سنية برك الله مخرجة عصامية التكوين تونسية الأصل فرنسية المنشأ، لم تكن تخطط يوما أن تجذبها أضواء الفن السابع وتذوب في عوالمها السحرية، زياراتها لتونس لا تتجاوز عدد اصابع اليد شأنها شأن كل التونسيين المغتربين الذين يبحثون عن السكينة في مسقط رؤوسهم. وتزامنا مع أيام قرطاج السينمائية تزورنا هذه الايام لتتابع آخر المستجدات على الساحة السينمائية وللاعداد للمشاركة في مؤتمر عالمي حول الطب النفسي سيقام بسوسة وستعرض خلاله شريطها السينمائي الحدث «انطلاق خاطئ». حول تجربتها السينمائية وسر إقدامها على خوض تجربة الافلام الوثائقية كان لنا معها هذا الحوار: في البداية لو تعرفيننا بنفسك؟ سنية برك الله مخرجة سينمائية عصامية التكوين لم تكن لي أية دراية في الاخراج السينمائي ولكن بالعزيمة والايمان بالذات استطعت ان اكسر حاجز الجهل في نفسي وان أكون نفسي بنفسي وأن ادخل مغامرة الإخراج في عمل طالما استهواني وأثقل كاهلي بالهواجس. لننطلق من العمل «انطلاق خاطئ» هو شريط وثائقي يحكي الابعاد الغيبية لعديد من الحالات التي نشطت مخيلتها ما بعد الموت من خلال تجارب حقيقية. ماذا تقصدين بالحياة ما بعد الموت؟ البداية كانت من خلال كتاب قرأته La vie après la vie «الحياة ما بعد الحياة» من خلال تجارب من وقفوا على شفا حفرة من الموت للعالم النفساني Raymond Moody رمون مودي وكان هذا الكتاب ورقة الانقاذ التي حددت مصير حياتي وقد كنت قبلها أعيش حالات من الاكتئاب والضياع النفسي وصل إلى حد الانهيار العصبي وعشت حالات نفسية رهيبة وكنت في حالات الإغماء أشاهد أشياء في مخيلتي تحدث على أرض الواقع وهذا صعب تصديقه، وفجأة وجدت عالمي المجهول من خلال هذا الكتاب الرهيب فكان عبارة عن سفر مجاني لتجارب من فارقوا الحياة كلينيكيا ومن عاشوا تجربة الموت وحقيقة مثل هذا الكتاب سفرة في غياهب المجهول وإجابة عن جميع التساؤلات مما فتح لي شهية المعرفة والاطلاع أكثر فأكثر فقد حرصت شخصيا على لقاء هذا الطبيب النفساني المعجزة وكان لي ما أردت حيث التقيته بعيادته بكندا واكتشفت عمق هذا الرجل وثقافته العلمية والاجتماعية الواسعة وعند العودة الى فرنسا قمت بمساع جبارة من اجل اقامة ندوة علمية يلقيها هو بنفسه وكانت المفاجاة أن حضر المحاضرة قرابة الالفي شخص. وكيف أمكن لك إخراج شريط سينمائي بهذه الطريقة المبتكرة والجميلة وأنت عصامية التكوين؟ هذا صحيح أنا عصامية ولكني صاحبة الفكرة والنص والتصور العام والرؤية الإخراجية وبالتالي ليس من الصعب الاعتماد على محترفين لتنفيذ أفكاري ومشاريعي وقد ظللت أعد هذا الشريط قرابة ثلاث سنوات ليرى النور بتكلفة ناهزت 160 ألف اورو والحمد الله وجد هذا الشريط صدى لم أكن أتخيله رغم جرأته وملامسته لمواضيع قد يستشف منها أنها من الغيبيات التي لا ينبغي التطرق إليها وقد عرض في عديد قاعات وشاشات العالم وترجم إلى الانقليزية في بادرة أولى وستليها ترجمات أخرى في قادم الأيام. انطلقت من تجربة ذاتية لتخرجي شريطا سينمائيا فهل يمكن القول ان هذا الشريط هو الاول والاخير باعتبارك عبرت عما تريدين قوله؟ طبعا لا وإنما هذا الشريط هو انطلاقة لا غير وهو بوابة فتحت لي الآفاق نحو عوالم أخرى ولن أحيد عن عالم الافلام الوثائقية وما يحيط بنا في العالم بأسره هو عبارة عن مخبر تجارب انسانية لا تنضب مواضيعها. قدمت الشريط السينمائي بصورة وبطريقة إخراجية محترمة فأي المدارس الأقرب إليك اخترت اتباعها؟ حتما هي المدرسة الامريكية وقد ظللت طويلا أشاهد البرامج الوثائقية العالمية بمنظار الراغب في الاطلاع على اسرار الصورة فأنا ضد النمطية الفرنسية في الاخراج ومع روح الإثارة في الاخراج الامريكي. أين تصنّفين نفسك: هل أنت تونسية في ثوب فرنسية أم فرنسية من جذور تونسية؟ سؤال يحيرني ويطرح في ذهني ألف سؤال حول المعنى الحقيقي للهوية الذي يحمله المغترب. فأنا تونسية الجذور والدماء والعروق ولكنني فرنسية المولد والمنشأ والثقافة فأنا مثل ذلك النحات الذي أبدع منحوتة جميلة بثقافته وتركيبته ولكنه اعتمد على المادة الاولية من مكانها الأصلي فأنا كذلك احمل المادة من تونس والتحف بالثقافة الفرنسية كفكر وثقافة وحضارة. أشعر ان هذا السؤال أربكك نوعا ما؟ هذا صحيح لأننا نعيش في منزلة ما بين المنزلتين ففي فرنسا لا ينظر إلينا كفرنسيين وإنما كمهاجرين تركوا اوطانهم وستظل هذه النظرة متوارثة رغم طول فترة الاقامة والحياة وعندما نزور اوطاننا ينظر إلينا كمواطنين بالخارج مصنفين في مرتبة معينة وهذا ما يخلق في نفسي عدم الاتزان واعتقد انك اوحيت لي بفكرة شريط سينمائي يغوص في نفسية هذه الوضعيات. في أي إطار تندرج زيارتك الى تونس هذه الايام؟ في إطار الاعداد للملتقى الدولي للاطباء النفسانيين حول traum الذي سينعقد بسوسة في شهر فيفري حيث سيحظى شريطي بالمتابعة والدرس بحضور ما يقارب 600 طبيب نفساني مختص من تونس ومن الخارج وانا سعيدة جدا بالدعوة التي تلقيتها من الاطباء الاساتذة سفيان الزريبي رئيس الجمعية التونسية للاطباء النفسانيين والمهن الحرة وكذلك الطبيب سمير العيادي. وسعادتي كانت مضاعفة على أساس تواجدي المتزامن مع ايام قرطاج السينمائية وقد كان حضوري مبرمجا ليكون متزامنا مع هذه التظاهرة بفضل حرص الصديقين الأستاذ الجامعي ورجل الثقافة توفيق القرقني والصديق محمد عبد الخالق وقد وجدت في تونس أجواء منفتحة خلال هذه التظاهرة وأمكن لنا الاحتكاك بعديد السينمائيين والمشرفين على الفن السابع واتمنى ان يكون هذا تعاون مستقبلي بين عديد الأطراف.