء بالجلوس على الربوة وعدم المساهمة في بناء البلاد وفي ما يلي نص الحوار:
ما الذي تغير لدى التونسيين بالخارج بعد 14 جانفي 2011؟
التونسيون بالخارج اصبحت لديهم رغبة في المساهمة في الشأن الوطني حاضرا ومستقبلا ونستطيع ان نقول ان تأسيس كتبة دولة للتونسيين بالخارج هو رضوخ لمطلبهم واعتراف بمشاركتهم في الثورة وفي بناء الدولة والمجتمع.
بعد سنة من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي هل مازالت لدى التونسيين بالخارج نفس تلك الحماسة في المشاركة في بناء الوطن الأم؟
طبعا 14 جانفي هو حلم الحرية والديمقراطية وهو انهيار الاستبداد وما بعد سنة من الانتخابات هو واقع الثورة وواقع تونس وبين الحلم والواقع هناك فرق كبير فإذا كان حلمنا نحن جيل ما بعد الاستقلال تمثل في الحلم بالحرية والديمقراطية و14 جانفي كان بداية تحقق هذا الحلم فإن حلمنا بعد 14 جانفي هو التنمية والقضاء على البطالة. من غير رايه في بناء وطنه في بضعة اشهر نستطيع ان نقول انه متعجل لأن الوطن يستأهل اكثر من سنة صحيح ان اخطاء وصراعات وتجاذبات ربما لا طائل منها احيانا اضرابات واعتصامات بلا حدود أرهقت الناس ولكن المشوار بعد 14 جانفي هو بداية مشوار وليس نهايته.
هل وضعت كتابة الدولة للهجرة برنامجا للاستفادة من الكفاءات المهاجرة؟
كتابة الدولة للهجرة هي بصدد التشكل والتأسيس الاداري والتكنوقراطي وكذلك بصدد اصلاح ديوان التونسيين بالخارج وتأسيس المرصد الوطني للهجرة للتفكير في سياسة تونسية للهجرة والتونسيين بالخارج وكذلك الوكالة التونسية للهجرة والتنمية كمقاربة اقتصادية للهجرة او ما يسمى بخيط العلاقة بين التنمية والهجرة. نحن كذلك دخلنا في حوار منذ 9 جويلية الماضي مع التونسيين بالخارج لتأسيس المجلس الاعلى للهجرة وعبره يبلغ التونسيون بالخارج صوتهم وآراءهم مهما كانت ميولاتهم السياسية او الاجتماعية.
طبعا يتميز ملف الهجرة كغيره من الملفات بتحديين تحدي التفكير المستقبلي لوضع سياسة متوسطة أو بعيدة المدى اي رؤية استراتيجية لملف الهجرة والتحدي الثاني تحدي العلاج ومواجهة واقع الهجرة خاصة غير المنظمة وتداعيات ذلك على الوطن وكذلك مشاكل التونسيين بالخارج الذين يمثلون اكثر من عشرة بالمائة من التونسيين وقد تشتت مشاكلهم ومطالبهم بين الداخل والخارج مما يستدعي اجتهادا وعلاجا وتقديم خدمات يقر الجميع بان تحسينها وتطويرها امر ضروري.
كشفت التحقيقات التي اجريت بإيطاليا حول آخر حادثة غرق وجود لغز حيث لم يتم العثور لا على المركب ولا على المفقودين فهل هناك تطورات في القضية؟
اولا فقدان عشرات التونسيين في آخر حادث غرق مركب يمثل فاجعة وطنية ولهذا تدخلت الدولة بثقلها لمعرفة أسباب مثل هذه الفاجعة وتحميل المسؤولية لكل الاطراف المعنية ورغم نجاة 56 راكبا من الحادث الا ان الامر غلب عليه الغموض لذا تشكلت لجنة مشتركة بين الطرفين التونسي والايطالي من جهتنا تحت رعاية وزارة الخارجية تشارك فيها وزارات الداخلية والدفاع والعدل.
وبعدها بدأ تحقيق جدي في الموضوع ومازال متواصلا لكن الذين نجوا والموجودون في ايطاليا لا يرغبون في العودة الى تونس الا ان عائلات المفقودين تطالب بعودة الناجين حتى يتم التحقيق معهم لمعرفة الحقيقة.
ما الذي قمتم به لمواجهة الهجرة غير الشرعية؟ وما الجديد بالنسبة للهجرة الشرعية؟
بالنسبة للهجرة غير المنظمة فان الارقام تشهد بان المعالجة تحققت بأقدار لا بأس بها وان كانت سنة 2011 لا يمكن القياس عليها اذ بلغ عدد المهاجرين فقط الى ايطاليا أكثر من 33 ألفا فانه في هذه السنة تجند الحرس البحري وبقية الأطراف المعنية في الدفاع وغيرها لينحصر العدد في 3 آلاف بمن في ذلك الأجانب.
