بدءاً، أسجل للزميل فؤاد مطر حق اختراع مصطلح أصحاب الفيل الذي وظفه للترميز للحزب الجمهوري فيما يبقى "أهل الحمار" إضافتي المقابلة لهذا المصطلح تمييزا للحزب الديمقراطي. الاستدلال بالحيوان طبع أمريكي قد لا يكون مستساغاً في الذائقة الشرقية ولعل هذا أول ما لفت انتباهي أيام دراستي ما بعد الجامعية، هناك حيث تتنافس الجامعات على إطلاق أسماء الحيوانات على فرقها الرياضية التي توزعت بين الذئاب والعجول والحمير والقطط وأصناف الكلاب وكل ما ضمه قاموس الحيوان من مرادفات. لا أعرف حتى اليوم من اختار الفيل رمزاً لأصحابه الجمهوريين، لكنني أعرف أن أندرو جاكسون كان أول رئيس ديمقراطي يختار الحمار رمزاً لعشيرته في عام 1800م وسوقه كرمز للجدية والتحمل والبساطة. وقد سيطر الفيل والحمار على الحياة الحزبية والمنهج السياسي الأمريكي وهما "تقابلية ثنائية" تعكس الولع الأمريكي بالحلبة التي لا تتسع إلا لاثنين وبهذا همشت كل نظرية ثالثة وتضاءلت فرص الحياة أمام حزب ثالث قوي كما هو في الديمقراطية الغربية: الغريب أن أول حزب سياسي على الساحة الأمريكية قبيل الاستقلال عن العرش البريطاني كان يحمل اسم الحزب الديمقراطي الجمهوري وبعدها تحول إلى وثائق في المتحف الاستعراضي للسياسة الأمريكية. الأمريكي لا يؤمن إلا بلونين متباينين نجدهما في مرادفات: الشمال - الجنوب، الأبيض - الأسود، الكاثوليك - البروتستانت، وأية قيمة بينهما تبقى ثانوية مهمشة كهامشية حزب الخضر اليوم الذي يسعى به رالف نادر لكسب مليون صوت من مئة مليون ناخب. أصحاب الفيل تاريخياً، هم البيض الإقطاعيون الأنقياء الخلص السادة الملاك للأراضي والعبيد وهم اليوم مصالح الشركات العملاقة وعلاقات الأرباب من الطبقات الاجتماعية العليا بينما يظل "أهل الحمار" أوفياء للحقوق المدنية والأقليات الاجتماعية كالسود والمتحدرين من بلدان العالم الثالث والنساء والطلاب. أصحاب الفيل، رمز للمحافظة الدينية والتمييز العرقي والأصولية المذهبية بينما يغلب على أهل الحمار نزعتهم الليبرالية التحررية وميلهم لهامش كبير من الحريات المدنية في قضايا مثل الإجهاض وزواج المثليين التي يقف ضدها الجمهوريون بصلابة تعود إلى نزعة الجذور كبيض أوصياء على تعاليم "كنيسة المتطهرين" التي هاجرت إلى العالم الجديد إحياء لتعاليم الكنيسة الجديدة. وقد تباين الحزبان بشدة حول موقفهما من "بناء الحكومة": فالجمهوريون يكرهون بشدة تسلط الحكومة الفدرالية ويسعون إلى تقليص نفوذها في الشأن العام ولهذا يؤمنون بحكومة صغيرة لا تسعى لإضافة مزيد من القوانين التي تكبل حكومات الولايات المختلفة ويرفضون على الدوام فرض الضرائب المرتفعة لأنها تضر بناخبيهم الأصليين في أوساط الشركات والطبقات الاقتصادية الغنية. في الجهة المقابلة، يؤمن الديمقراطيون بالحكومة الواسعة التي تتدخل في المساعدات العامة لقطاعات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتحتاج إلى ميزانية أكبر لتمويل هذه المساعدات الفدرالية عن طريق رفع الضرائب التي تؤخذ من القادرين، كناخب جمهوري تلقائي، يدفع للناخب الديمقراطي المستهدف في الأصل من الشريحة الاجتماعية ذات القدرات المالية المتدنية. كيف تصوت أمريكا وكيف ينتخب الرئيس؟ الأمر ليس مباشراً يعتمد على تعداد الأصوات، بل حسب نظام معقد مختلف لديمقراطية مختلفة... نواصل غداً.