بقلم : سليم غريس* تعرضنا في الجزء الحادي عشرة إلى عديد التجاوزات الخطيرة التي حصلت قبيل انعقاد المجلس الوطني وتجسدت من خلال فعالياته بهدف استصدار قرار عقد مؤتمر استثنائي "غير انتخابي" يتم فيه تشريع الانقلاب على دستور الاتحاد. رأينا كيف تم توظيف الهيئة الإدارية الوطنية والحياد بها عمّا سطره لها النظام الداخلي من مهام وكيف فُرض على الكتاب العامين للفروع الجامعية والاتحادات المحلية المتابعة الصامتة لمداولات المجلس الوطني دون حق التعبير عن الرأي المخالف. كما تصرف الانقلابيون في توزيع عدد أصوات أعضاء المجلس دون أيّ رقابة وفرضوا تصويتا علنيا كانوا فيه الخصم والحكم. لم يكتفوا بهذا، بل اتبعوا مسارا متكاملا قبل انعقاد المجلس سنتعرض للبعض منه. هيئات إدارية جهوية تمهيدا للمجلس الوطني، انعقدت هيئات إدارية جهوية برئاسة أعضاء من المكتب التنفيذي الوطني وذلك لتوحيد مواقف الجهات لصالح الانقلاب على قانون المنظمة وتم اتباع أساليب مختلفة راوحت بين التهديد والترغيب والضغط والاستفزاز والتجني على المعارضين لخط الانقلاب. أحد الكتاب العامين لاتحاد جهوي هرب بهيئته الإدارية الجهوية إلى مؤسسة للتعليم العالي ولم يستدع لها كل المعنيين بها. أي أنه استثنى من اعتبرهم مناوئين له ولمشروع الانقلاب. أراد هذا الكاتب العام أن تكون هيئته الإدارية في اتجاه واحد ليبيّن لرئيس الهيئة الإدارية أنه يتحكم في أنفاس الجميع وهي صفة تؤهله بالمنطق الحالي السائد إلى أن يتبوأ مكانا بالمكتب التنفيذي في المؤتمر القادم. هكذا يتعاملون مع المختلفين معهم وبهذه الطريقة يريدون أن يكونوا قادة لهذه المنظمة العملاقة. كاتب عام اتحاد جهوي آخر تهجّم في هيئته الإدارية على المعارضين للانقلاب ووصفهم بالمخربين، هكذا بكل بساطة. نسي هذا الكاتب أنه كان ضمن "تحالف الشمال" الذي تشكل قبل مؤتمر المنستير بهدف إسقاط الانقلاب على الفصل العاشر قديما (10) وترشح في قائمة معارضة لقائمة البيروقراطية. نسي أيضا أنه شجع نقابيي جهته لحضور تجمع احتجاجي ببطحاء محمد علي دعا له الكاتب العام الأسبق للاتحاد الجهوي للشغل بتونس الذي قررت البيروقراطية التخلص منه. تناسى أنه كان مناصرا للمرحوم كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل ببنزرت حين نظم تجمعا بالبطحاء للتصدي لتصفيته من قبل نفس اللوبي البيروقراطي. هكذا ينحرفون عن مساراتهم القديمة ويكيلون التهم للثابتين على المبادئ وهكذا يريدون القفز إلى سدّة قيادة هذه المنظمة العريقة. أمين عام مساعد ترأّس هيئة إدارية جهوية ولم يجد أيّ طريقة لتأكيد تصميمهم على الانقلاب ولو اندثرت المنظمة سوى القول بأنهم يرتضون اتحادا بمائتي ألف (200.000) منخرط منضبط على منظمة بها مئات الآلاف وغير منضبطين. منضبطون لمن؟ وغير منضبطين لمن؟ هذا هو مفهوم الانقلابيين للمنظمة الجماهيرية، التقليص في عدد المنخرطين لكي لا يبقى بالاتحاد إلاّ المنضبطون "لطموحات وجشع" القيادة الحالية حتى لو داست على القانون. يتكلمون بهذا المنطق الأعرج ويدّعون الديمقراطية والتقدمية والخوف على الاتحاد. أمين عام مساعد آخر ترأس هيئة إدارية جهوية فاستشاط غضبا وردّ الفعل بطريقة غير لائقة ضد نقابي كان هو الوحيد في الهيئة الإدارية الجهوية الذي رفض تمشي الانقلاب التزاما منه بقرار مؤتمر الجامعة العامة للتعليم الأساسي. الأكيد أنّ البيروقراطية كانت منزعجة من أيّ صوت رافض لانقلابها. كانوا يخططون لحصول إجماع حول مشروعهم المدمّر للاتحاد لذلك ارتكبوا كل التجاوزات التي تفطنت لها عقولهم الانقلابية. الشواهد عديدة وسنكتفي بذكر البعض منها. بذاءة لفظية مكتوبة تنوعت طرق المساهمة في معاضدة الانقلابيين بالتصفيق الأعمى ولم يتردّد البعض في النيل من القوى النقابية الديمقراطية الرافضة للانقلاب. في جهة تميزت قبل الثورة بالتظاهرات الثقافية الملتزمة تفتقت عبقرية مكتبها التنفيذي الحالي على صياغة بيان للتهجم على المعارضين ونسجت على منواله جامعة عامة أمضى كل أعضائها على بيانهم. لقد سقط البيانان في استعمال حقل لغوي قمة في الركاكة والتخلف، تخلف الوعي. نهل البيانان من قاموس لغوي عهدناه عند أجهزة السلطة وحزب "التجمع" المنحل. فهل يُعقل أن يستعملوا الألفاظ التالية دون وعي منهم بعدم انسجامها مع مسؤوليتهم النقابية؟ وهل يقبل منهم توجيه تهم لا تليق بتاريخ النقابيات والنقابيين المعارضين للانقلاب؟ فاستعمال "عدم الانجرار" و"الدعوة المغرضة" و"التجمهر" و"تحرك مشبوه" و"التمرد على المنظمة" و"إدانة كل تحرك خارج الأطر القانونية" يعرّي حالة الشحن التي اعتمدها الانقلابيون لتوظيف أصحاب "النوايا الطيبة" لترذيل المشهد النقابي برمته. إنّ الداعي إلى القلق أكثر هو استعمال مثل هذا الحقل اللغوي في مداولات المجلس الوطني إضافة إلى أنّ بعض المتدخلين كانوا يستعملون "سيادة..." أو "السيد..." في مشهد غريب لم نتعود به! لا لوم على بعض هؤلاء إذ قد يكونون من الملتحقين الجدد كمنخرطين أو كمسؤولين إلاّ أنّ خطابهم الغريب يبرز إلى أيّ مدى يغيب التأطير والتعديل في السلوك والخطاب. وما معنى أن يُرفع في القاعة شعار غاية في الوقاحة ضد مناضل نقابي ذنبه الوحيد أنه ضد الانقلاب؟ يحصل هذا أمام حالة انتشاء قصوى في صفوف قادة المنظمة... تظافرت كل الجهود وتمّ اللجوء إلى كل الأساليب للوصول إلى إجماع داخلي على الانقلاب إلاّ أنّ القوى النقابية الديمقراطية رفضت المؤامرة وتحركت وفق آليات نقابية معروفة للتصدي للانقلاب في محطته الأولى وما تزال أمام هذه القوى فرص عديدة وإمكانيات كبيرة لإسقاط مشروع الانقلاب وفرض احترام قانون الاتحاد وعلويّته. *عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي