وات - تحرير أميمية العرفاوي - على تخوم جبل"المرقب" بالكريب من ولاية سليانة، غير بعيد عن ولاية جندوبة (حوالي 25 كم) وعلى مقربة من ولاية الكاف، يتربع "حمام بياضة" أو كما يطلق عليه الأهالي " حمام السخون"، وهو عين طبيعية ساخنة على مدار الفصول الأربعة تتميز بمياه عالية الملوحة تعادل مرة ونصف نسبة ملوحة مياه البحر، وتعدّ الأفضل مقارنة بكل العيون الموجودة في البلاد التونسية، حسب عديد الخبراء الذين أدّوا زيارات مكثفة للمنطقة طيلة السنين المنقضية. رمزية المكان العالية في تاريخ الحضارة الرومانية تجعل منه محطة جذب للباحثين والدارسين والمستثمرين والزوار الأجانب لاستحضار جانب من هذه الحضارة ولنسيان تعب سفرهم وشقاء عملهم وللاستمتاع بالمياه الطبيعية التي تعتبر شفاء لكل داء ودواء بأقل التكاليف والحمام عبارة على مغارة صخرية في الهواء الطلق تستهوي الناظرين، وفي هذا المكان المنسي تستهوي الزائر أيضا سلسلة الجبال الممتدة الكثيفة وغابات الصنوبر الحلبي فيتمتع بالمياه العذبة وبالهواء النقي و المناظر الخلابة في الان ذاته. ومع كل ما يميّزه من خصائص، يبقى "حمام بياضة" ثروة مهدورة لم تحظ بحسن التوظيف سياحيا وثقافيا لجلب المستثمرين وتغيير واقع الجمود والتهميش التي تعانيه المنطقة وأهلها منذ عقود ولو قليلا، لا سيما أمام موقع الحمام الاستراتيجي وقربه من طريق الجزائر. وأكد عدد من متساكني منطقة حمام بياضة الذين دأبوا وسكان المناطق المجاورة على السباحة في الحمام لفوائده التي ينصح بها الأطباء، في تصريحات متطابقة ل"وات"، أن ماء هذه العين كبريتي ويحتوي على منافع علاجية هامة فهي توفر الشفاء لعديد الأمراض الجلدية والتناسلية. وقال رابح العرفاوي (74 سنة) وهو من متساكني المنطقة، أنه يزور هذا المنبع الطبيعي بمعدل 4 مرات في الأسبوع منذ أكثر من 60 سنة تقريبا، لافتا إلى أن وقت الاستحمام مقسّم حيث يخصص وقت صباحي للرجال في حين يكون نصيب النسوة في الفترة المسائية. وأضاف المتحدث ذاته أن المياه المتدفقة تنبع من بحيرة باطنية في جوف الأرض بقوة دفق عالية تصل إلى 4 لترات في الدقيقة، ويستوعب حوض المنبع 5 مستحمين فقط، مشيرا إلى أن منطقة حمام بياضة تستقبل سنويا أكثر من 5 آلاف زائر خاصة في أوسو (من 25 جويليةإلى 2 سبتمبر حسب التقويم الفلاحي) وقد تقلص هذا العدد قليلا خلال السنة الحالية خاصة مع اقرار الحجر الصحي ومنع التنقل بين المدن. من جهته، كشف عمارة العرفاوي (من متساكني المنطقة) أن هذا المكان الخلاب استهوى مستمثرا نمساويا في أواخر التسعينات وعزم على تحويله إلى مركب استشفائي إلا أن هذا المشروع الضخم بقي حبرا على ورق مع وفاة المستثمر، على حدّ قوله. وصرّح عبد الرؤوف الماجري، وهو أحد المربين بالمنطقة، أن الحمام المعدني وجهة للعديد من مختلف جهات البلاد ودول العالم ، مشيرا إلى الابعاد التاريخية للمكان إذ يضمّ حصنا بيزنطيا كان يؤم جيش الرومان إبان الحضارة الرومانية ودعا الماجري إلى ضرورة الالتفات للمنطقة خاصة وأنها تحتوي على كل المقومات الجاذبة للاستثمار حتى تصبح قطبا سياحيا ثقافيا قادرا على استقطاب أكبر عدد من اليد العاملة من جانبه، ذكر منير العكرمي (60 سنة) وهو أصيل المنطقة ومقيم بولاية جندوبة أن هذا الحمام المجاني يساعد على شفاء حتى من كان حاملا لاعاقة عضوية كما اثبت نجاعته في مداواة الأمراض الجلدية، مؤكدا على ضرورة فتح باب الاستثمار فيه بما يتيح استقطاب 200 يد عاملة على الأقل، وفق تقديره. أما طارق العبيدي (30 سنة)، المقيم بالنمسا وأصيل ولاية جندوبة، فقال انه يرتاد حمام بياضة طيلة عطلته السنوية وبصفة دورية حتى ينسى تعب سفرته العابرة للقارات، معتبرا هذا المكان الطبيعي المنسي من افضل الأماكن على الإطلاق، خاصة وأن مياهه متفردة ولا وجود لمثيلتها بالمرة، وفق قوله. من جانبه، أكد والي سليانة، عبد الرزاق دخيل، ل"وات" على أن المنطقة في حاجة إلى استثمارات هامة لدفع عجلة التنمية بها ولجعلها قطبا استشفائيا للتداوي والاستجمام، وفق تأكيده. هذا وتعذر على"وات" الحصول على المندوب الجهوي للسياحة بسليانة لتقديم ايضاحات ضافية حول برنامج وزارة السياحة في ما يتعلق بهذه المنطقة وعلى وقع تطلّعات مؤجلة وبين تقاطع طرقات جهات الشمال الغربي وسط تضاريس جبل المرقب المطلة على غابات الصنوبر الحلبي الكثيفة ينتصب حمام بياضة المنسي مستقطبا آلاف الزائرين فيشفيهم ويداوي أوجاعهم، مراوحا مكانه في انتظار من يشفيه ويحقق آمال متساكنيه.