- من لا يعرف كسرى (من ولاية سليانة) قد يستهويه اسمها ، هي قرية حالمة ، ساحرة ، متربّعة بين أحضان جبل من الصخور الصّلدة تراقب من تحتها سفوحا مترامية الأطراف، غرست تينا وزيتونا تمتّع أعين الناظرين، وتذكرهم بما كان لها من أمجاد على مر الزّمن. كسرى أو ( كوزيرا وفق اسمها القديم ) قرية جذّابة لها مغناطيس خفي يكبّل زائرها ويشده إليها بخيوط من جمال رائع فتّان إذ ينساب الماء الزلال رقراقا وسط كسرى متدفّقا من بين صخور "عين سلطان" و "عين مكلاو"، ومن الشلالات الرائعة المنحدرة من أعالي السفوح في المواسم الممطرة، صوت الماء الهامس بألحان الوجود يغازل النفوس، وينعش الأرواح عند مرور سيوله الصافية بقلب القرية الهادئة، وينشر معاني الإلهام الى أن يتفرق وسط الخمائل، ويستقرّ بعيدا في أحواض البحيرات الجبلية . من خصوصيات كسرى، عذوبة مياهها ونقاوة هوائها وكثافة غاباتها وبساطة عيشها وأصالتها وصدقها في المصالحة مع الطبيعة وطيبة أهلها، فضلا عن سكونها وحسن تعاملها مع الحياة اليومية. وتعتبر كسرى من المناطق الأكثر ارتفاعا فوق مستوى البحر في سلسلة الظهر التونسي إن لم تكن أعلى نقطة على الإطلاق في البلاد التونسية. وتتميز هذه البلدة الحالمة بما تبقى فيها من آثار الحقبة الرومانية التي تجانست مع البناءات القديمة المتداخلة بين الصخور والمنتصبة فوقها، ومع الطابع البربري المتمثل في تلك لأزقة الضيقة الملتوية، وكل هذه الشواهد رموز ناطقة تحكي عن العصور الغابرة، وتعود بالزائر المتمعّن الى قرون خالية، كما تشكل صورة عن المراحل الأولى للفن المعماري، وتختزل مثالا حيّا ومتكاملا عن روعة القرية الفلاحية الجبلية. وتنفرد كسرى بمقوّمات كثيرة تزيدها قيمة، منها، إلى جانب الجمال الطبيعي، ثراء التراث والثروة الحيوانية البريّة وإمكانات الصيد المتاحة، وتربية النحل والعسل الصافي، والتين الشهير، وزيت الزيتون، ومنتوجات فلاحية أخرى متنوعة، وهي مواد بيولوجية وصحيّة باتت مطلوبة، وتشكل واحدا من العوامل التي يمكن أن تجعل من كسرى منطقة ذات ثقل سياحي، لو صحّ العزم على حسن استغلالها وتوظيفها، ولو التفتت اليها الأنظار، وتوجّه اليها جهد الاستثمار من قبل كل الأطراف وفي مقدمتها أبناء كسرى أنفسهم. كنز