بقلم حاتم الكسيبي يُتهم المسلمون بالإرهاب و يصورون في هيئة القتلة سفاكي الدماء في عديد صحف العالم وعديد أبواق الإعلام المرئي، فهم حسب رأيهم متعطشون دوما للدماء حتى ينشرون دينهم الذي يدعو للقتل و التقتيل وقطع الأعضاء والرجم وغيرها من الافتراءات و البهتان الذي تروجه النفوس الحاقدة على دينهم. وقد يعالجنا أحدهم بمواقف كاذبة ولكنها منمقة فيقسم العالم الإسلامي إلى مسلمين عاديين طيبين بطبعهم ويعتقدون في العيش المشترك وآخرين إرهابيين جندوا للتجارة بدينهم بالدم و تبيض الأموال. وقد اشتهر هذا التقسيم إبان انهيار الدولة العثمانية الراعية "الرسمية" لهذا الدين في ذلك الوقت والتي انشغل سلاطينها بالشهوات فأوعز المستعمر الأوروبي للشعوب العربية بالثورة فتوالت مذابح أبناء المسلمين وكانوا حطبا و وقودا للحروب العالمية ولم يلحظ يومها عاقل إرهابهم أو تقتيلهم لغيرهم من الشعوب بل كانوا مسالمين مدافعين عن أرضهم وعرضهم. وجاءت النكبة وما سبقها من مذابح فكانت دير ياسين وغيرها من مظاهر التقتيل الجماعي للعرب والمسلمين و هم أهل الأرض الشرفاء، فأعملت فيهم جميع أنواع أسلحة ذلك العصر و دمرت بيوتهم وهجروا إلى مخيمات لا زالت باقية إلى اليوم شاهدة على الظلم والجوع و شظف العيش ثم يتهم أبناؤهم بالإرهاب و بالتعطش إلى الدماء. لما قرأنا التاريخ "المزور" قلنا أن أبائنا لم يحسنوا إدارة مجريات الأمور أيام النكبة وان الجهل و الأمية كانا طاغيين على الشعوب الإسلامية فهم لا يعرفون الديمقراطية وحقوق الإنسان و سيكونون في أفضل حال عندما يتعلمون في مدارس الغرب ويقارعون إسرائيل بالحجج والإقناع فتعود عن غيها. يومها هبت جحافل المثقفين إلى عواصم الأنوار والضباب و ما وراء البحار يتعلمون "الحضارة" وينبذون "الارهاب" وعادوا إلينا بعقائد جديدة ولكن المجازر أبت أن تفارقنا فأعملوا فينا القتل والتشريد واتهمونا ثانية بالإرهاب. فهاهي صبرا و شاتيلا شاهدة إلى اليوم على إجرام إسرائيل وقد استهانت بالنفس البشرية و راحت تقصف وتحصد الأرواح بصغيرها وكبيرها ثم أفلتت من العقاب وقد تغاضى عنها القانون الدولي الذي صاغوه فلم يجدوا توصيفا لأعمالها غير الدفاع عن النفس. وهاهي طبقات المثقفين المتتلمذين عن الغرب ينددون و يستنكرون ويشجبون ثم يدعون للحوار و المفاوضات، كذلك حال حكام العرب في ذلك الوقت القريب، فعلمنا ضعف تكوينهم وقلة حيلتهم والتزامهم الشديد باحترام حقوق الإنسان مع الغادر والقاتل فلم يعوضوا الدولة العثمانية في شيء و لم يحققوا آمال شعوبهم في التحرر و مسك زمام الأمور. لم تنقطع المجازر التي نالت من دماء المسلمين فاعمل فيهم القتل مرات ومرات في أواخر القرن الماضي وشهدت أرض العراق مذابح الأطفال والشيوخ والنساء فسلبت أرضهم وحريتهم وكرامتهم و شردوا ولم ينل القاتل تهم الإرهاب والإبادة بل بارك العرب "المسلمين" بأموالهم ذلك العمل واعتبروه تحريرا وبداية عهد الديمقراطية. ولقد فتحت هذه الحرب باب المجازر على مصراعيه فحوصر القطاع واجتثت الضفة من محيطها وانهالت الصواريخ عليهما فارتكبت أبشع المجازر ودعت الأممالمتحدة في كل مرة إلى ضبط النفس. ثم استباح آل صهيون ارض لبنان فقتلوا الآلاف و دمروا الديار بدعوى محاربة الإرهاب و تساقط الموحدون على الأرض ودماؤهم تسيل و تستغيث "وامعتصماه" و لكن المعتصم ولى و راح و أضحى منددا و مستنكرا و مطالبا بانعقاد مجلس الأمن. لقد انتشرت عدوى تقتيل المسلمين فأصابت شعوب مينمار فقتلوا و شردوا الروهينغا على مرأى و مسمع الجميع و هاهي دماؤهم تسكب إلى اليوم ولا مجيب، ثم يتهم المسلمون بالإرهاب وسفك الدماء. و ليلقي القارئ نظرة عن ذلك البلد الخرب التي ألقيت عليه أضخم أنواع القنابل فدمرت مدنه و جباله وليتحرى عدد المسلمين الذين قتلوا جراء تلك الأعمال الوحشية. ولما ضجرت إسرائيل من قتل المسلمين أوعزت إلى الغرب فكرة الفوضى الخلاقة والثورات العربية فيقتل العرب بعضهم بعضا ويستريح الكيان الغاصب ليبني المستوطنات و يحصن مواقعه ومواقفه من الإرهاب. فجاءت الثورات العربية وتناقلت أحداثها بين الدول فصفق لها الاحرار وعض عليها الأنامل يتامى الغرب المنددون و المستنكرون على الدوام فتجنبوا صرخة الثورة و ركنوا إلى الجحور حتى يحين وقت الانقضاض من جديد على موقع القرار فيعودوا إلى التنديد والاستنكار. و هاهي مجازر فظيعة ترتكب في أرض الكنانة باسم الانتصار للثورة ومحاربة الإرهاب الذي نسب إلى الضحية المقتول ونعت القاتل بالمحرر الديمقراطي. لقد قلبت المفاهيم ولم نجن من ثقافتنا وتعليمنا حقوق الإنسان العالمية إلا القتل للأطفال و الشيوخ والعزل. وهاهو بشار القاتل أحس بألمنا فجنبنا مناظر الدماء السائلة و الوجوه الملطخة فأطلق غازاته الكيماوية وخنق الأطفال الرضع وأمهاتهم و قتل أبناء بلده في أحدث مجزرة تأتي على الارهابيين الذين لم يقتلوا أحدا بل قتلوا آلاف المرات. حمى الله المسلمين بإيمانهم فكل أمرهم خير و نصرهم الله بجنود من عنده وهم الضعفاء العزل لا يقدرون إلا على رفع سبابتهم إن لم تعتبر إسرائيل هذه الحركة إرهابا.