- لا أخاف الاحتلال بل الفكر الإيديولوجي المتطرف - لا تطبيع قبل إرجاع حقوق الفلسطينيين - ما يحدث في سوريا انتكاس لنا كعرب شاء له عشقه لفلسطين أن يوظف كاميراه لخدمة القضية الفلسطينية بعيدا عن ألاعيب «البروباغندا» التسويقية . فاهتم بجوهر القضية واحتفى بذاكرة الإنسان والمكان والزمان في غناء للحرية...لقب برائد السينما الفلسطينية المستقلة واعتبر واحدا من أبرز أعلام الأفلام الوثائقية. إنه المخرج والمنتج السينمائي الفلسطيني ميشال خليفي صاحب الفيلم الشهير «الذاكرة الخصبة» أول فيلم فلسطيني يتم تصويره في الأراضي المحتلة .وهو شريط حصد كما غيره من أفلام الخليفي على غرار «عرس الجليل» و«الزنديق» عديد الجوائز العالمية . ميشال خليفي حط الرحال هذه الأيام في تونس كضيف على تظاهرة أيام سينما الحقوق والحريات. «التونسية» التقته في حديث عن السينما وفلسطين وثورات الربيع العربي فكان معه الحوار التالي: المخرج ميشال خليفي في تونس مجددا بعد عشر سنوات بالتمام والكمال من الغياب ... لماذا هذه القطيعة ؟ (مبتسما في أسف) هي إرادة الله... لكني أبدا لم أختر هذا الغياب.فأنا أحب تونس لأنها كانت أول بلد عربي أزوره, وأول عرض لفيلمي « الذاكرة الخصبة» كان في مهرجان قرطاج حيث تم تتويجي بجائزة التانيت الذهبي في عام 1988 . فبدايتي السينمائية انطلقت من تونس وتونس جزء من تجربتي الإبداعية...لكن بعدها تغيرت الأشياء وتبدلت الظروف فلم تعد توجه إلي دعوات للحضور في المناسبات الثقافية التونسية... في زيارتك هذه يعرض لأول مرة في تونس آخر أعمالك السينمائية الحائز مؤخرا على جائزة المهر العربي, فأي موضوع يعالجه فيلم «الزنديق»؟ «الزنديق» هو فيلم شخصي أكثر منه معالجة جماعية للقضية الفلسطينية وهويتحدث عن مخرج سينمائي - ربما يكون بطله توأمي لكنه لا يشبهني- عاد إلى فلسطين ليخرج فيلما وثائقيا عن نكبة 1984. وكان هذا المخرج في جمعه للشهادات يطرح سؤالا مخالفا للمفترض أن يكون إذ لا يلقي أسئلته على اللاجئين الفلسطينيين الذين رحلوا أواجبروا على الرحيل عن منازلهم عام 84 بل على من بقوا في بيوتهم قائلا: «لماذا بقيتم، لماذا لم ترحلوا، أريد أن اعرف ماذا جرى معكم؟» وتشاء الأقدار أن يقتل ابن شقيق هذا المخرج احدهم فتصبح العائلة مطلوبة للثأر وهنا يعيش هذا العائد حديثا إلى مسقط رأسه صراعا داخليا يمزقه بين خيارين اثنين ,فإما أن يختار العودة على أعقابه والهروب من فلسطين وإما البقاء مع الأسرة والوقوف معها في محنتها ...وقد قصدت أساسا من وراء فيلم «الزنديق» تقديم رؤية عن فلسطين ,عن الإنسان العربي إجمالا الذي تتحرك في داخله عديد التناقضات والخلافات ,والذي بدوره يعيش في داخله «حربا أهلية». فالمأساة الحقيقية في العالم العربي أن حربا أهلية حدثت داخل الإنسان العربي، ومن هنا تنبع أهمية الحرية التي ينادي بها أهل الفن. ما هي أقرب أعمالك إليك؟ في الحقيقة كل أعمالي هم أبنائي, ولا اقدر أن أفضل احدهم على الأخر وأحبهم كلهم على حد سواء في قوتهم وضعفهم ,في ثقلهم وخفة دمهم...ثم إن كل تجربة سينمائية تختلف عن الأخرى, ففيلمي «الذاكرة الخصبة» يختلف عن «عرس الجليل «و فيلمي «الجواهر الثلاث» يختلف عن «معلول تحتفل بذكرى تدميرها»... فثمة سياق ثقافي وتاريخي متغير يضبط خصوصية كل عمل من أعمالي ويجعله مميزا عن الآخر ... ما ردك على من يقول أنّ السينما الفلسطينية سقطت في التشابه وتكرار الكليشيهات والرموز من حضور للماء وللعصفور وللزيتون...؟ (ضاحكا) لدينا مثل شعبي يقول «احترنا يا قرعة منين نبوسك» ,فلما نبتعد عن توظيف الرموز في أفلامنا يقولون لنا اننا همشنا جوهر القضية ولما نحاكي هذه القضية بطريقة أوبأخرى يقولون إننا سقطنا في تكرار الكليشيهات ...واعتقد أن هذه الأحكام غير صحيحة ونابعة عن كسل ثقافي وكسل نقدي وكسل فني لأنه من المستحيل ان تتشابه السينما وتصبح مجرد قوالب جاهزة ... كيف تتشكل لحظة الإبداع السينمائي لدى ميشال خليفي؟ هل هي لحظة وجع وانكسار أم تحد ورغبة في الانتصار؟ لحظة الإبداع عندي هي شوق للتعبير عن نفسي، عن الأخر ,عن القضية من خلال موضوع معين أو حاجة معينة ...لكن في بعض الأحيان أجد نفسي محتاجا لكثير من الإيمان بالفكرة ولكثير من قوة الرغبة في العمل لكسر أغلال الخوف وقطع الطريق إلى نهايته... أتقصد الخوف من مضايقات المحتل و«تحرشه» بحريتك في تصوير أفلامك؟ طبعا عملي كمخرج لأفلام عن فلسطين وبالتالي فضح بشاعة الاحتلال ولا عدالته , يعرضني إلى شتى المضايقات لكني أعرف كيف أتخلص منها . لكن المشكل ليس في مضايقة المحتل بل أن يأتيك الخوف من داخل مجتمعك لما يمتنع هذا المجتمع عن الاعتراف بحريتك ولما يتوقف عن الإيمان بأن التعدد ايجابي لأنه يصنع ديناميكية الحداثة وأسس المواطنة,فكل الخوف من الفكر الإيديولوجي المتطرف... ما هي الإضافة التي تعتقد انك قدمتها للسينما الفلسطينية وما هي البصمة التي يمكن أن تتركها في تاريخ السينما الوثائقية ؟ شخصيا أنا لست ناقدا ولا استطيع أن أقيم أفلامي أوأفلام غيري. ولكني اعتقد أن فلسطين كموضوع وكهاجس أساسي وكلغة قائمة بذاتها كانت قاعدتها الأولى موجودة في أفلامي . فأنا كنت دوما أريد أن اخرج فيلما لفلسطين وليس عن فلسطين ، للمرأة وليس عن المرأة ,للطفل وليس عن الطفل... وهذا علمني أن أتواضع أمام الواقع، أن أتواضع أمام المرأة، أن أتواضع أمام فلسطين... فلم تعد فلسطين هي التي تخدمني بل أصبحت أنا الذي أخدمها ، وهذه كانت فكرتي الأولى في تكوين رؤيتي السينمائية.والسينما دورها هو طرح التساؤلات لذلك هدفي من خلال مشروعي الفني هوطرح التساؤلات ما بين الروائي والذهني والرؤية والحلم والوثائقي والواقعي. كيف وجدت فيلم «مملكة النمل» للمخرج التونسي شوقي الماجري ؟ لم أشاهد هذا الفيلم. لماذا ؟ لم تتوفر لي فرصة مشاهدته ولم تتم دعوتي إلى ذلك ,ولكني لو أجد هذا الفيلم محملا على «دي في دي» سأشتريه طبعا. إلى أي مدى يمكن للسينما أن تكون رمحا مشهرا في وجه الاحتلال وسلاحا موجها إلى فوهة دباباته؟ كثير من الأفلام نجحت في التعريف بالقضية الفلسطينية وبرهنت على أننا قادرون على استرجاع هامش من حريتنا غصبا عن انف المحتل ... والسينما بالنسبة لي بحث عن الحقيقة وليست ضد أحد. والسينما هي دوما مع الحياة,والحياة دوما نتصورها بعيون الحب... هل غيرت ثورات الربيع العربي شيئا من موقف الحكومات العربية في تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية؟ لا اعرف (يصمت مفكرا)...ما استطيع قوله إن القضية الفلسطينية جزء من القضية العربية وانعكاس لصورة العالم العربي, فالقضية الفلسطينية مقسمة وهذا العالم مقسم ...وبالتالي يلزمنا مشروع موحد يجمعنا ولا يفرق شملنا. وماهي قراءتك لمسار «الثورة» السورية؟ شخصيا كل أفلامي ضد العنف داخل المجتمعات وضد الحروب الأهلية .وأنا ضد أن يصبح السوريون كلعبة «فوتبول» بين فريقين...والخطير أن هناك من يسعى إلى تأجيج هذا الصراع بهدف تفكيك العالم العربي وشرذمته. واعتقد أن هناك عدم قدرة على بناء حوار يدافع عن سوريا سواء من المعارضة أومن النظام وللأسف سقطنا في مطبات الحرب الاهلية وأني متأسف لكل دم سوري يسيل لأنه في النهاية دمنا ولكل بيت يدمر ولكل شجرة تقتلع ... وكل هذا انتكاس لنا كعرب. هل كنت تتمنى أن ينص دستور تونس ما بعد الثورة على منع التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ ثمة مسلمات لا يجب التنازل عنها ولا تقبل المساومة ,فلا تطبيع قبل إرجاع حقوق الفلسطينيين. وانتم لستم مثلنا تحت الاحتلال وبالتالي لديكم الإمكانية لإبراز موقف محدد من إسرائيل ولو استنادا على ما ينص عليه القانون الدولي ولم يمتثل اليه المحتل من عام النكبة الى اليوم. فمنع التطبيع مع اسرائيل هو موقف أخلاقي قبل أن يكون قانونيا أو تضامنيا. بماذا تحلم لفلسطين؟ مازال المشوار طويلا والتحديات كثيرة وموازين القوى ليست في صالحنا.لكن الشيء المهم أنه مادامت هناك حياة فنحن موجودون لنناضل وطالما يوجد أناس يدافعون عن فلسطين فلن تموت القضية.