( تحرير محمد سامي الكشو) - اعتبر عدد من مهنيي القطاع السياحي في جزيرة قرقنة وممثلي الهياكل السياحية والتنموية أن البيروقراطية الإدارية والتشريعات غير المتوافقة مع خصوصيات الجزيرة والأنشطة البترولية المنتصبة فيها من أبرز مكبّلات الاستثمار السياحي في الجزيرة وتحقيق انطلاقته المأمولة منذ عقود من الزمن. ويعتقد هؤلاء المهنيون (أصحاب فنادق ومسدي خدمات سياحية بالأساس) خلال لقاء جمعهم بالصحفيين في إطار التظاهرة الترويجية للسياحة الداخلية التي نظمها فرع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيينصفاقسسيدي بوزيد خلال الأسبوع الجاري بالتعاون مع المندوبية للسياحة والجامعة الجهوية لوكالات الأسفار وسط الجنوب أن الدولة لو عملت على توفير شروط المناخ السياحي والبنية الأساسية اللازمة كما فعلت بالنسبة لعدد من المناطق السياحية في البلاد لتحول أرخبيل قرقنة إلى قطب كبير من أقطاب السياحة في تونس على غرار باقي الأقطاب السياحية الأخرى. وذهب لطفي كنو صاحب نزل وأحد الباعثين السياحيين الذين واكبوا نشأة السياحة بالجزيرة إلى اعتبار أنه "كان من الممكن أن تكون قرقنة "وجهة سياحة فريدة من نوعها في منطقة البحر الأبيض المتوسط متعددة الاختصاصات تجمع بين الأنشطة السياحية الشاطئية والبيئية والثقافية وأصناف السياحة البديلة الخاصة بما يعرف بسياحة الجزر". وانتقد كنو بشدة تواصل الأنشطة البترولية في قرقنة برا وبحرا معتبر أنه لا مجال لتحقيق النقلة المرجوة للسياحة في ظل تواجد المؤسسات البترولية في المنطقة السياحية سيدي فرج والتي تسببت في عديد الحوادث البيئية المزعجة للنزل والسياح والمواطنين. وتابع كنو قائلا: "نبقى كمستثمرين عاجزين حيال هذا الوضع الذي يؤكد استمراره أن الدولة خيرت قطاع النفط والغاز على الخيار السياحي في قرقنة. وعلى الرغم ذلك، نبقى نعتقد أن إصلاح الوضع ممكن لو تدخلت سلطة الإشراف وفرضت حرمة المنطقة السياحية وإبعاد المنصات البيترولية البحرية وحظائرها عن المحيط البحري للنزل مع السماح لهم بالعمل في أماكن متقدمة من الساحل". وردا على هذا الموقف الناقد لوجود الأنشطة البترولية، اعتبر المندوب الجهوي للسياحة فتحي زريدة أنه يمكن للقطاعين السياحي والطاقي أن يتعايشا في الجزيرة مع فرض احترام المعايير البيئية وضوابط السلامة سيما وأن المؤسسات البيترولية المنتصبة بالجزيرة تساهم في دفع الأنشطة السياحية سواء من خلال الإقامة لإطاراتها في النزل على امتداد السنة ولا سيما خارج فترات الذروة أو من خلال دعم البنية التحتية السياحية. ويعتبر لطفي كنو أن تعطل عديد المشاريع السياحية في قرقنة لسنوات طويلة دليل على غياب الإرادة السياسية لتوفير شروط النجاحة للنشاط السياحي مذكرا بمشروع الميناء الترفيهي الذي ينجز وحل محله المرفئ الخاص بالأنشطة البيترولية ونقل النفط والغاز. ولا تقتصر قائمة المشاريع المعطلة في قرقنة على المرفأ ولكن تشمل مشاريع أخرى مثل المنطقة السياحية "سيدي فنخل" التي لا تزال تراوح مكانها منذ إقرارها في عهد الرئيس الأسبق بن علي فضلا عن المسلك السياحي. ويؤكد رئيس الجامعة الجهوية لوكالات الأسفار وسط الجنوب وليد الزيدي أن تأخر قدوم الناقلة البحرية السريعة التي سبق وأن أعلنت عنها الشركة الجديدة للنقل بقرقنة "صونوطراك" منذ سنتين إلى الآن زاد في تفاقم أزمة النقل بين قرقنةوصفاقس وجعل وكالات الأسفار لا تتشجع كثيرا في الاشتغال على قرقنة رغم أنها وجهة سياحية تتمتع بعديد الخصائص الفريدة والواعدة. ومن المشاريع المقترحة التي لا تزال تجابه ضعف الإرادة السياسية والتنسيق بين الإدارات العمومية خاصة على المستوى المركزي إحداث محطة للمعالجة بالمياه البحر وإقامة سياحية متطورة في إطار مشروع مركز دولي للتربصات الرياضية متعددة الاختصاصات اقترحت شركة الخدمات والتنمية متعددة الاختصاصات بجزيرة قرقنة إنجازه في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. وقد أكد الرئيس المدير العام