يبدو أن فرنسا بدأت تدرك إلى حد ما أن أخطاءها المتكررة جعلت الأحداث في تونس تتجاوزها و هي الآن تحاول جاهدة استعادة مكانتها في إطار صراع مصالح في المنطقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية و تعمل على مسايرة مواقف هذه الأخيرة خاصة المتعلقة بانفتاحها على الإسلاميين بصفة عامة و حركة النهضة بصفة خاصة . فرنسا التى كانت تساندة قمع بن علي للتونسيين حتى آخر لحظات حكمه بطائراتها المحملة بالقنابل المسيلة للدموع تستميت اليوم في لعب دور الملاك الحارس للديمقراطية و لا تزال تعتبر بلادنا حديقتها الخلفية التى لا سيادة لها و لا إرادة لشعبها . في إطار هذه العقلية الإستعمارية المتوهمة لتواصل الوصاية على تونس كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ أكثر من أسبوع بالتزامن مع الإعلان عن نتائج انتخابات التأسيسي قد أعلن أن باريس ستكون متيقظة بشأن احترام حقوق الإنسان و المبادئ الديمقراطية و من جهته قال آلان جوبيه وزير الخارجية أن فرنسا تحذر من تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة أساسا في المساواة بين الرجل و المرأة و التداول السلمي على السلطة و أكد على أن تقديم المساعدات الإقتصادية مرتبط باحترام الحكومة التونسية المقبلة لهذه المبادئ . على الأرجح فإن هذا التخوف المزعوم على المسار الديمقراطي في تونس نابع أساسا من فشل التيار الذي يحن لزمن الحماية الفرنسية على بلادنا في الإنتخابات هذا التيار الذي تنتمي إليه على سبيل المثال الحقوقية سهير بلحسن . و بعد أن تجاوزت فرنسا هذه الخيبة وجدت نفسها تغرّد خارج سرب أغلب المواقف الدولية و خاصة الأمريكية المستوعبة لتنامي التيارات الإسلامية في البلدان العربية و المستعدة للعامل معها. هذا على الغالب ما جعل آلان جوبيه يؤكد يوم الأحد 6 نوفمبر 2011 على أن فرنسا تريد أن تثق في حركة النهضة و ستعمل و تتحاور معها بحذر خاصة فيما يتعلق ببعض مبادئ الديمقراطية و رغم هذه المحاولة لإظهار نوع من الإنفتاح إلا أنه يمكن أن نلاحظ من خلال التصريح عدم فهم فرنسا بعد لواقع أنه لا يحق لها تلقين دروس في الديمقراطية للشعب التونسي و أن الإنفتاح المشروط على الحكومة المقبلة لن يؤتي أكله لذلك يجب على فرنسا أن تتخلى عن نظرتها الفوقية المتعالية لبلادنا و أن تعمل على ارساء علاقة جديدة تقوم على أساس الندية.