بقلم الأستاذ بولبابة سالم " إنقاذ الوطن أولى من إنقاذ الترويكا " هكذا قال السيد حمادي الجبالي لإحدى القنوات التلفزية الأجنبية , لقد انحاز الرجل للمصلحة الوطنية و ابتعد عن الحسابات الحزبية الضيقة و استجاب للحظة التاريخية . تونس لا تتحمّل مزيدا من التوتّرات السياسية و لا نظن أنّه اتّخذ قرارا انفعاليا فقد سبق ذلك مشاورات ماراطونية مع أغلب مكوّنات الطيف السياسي ووجد عنتا كبيرا و شروطا قاسية , و لا شكّ أن جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد سرّعت بقراره فقد كانت صدمة كبيرة فهذا السلوك الإرهابي غريب على بلادنا مهما بلغت الخلافات السياسية و الإيديولوجية . تحمّلت المعارضة الديمقراطية مسؤولياتها الوطنية في لحظة تاريخية دقيقة تعيشها البلاد و بدت مواقفها من مبادرة رئيس الحكومة متوافقة مع خطابها السابق فقد أعلن الحزب الجمهوري ممثّلا في ناطقه الرسمي السيد عصام الشابي و المسار الديمقراطي الإجتماعي في شخص السيد سمير بالطيب تأييدهما للسيد حمادي الجبالي في مسعاه لإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية . هذه المواقف جعلت المزاج الشعبي ينظر لبعض أطياف المعارضة كسياسيين يقدّرون الوضع السياسي العام بالبلاد و خطورته وهو ما ينفي عنهم صفة العدمية التي طالما وُصفوا بها من الممسكين بالسلطة . إضافة إلى ذلك كان موقفا المسار و الجمهوري واضحا في خصوص الدعوات لحلّ المجلس الوطني التأسيسي حيث أكّدا تمسّكهما بالمؤسسات الشرعية و رفضهما لمثل هذه التصريحات . ما ينبغي أن يفهمه الجميع أن التوافق بين أطياف المعارضة لا يعني التطابق في كل شيء , فقد يكون التوافق حول القضايا السياسية الكبرى و العمل الميداني لكن لكل حزب خصوصياته و منطلقاته و برامجه و أهدافه, و للأمانة فقد نادت هذه الأحزاب منذ أشهر بحكومة كفاءات بحكم طبيعة المرحلة الإنتقالية و أهمية التحديات في انتظار الإنتخابات القادمة . قيمة مواقف الجمهوري و المسار نابعة من حضور الكتلة الديمقراطية المؤثّر في المجالس الوطني التأسيسي إضافة إلى وجود أصوات من داخل حركة النهضة تدعم مبادرة الجبالي و نرجو أن يتطوّر موقف الحركة في الأيام القادمة لينسجم مع أمينها العام . لقد كان البعض ينادي بتحييد وزارات السيادة فإذا بالسيد حمادي الجبالي يقرر تحييد كل الحكومة لإخراجها من التجاذبات السياسية , بل و يضحّي بمستقبله السياسي حيث قرّر ألا يترشّح للإنتخابات القادمة , و لا نظن أن أحدا ممّن يشتغل بالسياسة لا يريد الوصول إلى السلطة خاصة و نحن أمام رجل مناضل قضّى 16 سنة من عمره في السجن منها 10 سنوات في السجن الإنفرادي . لقد كانت مشكلة بعض أقطاب المعارضة سابقا في خطابها السياسي الذي أفقدها شعبيتها لكن مواقفها الأخيرة حول حكومة الكفاءات الوطنية أظهرها كأحزاب مسؤولة ووسطية تنحاز للمصلحة الوطنية و جعلها قريبة من نبض الشارع . لقد أصبح الجميع ينظر إلى حمادي الجبالي كرجل دولة لا كرجل حزب , و لا غرابة أن يكتب على صفحته الخاصة :" إنّي اخترتك يا وطني ". و نرجو أن يختار الجميع الوطن في هذه المرحلة الصعبة . و حفظ الله تونس .