تأتي زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان لتونس في ظرف دولي وتونسي وتركي متميز بالتوتّر وخلط للقضايا وللمفاهيم. فبين الاحتجاجات الداخلية في تركيا ودخول الجيش النظامي السوري ل«القصير» بدأ الفاعلون السياسيون في تونس في موقف الملوكيين أكثر من الملك، فالمعارضون يحتجون منذ الإعلان عن الزيارة معتبرين أنّ ما حدث هناك يبرّر رفض أوردوغان ومساندو الحكومة يبالغون في الاحتفاء بقدومه ولكن لا أحد من الطرفيْن طرح بالأساس مصلحة تونس وكيفية التعامل مع مجريات الأحداث العالمية برصانة وبراغماتية بعيدا عن الشعارات الفضفاضة التي لا تشبع من جوع. وهذا يذكّرنا ببعض الشيوعيين كيف كانوا يفتحون مطّارياتهم حين تمطر في موسكو وبعض «الإخوان» حين كانوا يعتبرون الثورة الإيرانية قدوتهم والخميني زعيمهم الروحي مع أنّ كليهما اليوم أعطى بظهره وتنكّر لما اعتبره حقيقة مطلقة في السابق!. إنّ المصالح المشتركة بين أي بلديْن هي الأساس، فالاحتجاجات في تركيا ليست ثورة كما يزعم البعض لأنها علمانية بطبيعتها وأردوغان صعد في انتخابات ديمقراطية شفافة وحتى سقوط حكومته وصعود أخرى لا يعنينا في شيء حتى تتواصل العلاقات على مستوى المؤسسات بعيدا عن شخصنتها في مسؤول واحد أو حزب معيّن. فالوفد التركي فيه العشرات من كبار رجال الأعمال وذلك لبّ المسألة الذي من الواجب على الحكومة كما المعارضة اعتباره الأولوية العاجلة لأنّ النجاح في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية هو دعم لاقتصاد البلاد وتحفيز للنمو المستقبلي مهما كانت تركيبة الحكومات المقبلة. على أنّ هذا لا ينفي ضرورة ألّا يكون ثمن ذلك المس من استقلالية القرار الوطني أو إلزامية الدخول في محاور إقليمية خسائرها أكثر من أرباحها. نتذكر هنا التسرّع في قرار طرد السفير السوري مع أنه ولكثرة الجالية التونسية هناك، كان من الأجدر عدم الانتصار لشق على حساب آخر حتى تتوضّح الأمور أكثر وخاصة للمحافظة على خيط ديبلوماسي يساهم في إيجاد الحلول العاجلة لجاليتنا في سوريا. وبخلاصة، مطلوب من الذين يرحّبون بأوردوغان فقط لخلفية حزبه التي قد تتلاقى مع النهضة الحاكمة ومِن الذين يعارضون مجيئه وكأنه سيجرّ تونس جرّا إلى لعبة إقليمية، تنسيب الأمور والاستنتاجات في إطار ما يُسمّى بالبراغماتية التي يفتقدها كلا الفريقين وأساسها كيفية التواصل مع المجتمع الدولي بكل متغيراته لحصد أقصى المكاسب والمنافع للبلاد دون الوقوع في فخ محاور وتحالفات قد ترهن القرار الوطني.