لا يمكن ان نعتبر ان القضاء على الهجرة غير المنظمة سيكون نهائيا الا ان الامر يمكن معالجته اذا تعاونت الاطراف الوطنية افرادا ومؤسسات حكومية وغير حكومية لمحاصرة مثل هذه الظاهرة فانه كذلك من الضروري ان تتعامل الاطراف الأوروبية مع تونس كطرف شريك وندي فالمسؤولية مشتركة بيننا وبينهم.
ما الجديد بالنسبة للهجرة الشرعية أو المنظمة؟
لا تزال أوروبا تراوح مكانها في الاعتراف وفتح مجال الهجرة المنظمة اذ تمارس الهجرة الاختيارية مما يتسبب لنا في تجفيف منابع الادمغة بينما نطالب نحن بان تشمل الهجرة المنظمة اليد العاملة التونسية ونحن اقترحنا على اوروبا تأشيرة بحث عن عمل لمدة سنة واحدة على اقصى تقدير يبحث المهاجر خلالها عن عمل في اوروبا فاذا لم يجد يعود الى تونس.
اذا بقيت التأشيرة منحصرة في الاطباء والمهندسين ورجال الأعمال والاساتذة الجامعيين فان ذلك يعني ان اوروبا تغلق ابوابها امامنا وامام المجال المغاربي وهذا في حد ذاته يشجع على الهجرة غير المنظمة، وبذلك فان اعتماد الحلول الامنية لمقاومة الهجرة غير المنظمة مثلما فشل في السابق سيفشل في المستقبل والحل هو في ارساء مقاربة شاملة للهجرة مثلما يقولون هم في اوروبا تربط بين الهجرة والتنمية.
ما هي قراءتكم للوضع السياسي العام في البلاد؟
لم يبق لنا في هذه المرحلة كأطراف سياسية وقوى مدنية حكومية وغير حكومية الا ان نتوافق على تاريخ الانتخابات وبعد ان نحدد الموعد نضبط اجندة واضحة نستكمل بمقتضاها متطلبات المرحلة الانتقالية لنختمها بإصدار الدستور.
الآن يتوجب علينا العودة الى طاولة الحوار بيننا جميعا كسياسيين لنقرر جماعيا وبالتوافق انهاء التجاذبات والمزايدات والتوقف عن التصعيد واعطاء تونس مهلة لإنجاز الانتخابات التي ستبدأ مرحلة تنهي المرحلة الانتقالية وتدخل تونس ما بعد الثورة الى وضع عادي يشرع في معالجة الملفات العاجلة والآجلة ومباشرة النموذج التنموي المطلوب مستقبلا فالمشهد الممتلئ بالاعتصامات والاضرابات والمس بحرمة القانون وهشاشة المنظومة الامنية لا يمكن ان يتواصل.
تحدثتم عن الحوار الوطني بمختلف الاطراف فهل راجعت حركة النهضة موقفها من نداء تونس؟ وهل يمكن ان تحضر حوارا هو موجود فيه بعد ان قاطعت مبادرة اتحاد الشغل بسببه؟
في المدة الماضية كانت هناك اكثر من مبادرة منها مبادرة الحزب الجمهوري ومبادرة المسار ومبادرة اتحاد الشغل واخرى لم تظهر على السطح، كل هذه المبادرات ساعدت على تهدئة الاوضاع لكن المبادرة الحقيقية حسب رايي تتم بين العائلات السياسية بمختلف تياراتها وان الاتحاد ساهم وربما يساهم اكثر في تهدئة التوتر الاجتماعي اما التوافق السياسي فتضعه الاحزاب التي هي في السلطة والمعارضة.
وما ذا عن نداء تونس هل يمكن ان تجلسوا معه في طاولة حوار وطني؟
نداء تونس هو حزب سياسي معترف به له ما له وعليه ما عليه كبقية الاطراف هذا امام القانون اما المشهد السياسي فهو متشكل الآن بواجهات مختلفة فتجد السلطة ومن معها وتجد المعارضة ومن معها وأظن بأن المرحلة الراهنة تدخل حوارا وطنيا جديدا مفتوحا على كل الاحتمالات والانتخابات القادمة قد تحول بعضنا من السلطة الى المعارضة او من المعارضة الى السلطة ولكل طرف ان يختار حلفاءه ونحن في حركة النهضة لا نعتبر نداء تونس حليفا لنا ولن نتحالف معه لأننا نعتبره قوة جذب الى العهد السابق هذا موقفنا لكننا نحترمه كحزب سياسي معترف به ومن حقه ان يختار تحالفات أخرى وأظنه يمارس ذلك منذ نشأته في تمايز عنا بل وضدنا.
بينما انا شخصيا ارى ان قوى اخرى اليوم هي في المعارضة أو هي بصدد التشكل يمكن ان نلتقي معها ونكون في السلطة مع بعضنا مستقبلا، طبعا الدولة التونسية ملك للجميع وسنبنيها سواء كنا في السلطة او خارجها.
