أبو مازن قلنا علّ القوم قد أصابوا حين طالبوا بالكفاءة تلو الكفاءة فيتغير طعم الحياة و ننعم بأبخس الأثمان والبضاعة المزجاة. صدقنا أن خريجي السجون كما سموهم لا يفقهون للاقتصاد معنى ولا تهمهم الا الكراسي وهذه دولة مزدهرة اصابها عيب بسيط في أعلى هرمهما و قد زال. ان كفاءتنا حكيمة عليمة بجيب المواطن تسعى لمليه بالمنح والزيادات و تعمل على مقاومة الاحتكار والتهريب حتى تضغط على الاسعار فلا يصيبها لهيب النار فيعاودنا الحنين لمن نالوا ثقة الصندوق و هو ليس منهم ببعيد. أقسمت الكفاءات بكل الأيْمان أن نغادر عتبة الغلاء و نتحكم في الاسعار ونسعى لبحبحة العيش التي يهواها التونسي و يبيع كل نفيس وغالي من أجلها. هبّوا الى الميزانية التكميلية والى الملفات الاقتصادية العويصة التي لم تفلح حكومة الفشل على رأي حمه و أقرانه فحاولوا وحاولوا وبقينا نتتظر و ننتظر فنحن لا نملّ الانتظار لأننا نهوى ذلك الصنيع منذ الاستقلال. هاهي الاسعار تتلهب من جديد و هاهو الاحتكار يضرب من جديد فيشعل أسعار اللحم في هذا الشهر المبارك. لا يهمّ اللحم فالتونسي يعافه منذ مدة لأنه ملّ من الجري وراءه وتعب من الجدال مع الجزار والقصاب. فهذا صائم يفطر اليوم وغدا على مرق الدجاج ان حافظ هذا الطائر المبارك عن تسعيرته. و ذاك صائم لا يقدر على غلال وثمار جاوزت اسعارها عدة دنانير فلم يستطع اشتراء الرطل ونصفه حتى لا يناله ازدراء البائع والزبائن. أضحى السوق واجهة يتفرج فيها المسكين الجوعان والفقير الضمآن فيشارك القوم التجوال بين حوانيت البقال والجزار دون ان يقتني بضاعتهم. صار يحلم بأسعار الماضي و بنويرة وبن صالح يوم كان الدينار سيدا يفعل الأفاعيل في المخازن والأسواق. قال لي أحدهم : تجولت في الاسواق و جيبي لا يحوي سوى بضع دنانير فاشتريت السمك ولحم الضأن و لحم العجل ثم ملأت قفتي خضرا وغلالا فاحترت في حملها فاتخذت سيارة أجرة من السوق الى البيت بما تبقى في جيبي من ملاليم. احلم أيها التونسي وتمنى حياة كتلك التي وصفت فالانتخابات مدركتنا بعد شهور والوعود المقدمة بدأت تطل برؤوسها، خير عميم و مداواة بدون ثمن فامرض كما شئت فستجد الاستقبال والترحاب والعناية. سوف يعدنا المترشحون بخبز مجاني و تعليم بدون دراهم ولكن هذا لا يعدو ان يكون هراء وسراب نجري وراءه ولا ندركه. ولنعلم ان شدة الاسعار لن تزول بمقدم وزير او رحيله فنحن لا نعمل و نمعن في التكاسل وان دعينا الى اضراب نلبّي بسرعة ونغادر مكان العمل ونعتبر ذلك فسحة منحنا الله ايها. لن تكون لتونس دولة بعقلية التواكل و الانتقام و البحث عن المصلحة الفردية وتقديمها عن مصلحة الوطن. لن تكون لنا دولة قوية وهذه السلع العديدة والمتعددة تدخل بلادنا من الشبابيك بعد ان صُرفت عن الابواب. أسعارنا نحن من نحددها بعملنا وجهدنا ومدى استحضارنا الحس الوطني والمصلحة العليا للبلد المتحرر من مافيات التجارة الموازية التي عاودت الكرة وأغرقت السوق بالمنتوجات المضروبة.