لا تزال بعض العقليات ترزخ تحت وطأة الجهل والتخلف ولا تستحي ان تجاهر بذلك من منطلق حرية التعبير التي أصبحت الكلمة السحرية التي بفضلها يصفي البعض حساباته عوض أن يعالج العقد المكبوتة بداخله. مقدمة حديثي هذا جاءت على إثر واقعة شاهدتها بنفسي وظللت مشدوها غير مصدق. فأثناء عودة الوفد التونسي قبل أيام قليلة من بغداد على إثر المشاركة المشرفة في مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي وعلى متن طائرة اسطنبول تحديدا والمتوجهة الى تونس كان أفراد الوفد التونسي سعداء جدا بهذه المشاركة التي زرعت بسمة تونسية على شفاه عراقية وفتحت جسور التواصل من جديد بين الفن التونسي والفن العراقي . كانت دلائل البشر تعلو وجوه جميع الفنانين والاعلاميين فكنا نتندر بالمفردات العراقية الجميلة ونتواعد على تجربة الاكلة الشعبية التي تذوقناها ونسترجع أحلى الذكريات التي تركت أجمل الانطباعات في صدور وأذهان الشعب العراقي من فنانين ومبدعين واعلاميين ورجال سياسة. بعدها وما إن بدأنا نتحسس أماكننا ومع عديد المسافرين حتى أطل كهل ذو لحية خفيفة تبدو عليه مظاهر التدين والرصانة وما إن لمح الممثلة ليلى الشابي حتى نظر إليها شزرا قائلا «ما زلت تمثلين .. ألا تخجلين من نفسك في مثل هذا السن..؟ انتظري فمثواك جهنم وبئس المصير». صعقت ليلى من هذا الهجوم المجاني وتلعثمت فما كان من المخرج والممثل حافظ خليفة إلا أن بادره بنبرة لا تخلو من تصعيد معيبا عليه ما تلفظ به قائلا له «كان الأجدر أن تقدم لها تحية لما قدمته من صورة مشرفة عن تونس في بغداد أمام الأشقاء العرب». هذا الكلام لم يعجب الملتحي فهمّ بمهاجمة حافظ خليفة في رواق الطائرة لولا موقف الإعلامي صلاح القريشي ووقوف جميع الفنانين صفا واحدا مما استرعى انتباه الطاقم التركي للطائرة فانسحب هذا الكهل خائفا وغاص في مقعده وبحلول طاقم الطائرة واستفسارهم عن الواقعة كادوا أن يحولوا الأمر إلى قضية سياسية إلا أن ليلى الشابي وحافظ خلفية أرجآ ردة الفعل لاحقا لتكون على التراب التونسي أفضل. وفعلا حال حلولنا بمطار تونسقرطاج توجهت ليلى الشابي إلى مركز الشرطة وقدمت بلاغا ضد المعتدي الذي تم إيقافه على الفور وهو مختبئ وسط صفوف المغادرين. وعند استنطاقه حاول التملص من التهمة ومراوغة رجال الأمن نافيا الواقعة فتمت دعوة حافظ خليفة ليشهد بما حصل وكان من الممكن ان يشهد جميع الوفد التونسي، عندها انهار الكهل باكيا طالبا «السماح» مشيرا إلى أنه حاج إلى بيت الله مرتين وأن له أطفالا صغارا وليس متعودا على البهذلة مما أربك الحاضرين ما عدا رجال الامن الذين أصروا على متابعته عدليا إلا أن ليلى الشابي رأفت لحاله وقدمت تنازلا عن القضية شريطة أن يكتب تعهدا بعدم التعرض لها ولأي فنان تونسي وقدمت له درسا في الوطنية وفي كيفية تشريف الوطن خارج حدود الوطن وقالت له بالحرف الواحد « لماذا نغصت علينا فرحتنا فقد كنا نزرع نور ثقافتنا خارج الحدود ثم نأتي إلى وطننا فنجد الظلام يسود ؟ لماذا يودعوننا بالقبلات والتحية والإكبار وتستقبلوننا بالسب والشتم والتوعد بالجحيم هل أنت مسلم أكثر مني؟...».