من الذي تقصده بالأطراف التي هي المعارضة ويمكن ان تلتقوا معها؟
من اقصدهم هم أحزاب مثل الجمهوري والمسار أو التحالف الديمقراطي الجديد أو حركة وفاء كلها قوى سياسية جادة شخصيا يشرفني ان التقي معها في بناء الدولة الجديدة مثلما التقيت معها في الماضي في مقاومة الاستبداد والتبشير بالديمقراطية.
اذن كيف تقيم الأوضاع داخل الترويكا؟
أولا على الترويكا ان تحافظ على بقائها في السلطة وما يتطلبه ذلك من تحمل للمسؤولية التي قد تطال أحيانا جماهيرية هذا الطرف او ذاك بل على الترويكا ان تبقي على تحالفها لتنفتح اكثر على بقية القوى الوطنية الأخرى، وهذه الاخيرة اذا أرادت ان تدخل تونس مرحلة الاستقرار أكثر قوة عليها ان تغامر اليوم وتتحمل مسؤوليتها في المشاركة في ما تبقى لنا من الزمن لقيادة البلاد الى بر الامان والاستقرار اما اذا ارادت المعارضة ان تحافظ على عذريتها السياسية فلها ان تنتظر الى ان يقول الشعب كلمته يوم الانتخابات ولا أرى ان البقاء على الربوة سياسيا افضل من المغامرة وتحمل المسؤولية.
وأنا في هذه المناسبة ادعو شخصيات وطنية احترمها مثل السيد نجيب الشابي والسيد احمد ابراهيم وآخرين وكذلك قيادات اتحاد الشغل الى تجاوز عقلية المعارضة والتمايز عن السلطة لأن هذه اللحظة التاريخية تحتاج الى شجاعة ولا اظن ان من ذكرتهم تنقصهم. هل يمكن ان يتنزل التحوير الوزاري المزمع إجراؤه في هذا الإطار؟
نعم في هذا الاطار يتنزل التحوير الوزاري وهو اما ان يكون تحويرا خفيفا وشكليا لملء الفراغ ويعطي لمن هم في السلطة بعض الدفع والا ان يكون تغييرا وزاريا اكثر عمقا بدخول الاطراف التي ذكرتها سلفا بعضها او من يمثلها من دون ان يقلب ذلك روح أداء السلطة لضمان حد معقول في استمرارية الاصلاحات ولكي لا نقع في العود على بدء اي انه من المطلوب ان يتم تغيير وزاري يضفي روحا سياسية جديدة شعارها انجاح الانتخابات والتوافق الوطني من اجل ولوج مرحلة الاستقرار.
ذكر رئيس الحركة في صفاقس ان للنهضة مرشحها للرئاسة فمن المقصود بذلك؟
اظن ان الشيخ راشد الغنوشي يقصد انه من الممكن او من المفروض ان يكون لحركة النهضة مرشح للرئاسة والا فإن حركة يقال عنها انها تحكم اليوم وانها اقوى الاحزاب في البلاد ولا تملك مرشحا للرئاسة فان الامر لا يستوي.
ارى ان تونس الأن بصدد نقاش عميق مباشر وغير مباشر حول صورة مشهدها السياسي المستقبلي وهنا يسعني ان اقول ان كل الشخصيات المرموقة والكفاءات العالية الوطنية لها موقع في المستقبل ولا يمكن لتونس ان تحرم منها مرة اخرى مثلما حرمنا منها في مراحل الاستبداد فالانفتاح وتكافؤ الفرص امام الجميع اكانوا في السلطة او في المعارضة سياسيين او تكنوقراط او رجال اعمال كلهم مدعوون الى التعبير عن استعدادهم لخدمة البلد والمشاركة في الارتقاء بالشأن العام.
من هو حسين الجزيري؟
حسين الجزيري متزوج و أب لثلاثة أبناء من مواليد 02 جويلية 1968 بجرجيس انتمي إلى حركة الاتجاه الإسلامي منذ التعليم الثانوي و كان ناشطا في الحركة التلمذية وتحصل على الباكلوريا سنة 1988 . بدأ تعليمه الجامعي بكلية 9 أفريل بتونس العاصمة اختصاص فلسفة وكان ناطقا رسميا باسم الاتجاه الإسلامي في الجامعة وعضو المكتب السياسي الطلابي بين 1988 و 1990 واصل تعليمه الجامعي بالمغرب الأقصى لمدة ثلاث سنوات من 1991 إلى 1993 ثم انتقل إلى باريس حيث تحصل على الأستاذية اختصاص فلسفة وواصل نضاله الشبابي بالمغرب والتحق بالقيادة بالجزائر. في فرنسا كان نشاطه بالمكتب السياسي من 1993 حتى 2011 وكان عضو لجنة الإعداد المضموني لمؤتمري الحركة بالمهجر في 1995 و 2000 وأسس معهدا لتعليم العربية والإسلام بفرنسا.