حذّر أمس «معز الجودي» خبير إقتصادي من تكرّر السيناريو اليوناني في تونس والوصول إلى مرحلة الإنهيار التام للإقتصاد خلال الأشهر القليلة القادمة وذلك خلال ندوة صحفية نظمها أمس مرصد «إيلاف» لحماية المستهلك والمطالبين بالضريبة. وقال «الجودي» خلال مداخلته ان وضع الإقتصاد التونسي كارثي وأن التخوفات كبيرة، وأضاف: «قبل الثورة كان وضع الإقتصاد أفضل بكثير من الوضع الحالي وقال ان معدل النمو كان في حدود 4 و5 في المائة وجل المؤشرات مقبولة». وأشار «الجودي» إلى أن تحقيق تلك المؤشرات لم يكن بفضل «بن علي» الرئيس المخلوع لأنه لولا فساد الحكومة لكانت المؤشرات أفضل بكثير أي في حدود 7 و8 بالمائة، مؤكدا انه رغم السلبيات كان هناك رجالات ووزراء وإداريون خدموا الإقتصاد بتفان في تلك الفترة، ومن بين المآخذ على حكومة «بن علي» انه لم يكن هناك توزيع عادل للثروات. وأكدّ «الجودي» انه بعد الثورة إستغلّت بعض الأحزاب والسياسيين الفرصة ليسوّقوا صورة سلبية عن الإقتصاد مفادها ان الوضع سيئ للغاية وأن البلاد في تداين، وهو ما اعتبره «الجودي» مجانبا للحقيقة. وأكدّ «الجودي» أن نسبة التداين كانت في حدود 39 بالمائة ونسبة التضخم المالي بين 3 و4 في المائة وهي نسب «مقبولة» ولا تعتبر كارثية. وأشار إلى أن عدم الإستقرار وكثرة الإعتصامات والإضرابات أضرّت بالإقتصاد وقال «ياحبّذا لو لم نتماد في تحطيم الإقتصاد لأن بعض الأطراف وللأسف عملت على محو ما سبق وإعادة البناء من جديد، متناسية أن العالم يتقدم وان عديد البلدان تتصيد الفرص لتطوير إستثماراتها». وأضاف: «كان الأجدر البناء على ما سبق ومزيد التقدّم، مضيفا أن سنة 2011 كانت كارثية على الإقتصاد التونسي حيث سجّلنا نسبة نمّو(1 – ) بالمائة وعجزا في الميزانية ب 4 و5 بالمائة وتضخما ماليا يقدر ب4٫5 بالمائة، وأن إحتياطي العملة الصعبة تدنى إلى 120 يوما فقط عوضا عن 145 يوما سجلت مباشرة بعد الثورة وإعتبر ان إهتمام حكومة «السبسي» كان منصبا على إجراء الإنتخابات وليس على الإقتصاد، مضيفا انه بعد 23 أكتوبر بدأت المحاصصات الحزبية ووعود قياديين في «النهضة» بتشغيل 490 ألف شخص وتعيين أشخاص على رأس الوزارات ليس لديهم الدراية والخبرة مثل وزير التشغيل وقال ان «التسييس» وراء بداية إنهيار الإقتصاد، مشيرا الى أنه لم يتم العمل بقانون المالية لسنة 2012 وأنه لم يحقق أي هدف من أهدافه وأضاف: «لقد تخيّلوا عائدات لم تكن موجودة على أرض الواقع ومن ذلك مداخيل المؤسسات المصادرة والتي لا يمكن بيعها في 6 أو 7 أشهر». وقال ان الإستثمارات العمومية المقدرة ب 6 مليارات دينار لم يتحقق منها سوى 30 أو 40 في المائة مما تم تخيله وبالتالي لم تكن هناك مشاريع عمومية في الولايات. وإعتبر «الجودي» ان قانون المالية التكميلي كان خاطئا وأنه تم التمادي في الضبابية والغموض وأنه لم تكن هناك سياسة ولا أهداف واضحة. واشار إلى ان إنهيار الإقتصاد تضاعف في 2012 من حيث عجز الميزان الإقتصادي وعجز ميزان الدولة والذي مرّ من 4 إلى 8٫9 بالمائة مؤكدا ان هناك مغالطات من الدولة في التصريح بنسب العجز الحقيقية وقال «عندما يبلغ العجز 3 في المائة فهذا مؤشر سلبي وخطير». وقال ان الإحتياطي من العملة الصعبة نزل إلى أقل من 100 يوم ووصلنا إلى 90 يوما وقال ان نسبة التضخم المالي المعلن عنها من قبل المصادر الرسمية تقدر ب 6 بالمائة معتبرا ان طريقة الإحتساب قديمة وان النسبة الحقيقية هي بين 9 و10 في المائة مؤكدا أن اليونان وصلت إلى الإفلاس ب 10 في المائة فقط. رواتب الموظفين من القروض؟ وأكد أنه تم التحذير من إنهيار الإقتصاد، وتكرر سيناريو اليونان في تونس، معتبرا انه من بين المؤشرات الأخرى الخطيرة المديونية التي كانت بين 39 و40 في المائة سنة 2011 وبلغت 48٪ في 2012 وأنه في المقابل لم يتم خلق ثروات أي أننا كنا نتداين ولا ننتج. وأضاف «لو أستعملت هذه القروض في الإستثمارات لكان بالإمكان سد الديون لكن وصلنا إلى مرحلة الإقتراض لتمويل ميزانية ونفقات الدولة». واعتبر «الجودي» ان قانون المالية لسنة 2013 يعتبر كارثيا، مؤكدا أن بلادنا طلبت قروضا ب 6٫9 مليار دينار في حين ان الإعتمادات تقدر ب 4٫5 مليار دينار. وقال أمام تراجع التصنيفات حسب أشهر وكالات الترقيم العالمية لم يعد هناك من يقرضنا وهو ما يفسر اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي لا يمول الإستثمار. واضاف «صحيح ان القروض بأقل فوائض ولكنها متبوعة بشروط مجحفة كالقيام بإصلاحات هيكلية والتدخل في تسيير الإقتصاد وهو ما سيجعلنا ندخل في تبعية إقتصادية». وحذّر «الجودي» من ضرب السيادة الوطنية وذلك بفرض خوصصة المؤسسات العمومية ولم يستبعد فرض خوصصة «الستاغ» و«الصوناد» لفائدة مؤسسات من الخارج أو تقليص أجور الموظفين واعتبر ان ما نسمع عنه من أنباء كالحد من صندوق الدعم في تونس، هي بداية إملاءات صندوق النقد الدولي. تونس في المرتبة الخامسة في تبييض الأموال وكشف أنه ليس هناك برنامج واضح لإنقاذ البلاد، وأن الاستثمار معطل والإقتصاد منهار وأضاف ان تبييض الأموال إنتشر بكثرة وأن تونس صنفت حسب منظمة الشفافية العالمية في المرتبة الخامسة في تبييض الأموال. مؤكدا «أننا وصلنا اليوم إلى حالة من الإحباط في عالم المؤسسات التونسية وان هناك نحو 1250 رجل أعمال تونسي من الأسماء المشهورة يفكرون جديا في تحويل إستثماراتهم إلى المغرب أين قدمت لهم إمتيازات مغرية» متسائلا: «فما بالنا بالمستثمرين الأجانب؟».