قبلي – أبو قاسم تفاعلا مع الميزانية التكميلية للتنمية لسنة 2012 ، كان غضب مواطنوا ولاية قبلي على الحكومة شديدا بسبب الضعف الفادح لأهمية المشاريع التنموية قياسا الى حاجيات الجهة المتأكدة واستحقاقاتها , ومقارنة مع بقية الجهات ذات الخصائص المتقاربة. وقد عبروا على ذلك جليا خلال زيارة الوفد الحكومي الذي قدم هذه المشاريع . هذا الغضب والاحتجاج لم يمنع الجهة وخاصة ممثلي المجتمع المدني من المشاركة بجدية وفاعلية في الاستشارة الجهوية الخاصة باعداد ميزانية التنمية لسنة 2013 التي انطلقت منذ حوالي ثلاثة اشهر على المستوى المحلي وتوجت جهويا ، على امل ان يبلغ صوت الجهة التي ظلت بعيدة عن الاضواء والاهتمام وغطت الاحداث على مطالبها واستحقاقاتها المتأكدة. لقد كانت مشاركة المجتمع المدني متميزة في الاستشارة حول مشاريع 2013 .شاركت المجالس البلدية الخصوصية والمجالس القروية والجمعيات التنموية ومنظمات اتحاد الشغل والصناعة والتجارة والفلاحين اضافة الى احزاب النهضة والمؤتمر والتكتل والشعب والديقراطيين الاشتراكيين كما شاركت عديد الفعاليات الاخرى مثل مركز البشير يعقوب للبحوث والدراسات التنموية وجمعية الشفافية . ان الاقبال الملحوظ للمجتمع المدني على المشاركة في هذه الاستشارة رغم ايمانهم بما يعتريها من احترازات ونقائص ، كان يهدف الى ارسال رسالة واضحة الى الحكومة تعبر عن التشبث بمطالب الجهة من ناحية وتدفع باسلوب حضاري مدني الى تبني روح اجابية والتحلي بالصبر وعدم تبني اشكال العنف والفوضى رغم مأسوية الوضع بالجهة , لعل الحكومة تفهم بوضوح وضعية هذه الجهة المحرومة المظلومة على امل ان يكون الجزاء من جنس العمل او ربما لاقامة الحجة ما دامت فعاليات الجهة لن تكون مسؤولة عن نفاذ الصبر اذا لم يتم الاستجابة الى للحد الادنى المعقول من المطالب المطرحة. لقد انطلقت الاستشارة على مستوى مجالس التنمية المحلية التي قدمت اقتراحاتها لثلاث لجان جهوية شملت قطاعات الانتاج والبنية الاساسية والموارد البشرية وقد ترأسها اعضاء منتخبون من قبل المجتمع المدني ، وفيما بعد تم انتخاب خمسة اعضاء من المجتمع المدني يتولون الدفاع عن مطالب الجهة خلال الجلسة المبرمجة بوزارة التنمية . لقد تجلى بوضوح خلال الاقتراحات والنقاشات والحوارات المطولة التي شاركت فيها الادارة ان ولاية قبلي رغم ما تزخر به من موارد طبيعية وبشرية وامكانيات واعدة ، فانها مهددة بالفناء خاصة وان مشاريع الدولة خلال الحقب السابقة لم يكن لها اثرا يذكر . ولئن بدا ان الجهة تظهر اقل فقرا وتهميشا من بعض الجهات التي تتمكن دوما من تبليغ صوتها فان ما يكون تحقق في هذا الجانب ليس الا نتيجة مجهود ذاتي معزول للاهالي في استصلاح اراضي الصحراء والمراهنة على غراسة النخيل باحداث ابار لم تساهم فيها الدولة بل منعتها وحاربتها رغم ان هذه التوساعات الفلاحية تحقق اكثر من ثلثي الانتاج الفلاحي من تمور دقلة نور التي تجلب للبلاد العملة الصعبة وتشغل عديد القطاعات التجارية والتصديرية ، كل ذلك دون ان تساهم الدولة باي شكل من الاشكال في هذا لمنوال التنموي الذي انقذ الجهة ووفر مواطن الشغل ويطارد الفقر ، ولكنه في الوقت نفسه جعلها في وضعية كارثية تتطلب تدخل الدولة ومعاضدتها . ويتعلق الامر بشبح شح المياه مما يجعل الموت والاندثار يهدد الجهة . ولم تكن هذه الوضعية لتتفاقم الى حد المستوى المأساوي لو لم تدر الدولة ظهرها لهذه الجهة طيلة عقود حيث لم يتم التخطيط لبرامج تنموية ولم يتم دعم المشاريع الفلاحية بالامتيازات التي يتمتع بها كل الفلاحين بمختلف انحاء البلاد. لقد تركت الحبل على الغارب فلم تعر اهتماما لدعم وتنظيم هذه الثورة الخضراء خاصة بالتشجيع على الاقتصاد في مياه الري .