أبو مازن وضعتم الصنم في مكانه الأول .. اذن فحددوا لنا طقوس التقرب والعبادة، فجرابنا مملوءة بالآلام والأمال التي لم تتحقق و صهيل الانتخابات لا يكاد يغادر مسامعنا وهو يقرع طبلة الأذن بكل قوة ان الخير قادم والتنمية قاربت على الوصول. لكن هل وضعتم له دليلا للاستعمال أو نقشتم رخامة تبيّن سبيل المناجاة و الابتهال؟ هل سيكون مكاء وتصدية كما حصل منذ قرون أو عزفا منفردا على القانون؟ ومن لا يعرف الموسيقى هل له في طَرق صالحي؟ هل نقول شعرا أم ننشد ألا خلدي بعد أن مسحها التاريخ؟ جعلتمونا في ورطة فلم نعرف ان كانت عجلة التاريخ تتقدم بنا أم تتقهقر الى "عيد النصر" الذي ألغيناه بدوره. من فهم المقصد؟ تعالوا أيها الناس بالبطالة فعلى نصب الزعيم تدحر و توزع أشلاء على الفقراء فتنالون منها كما نالت منكم، هنا يقف الاتحاد ليحل جميع قضاياه الاجتماعية و ان لم يفعل فهو تحت طائلة التمثال يصيبه عن قريب فيشتت جمعه. هنا صف لمن فسد من رجال الأعمال، يغتسلون بجانب الصنم فينالون بياضا ناصعا لا تصنعه أعتى شركات الغسيل فيزدهر الاقتصاد. هنا التنمية أصلا ان كنتم تبحثون عنها فعليكم بتعليق حروزكم ونقش أسمائكم على الحجر والالحاح في الدعاء. كذلك تصل التنمية قبل أن تنزل من عربة النقل الريفي وانت عائد الى موطنك. سترهب ذبذبات الصنم المنتشرة الارهاب و ستعالج ارتفاع الاسعار فيفر التضخم وكذلك الديون الطائلة ليتجلى الاقتصاد في أبهى حلة ونعيش في أرغد العيش. سيقولون هاهو العلامة ابن خلدون قد اتخذ تمثالا فنقول معاذ الله لم يصنعها بأمره بل ترك فينا العبر و المقدمة و علما غزيرا في الاجتماع والفلسفة و الدين والأدب لازالت تناوله الألسن العربية و الأعجمية. سيقولون كذلك دأب الزعماء في العالم؟ أي نعم، تخلد ذكراهم شعوبهم بمتاحف و مكتبات و معمار يستفيد منه أجيال وراء أجيال. لكن الأمر في تونس مخالف لما يحدث في أصقاع العالم، اذ خلدت النرجسية التي كان يعاني منها الزعيم عددا من التماثيل التي نحتها في حياته ونصبها في مداخل وساحات المدن بنفسه بعد أن سطا على أكبر شوارع المدينة لتحمل اسمه و كذلك على جميع أوراق العملة لتحمل صورته. هذا الأمير عبد القادر و ذاك الملك محمد الخامس و هذا ديغول ذاته عظماء عند أهلهم وأقوامهم لم يتخذوا مثل ذلك ولم يوصوا بذلك بل خلدوا ذكراهم بأعمال و شواهد لا يقدر الانسان على نكرانها. لو كان متحفا للحركة الوطنية يتوسطه التمثال موضع الحديث فنحن بحاجة ملحة أن نعلم تاريخ نضالنا ضد المستعمر كبقية الشعوب فنكتشف زعماءنا و نتعرف على ملاحمهم و انتصاراتهم ونخلد ذكرى استشهاد بعضهم. التونسي لا يعرف الا القليل من تاريخ بلاده الحديثة فقد ارتبطت الصورة بالزعيم رحمه الله الذي كان يحدثهم في كل شيء و في أدق الأمور ولكنه يستثني من حديثه أصحابه الذين كافحوا و حاربوا الاستعمار أو شاركوا في مسيرة التحرير أو الجلاء. لعل انتصاب تمثال بورقيبة في شارعه لا يقدم ولا يؤخر ولا يعدو أن يكون تصديقا لمثل "" صام صام وفطر على بصلة". Publié le: 2016-06-02 10:11:41