كانت شهادة الباكالوريا التونسية على مرّ السنوات وخاصة في النظام التربوي القديم الذي أسسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تشعّ هبة ووقارا وحجما ووزنا وقيمة في كل أصقاع الدنيا... وكانت جواز سفر لكل التلاميذ الناجحين للانخراط بالجامعات العالمية في فرنسا وانقلترا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا ودول أوروبا الغربية بلا شروط ولا مناظرات ليكون النجاح حليفهم.. وكم استقبلت البلاد التونسية من كوادر وإطارات سامية في شتى الاختصاصات تخرجوا من أشهر الكليات العالمية بشهائد الامتياز وأكثرهم شيّدوا صرح البلاد في فترة بناء الدولة بعد الاستقلال مباشرة... وهذا التألق والامتياز كان نتاجا لباكالوريا «صحيحة» هي شهادة ختم مناظرة من الحجم الثقيل كيفا وكمّا لا يمرّ منها غير التلميذ «الصحيح». وجاءت المنظومة التربوية الجديدة بامتياز ظاهرها تجريب وتعدّ على حرمة تعليمنا وباطنها دلال لتلميذ اليوم الذي أصبح النجاح «هدية» على اعتبار أن نظام «بن علي» لعب على أعصاب الناس واشتغل على عواطفهم ونفسياتهم وأمسى الرسوب في الامتحانات والفشل في نيل شهادة الباكالوريا ضربا من الخيال.. مما دفع أصحاب القرار في وزارة التربية الى «اختراع» امتياز يتمتع فيه تلميذ الباكالوريا بعد احتساب معدل السنة الدراسية بنسبة 25% في معدل مناظرة نيل شهادة الباكالوريا ليختلط بعدها الحابل بالنابل خاصة لما صارت الجامعات التونسية تستقبل أعدادا من الطلبة نصفهم بمستويات ضعيفة ومما زاد الطين بلّة تكريس نظام «إمد»... المثير للاستغراب مأتاه لما نعلم أن عديد التلاميذ نالوا شهادة الباكالوريا ومعدلهم في المناظرة لا يفوق 7 من 20 ويعود الفضل في ذلك ل 25% طالما أن معدّل السنة الدراسية قيل حوله كثير من الكلام من ناحية الشكّ والريبة والظن؟ ومربط الفرس لهذه المقدمة هو الخبر الذي سرى في كل مكان من وطننا العزيز والحامل لرغبة وزارة التربية في حذف امتياز ال25% بعد أن بان فشله وأضرّ بقيمة شهادتنا ودنّس سمعة تعليمنا لأن شهادة الباكالوريا التونسية أمست اليوم بلا قيمة وصارت «ما تقضي شيء» وللأمانة فالغيورون على تعليمنا كانوا يتمنّون أن تلعب وزارة التربية دورها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية بكل أمانة حتى تسترجع شهادة الباكالوريا في تعليمنا وزنها... ولكن أطل علينا وزير التربية في القناة الوطنية الأولى ليكذّب الإشاعة ويدعم ال25% ويثبتها «بكل حزم» مما جعل الجميع يشعر بالحسرة والأسى باعتبار أن أصحاب القرار أهدروا فرصة من ذهب للمصالحة مع شعبهم... ولنا أن نسأل وزير التربية: «أيهما الأولى خدمة لتعليمنا... فتح ملف المخدّرات أم فتح ملف ال 25% ؟؟؟».... أنا أسأل وغيري من الأولياء ممن هالهم الوضع المتردي لأبنائهم يريدون الفهم!!!