وقد تذرعت الدولة طيلة عقود في تجاهلها لمنوال تنموي شعبي ناجع ومنتج ومشغل ، بان هذه الاراضي الفلاحية غير مرسمة في نظام ريّها ضمن المساحات السقوية المنظمة اداريا. وكانت ترمي من وراء ذلك الى حرمان الجهة من الامتيازات والدعم المستحق والاكتفاء بالتباهي بارقام الصادرات التي تحققها هذه الفلاحة غير المعترف بها والتي توفر فرص الاحتكار والمضاربة لتجار الجملة في قطاع الغلال والتمور المصدرين ، وهم من خارج الجهة للظفر بغنائم ودرر الصحراء التي لم تكن لتكون لولا نبش الرجال والنساء في غياهب الكثبان والرمال الحارقة المتحركة، وسهر الليالي وجهاد عسير. يكفي ان نعلم ان شجر النخيل الذي يتطلب في مراحل نموه سقيا يوميا وحماية متواصلة ولا يبلغ انتاجه العادي الا بعد اثني عشرة سنة. فضلا ان تهيئة الارضية وحمايتها من زحف الرمال والرياح يتطلب مالا وجهدا وصبرا لا يفقه كنهه الا ابناء قبلي. لقد صبر سكان قبلي على القر والحر والفقر والظلم وتشبثوا بارضهم و استطاعوا ان يحولوا رمال الصحراء الحارقة الى جنات وعيون لم تنظمها الدولة فانتشرت بشكل عشوائي يهدد المخزون المائي . ولكنهم اليوم مهددون بالعطش رغم ان مياها لا حد لها تهدر نتيجة غياب تدخل الدولة للتنظيم وغياب دعمها للاقتصاد في مياه الري وهذه المسألة تشكل اولوية الاولويات في قطاع اثبت جدواه ويحقق نتائج كبيرة . ان قبلي التي كان بها اول انسان بشمال افريقيا ( عين بريمبة ) واتخذ منها البربر والفنيقيين والرمان حصونا ، اختارها عقبة ابن نافع لتأسيس اول مسجد بافريقيا فقبل القيروان كانت محطته تلمين البلدية الرومانية التي شيدت ميثاق المواطنة ومثلت في برلمان روما قبل ان تهب للاندلس ابن نفزاوة القائد طارق ابن زياد. ان ولاية قبلي التي تتوفر على ثاني اعلى نسبة وطنبا في ترتيب بطالة حاملي الشهادات العليا وتتوفر على اعلى نسبة في بطالة النساء بصفة عامة رغم تفتحها ,قبلي تنام على ثروات الغاز والنفط ومطمور العالم في الطاقات البديلة ومنبت النخيل والاعناب والزيتون ومرتع السياحة البديلة ، تبعد ساعة واحدة عن ميناء قابس التجاري واقل من ساعة على ثلاث مطارات ( توزر / قفصة / قابس ) فهي بفضل سِلمها الاجتماعي وقيم اهلها وطبيعتها الديمغرافية قابلة ان توفر فرص استثمار حقيقية ومشجعة خاصة في مستوى المؤسسات الصغرى والمتوسطة شريطة ان تبادر الحكومة بجلب المستثمرين وقيادتهم الى وجهة قبلي التي ستوفر لها نموذجا يقتدي به الاجوار. كما ان تنويع المجال الفلاحي قادر على تحقيق اضافة نوعية للبلاد ومواطن شغل لا حصر لها لها. ان سكان قبلي يشعرون بالغبن ويكادوا يوقنون ان الحكومات المتعاقبة لم تعرهم اهتماما لانهم لم يختاروا اعلاء صوتهم بالطرق غير الشرعية وتجنبوا العنف والفوضى ... ان قبلي ما زالت لا تتوفر على الحد الادنى المطلوب من الخدمات الصحية والمرافق العامة وهي ضحية عزلة متعمدة تعود الى جذور الحركة اليوسفية وثورة الخبز التي اشعلتها وتصدرها لقائمة الارهاب لم ارسلته من مجاهدين للعراق وفلسطين... ان المجتمع المدني على حداثته اراد ان يرسل رسالة بليغة المعنى الى الحكومة بمطالبه المنظمة والمؤطرة من قبل الادارة والدروسة مرارا وتكرارا وفق واقع الجهة وامكانيات البلاد...