رضا حرشاني... "وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم *** فأقمْ عليهم مأتماً وعويلا" أحمد شوقي عندما تنهارالأخلاق وتنحدر النخب لمستنقع الفوضى فلا يمكن أن نتوقَّع أسوأ مما نحن عليه اليوم فواقعنا أبلغُ حالاً وهو بالتأكيد ليس وليد اللحظة بل هو نتاج تراكمي. النخب في تونس اليوم تنهكها حُمّى الرغبة في السيطرة وبسط النُّفوذ و الإبتزاز وتحقيق إنتصارات سياسوية وهمية حتى وإن كان على حساب الهوية والعادات والقيم. هذا الإفلاس الأخلاقي و التدهور في منظومة القيم لدى جميع النخب الثقافية الدينية الاجتماعية... أفرز بيئة خصبة للفساد وبدد آخر أمل للتغيير والنهوض بالوعي. إسهامات النخب في المجتمع تكاد تكون منعدمة، بسبب وجود عجز قيمي أسهم في عرقلة ظهور النبل الأخلاقي عندهم، ويزداد هذا الركود القيمي بخضوع هذه النخب لسيطرة أصحاب المال حتى أصبحت مجرد مرتزقة تعمل لصالح أجندات مختلفة فبرعت بذلك في تزييف الحقائق وتجميل الباطل وإنساقت خلف أهوائها ومصالحها الضيقة مما جعل مواقفها وتصرفاتها خارجة عن كل سياق أخلاقي بل ومازالت متمسكة بالفساد كأنه أمر طبيعي وصحي. إن تطبيع النخب في تونس مع الفساد الأخلاقي حولها إلى معول للهدم وأداة لسحق ما تبقى من وعي في مجتمع فإنحرفت عن الدور المنوط بها بل تجاوزته نحو ممارسة كل أنواع البغاء الفكري وتبرير ما يصدر عنها من إسهالات فكرية. لا شك وأن تكلفة تجاوز هذا الإفلاس الأخلاقي عالية جدا لأنه تجاوز النخب ليستشري في المجتمع بأكمله الذي أصبح يعيش في عديد زواياه إفلاسا أخلاقيا مدوّيا، وانهيارً قيميًا مفزعا يدفع به نحو القاع دفعا مقيتا وساهم في تفكيك الأسرة وتقزيم دور المسجد والمؤسسات الدينية، وتدمير المنظومة التعليمية وحصر دورها في تفريخ قوالب من العقول الفارغة العاجزة عن التفكير ... لكن يبقى الأمل قائماً في تجاوز هذا الإفلاس تدريجيا ولو بشكل جزئي. عملية استعادة القيم المنهوبة عملية معقدة تستدعي تدخل جراحي متطور كآخر محاولات الإنعاش الإصطناعي لما تبقى من ضمير وذلك عبر صياغة ميثاق أخلاقي صارم ومُلزم يوجه السلوك العام لأننا على قول أمين معلوف " كلنا على متن زورق هزيل، سائرين إلى الغرق معًا" ولأن أي تغيير أو إصلاح نريده، لن يكون إلا عن طريق مشروع أخلاقي متكامل...