للشركة رضا السويسي أن مؤسسته ماضية في الدفاع عن هذا المشروع ذي الصبغة السياحية والرياضية الواعدة والسعي مع مختلف الإدارات المختصة في المجال للدفع نحو إقراره بشكل رسمي والشروع في دراساته. من جهته أبدى الباعث السياحي الشاب محمد الحاج ساسي امتعاضا شديدا من التعطيل الإداري الذي جابهه مشروعه المتمثل في تجهيز مركب بحري ترفيهي مؤكدا أن التعطيلات المتكررة وغير المقنعة في تقديره حالت دون إنجازه لمشروعه الجاهز منذ أكتوبر 2019 بما فوت عليه فرصة الانطلاق في النشاط في الموسم الصيفي الحالي واضطره إلى إرجائه إلى الموسم القادم. ويلخص هذا الباعث الشاب الذي يؤمن أن مجال الرحلات البحرية صار من المنتوجات السياحية الواعدة والقادرة على إضفاء حركية على السياحة في الجزيرة في تعدد الهياكل الإدارية التي تتدخل في إسناد الرخصة وإبداء الرأي دون حد أدنى من التنسيق بينها رغم المساعدة التي وجدها من طرف مندوبية السياحة في الجهة والتي تبقى غير كافية بالنظر إلى حجم العراقيل التي اعترضته في مصالح ديوان البحرية التجارية والولاية ووكالة المواني وتجهيزات الصيد البحري والإدارة العامة للديوان الوطني للسياحة. . وأوضح مندوب السياحة في هذا الصدد أن المساعي جارية لاستكمال الإجراءات التي تمكن هذا الباعث من الحصول على الامتيازات الجبائية ومنحة الدولة المخولة بعنوان التصريح بالاستثمار مؤكدا أن تعقد الإجراءات بين الإدارات والقوانين التي أتت بها مجلة الاستثمار الجديدة لن يحول دون تجسيم المشروع الذي تشجع عليه المندوبية بالنظر إلى أهميته في تنشيط السياحة في الجهة. وشدد المندوب على ضرورة أن تغير الدولة النصوص التشريعية في المجال السياحي بما يتيح أكثر مرونة في التعاطي مع أصحاب أفكار المشاريع والمبادرات ويما يخول مراعاة خصوصيات الجهات على غرار جزيرة قرقنة وطبيعة النسيج الاجتماعي والاقتصادي والبيئي فيها والذي يختلف على المناطق الأخرى حيث لا تطرح الصعوبات العقارية وضعف الإمكانيات وغيرها من الشروط التي تفرظها مجلة الاستثمار في المجالات السياحية والفلاحية والصناعية. وأثار الصحفيون خلال اللقاء مع المستثمرين والمندوب الجهوي للسياحة بصفاقس إشكاليات أخرى تتعلق بعدم إقدام عدد من أصحاب النزل على تجديد مؤسساتهم التي أصابها التآكل ولم تواكب التطور الذي عرفه القطاع السياحي واحتشام تدخلات القطاع البنكي وعدم مجازفته بتمويل الإحداثات والتوسعات نظرا لتصنيفه القطاع السياحي كقطاع هش فضلا عن تراجع مستوى الخدمات المسداة من الفنادق الموجودة في قرقنة ولا سيما ظروف الإقامة والأكل وغياب البرامج التنشيطية مما فسح المجال اليوم أمام السياحة في الإقامات المنزلية التي صار السائح التونسي وحتى الأجنبي يلجأ لها بشكل ملحوظ مما انعكس على نشاط النزل. وأثاروا كذلك الصعوبات التي تحول دون تنظيم رحلات إلى عدد من الجزر الأخرى التابعة لأرخبيل قرقنة مثل جزيرة القرمدي على غرار ما يتم في ولاية بنزرت وولاية المنستير كما أثيرت وضعيات عدد من النزل المغلقة أو التي تعمل بشكل موسمي رغم أنها تشغل أماكن مميزة في قلب المنطقة السياحية القديمة بسيدي فرج. ووجه لطفي كنو نداء للمسؤولين في الدولة دعاهم فيه إلى تدارك الهفوات التي ارتكبت في حق القطاع السياحي بجزيرة قرقنة واستغلال الظرفية الاقتصادية الصعبة وأزمة "الكورونا" التي بينت أهمية هذا القطاع وإيلاء عناية أكبر للجزيرة باعتبارها تصنف منتوجا سياحيا واعدا وغير مكلف وقادرا على جلب السياح وتنشيط الحركة الاقتصادية جهويا ووطنيا. وشدّد على ضرورة القيام بالدراسات وأمثلة التهيئة السياحية القائمة على نظرة استشرافية لتطوير القطاع ومعالجة قضاياه وصعوباته "بكامل الجدية" بما فيها قضية النقل التي تتوقف عليها نجاح السياحة سيما وأن الجهة لا تملك إلا منفذا وحيدا يظل دائما وباستمرار تحت رحمة الظروف المناخية ومزاج المناخ الاجتماعي المتقلب والاحتجاجات التي يغلق في كل مرة معها الذهاب الى الجزيرة أو العودة منها.