يعيش اعتصام الصمود منذ انطلاقه حالة مد وجزر بين المعتصمين والأطراف المتداخلة الأخرى وعلى رأسها سلطة الإشراف التي تمتلك الكثير من مفاتيح الحل لذلك فإن كل ما يصدر عن هذه السلطة أو من يمثلها يعتبر خطوة هامة فما بالك إذا صدر عن أعلى الهرم فيها وهو رئيس الحكومة. ذلك أنّ ساحة القصبة عرفت حادثة أثارت الاستغراب لدى كل من حضرها وتمثلت في توجه رئيس الحكومة علي لعريض وهو في طريقه مغادرا مقر عمله بقصر الحكومة صوب المعتصمين ويبدو أن "اللقاء" الأول بين الطرفين لم يكن "وديا"، حسب ما أفادنا به الناطق الرسمي لاعتصام الصمود محمد العقربي. حيث قال العقربي إن لعريض افتتح كلامه معهم بقوله إنه يحدثهم كمسؤول لايتعامل بالعاطفة وأنه جاء ينبههم من تكرار الأخطاء السابقة "أي ما حدث في يوم الغضب في 27 أفريل الماضي الذي اعتبره خطأ"، و"إساءة إلى جيل كامل من المناضلين". وفيما رأى بعض الحاضرين في سعي لعريض إلى الحديث مع المعتصمين بادرة ايجابية في جميع الحالات، رأى آخرون أنه قد يكون جانب الصواب عندما استعمل "نبرة حادة جدا" عند الحديث مع المعتصمين . وفي تصريحات للضمير قال أحد المعتصمين "كنا ننتظر خطابا أكثر هدوءا وتفهما، وتوازنا، وأن يكون ذلك الخطابمتجها نحو إيجاد الحلول. كما كنا نتنمى لو وقع التركيز على نقاط الالتقاءومحاولة تجاوز ما من شأنه تعطيل الحوار المتعطل أصلا بين المعتصمين والحكومة التي يرأسها. وأضاف العقربي أن الأجواء المحيطة بالملف تتسم بالتشنج خاصة بعدما جرى في يوم الغضب، الذي كنا نتمنى أن يتحول الى لحظة تاريخية تلتقطها الحكومة لحلحلة هذا الملف. وتوجهنا إلى محدثنا بسؤال حول النتائج التي تمخضت عن هذه المواجهة غيرة المنتظرة ،فأجاب هذه الجلسة غير المنتظرة دامت ما يقارب ال45 دقيقة لم تتمخض عن شيء حيث كانت عكس إنتظاراتنا تماما فهي لم تتقدم ولو خطوة إلى الأمام. هذا إن لم تكن قدعادت بالوضع إلى الوراء. وكأني برئيس الحكومة يقول إنه ليس بالإمكانأحسن مما كان وذلك من خلال طرح تسوية مالية هزيلةلا ترتقي إلى مستوى إنتظاراتنا وإن كنا سنقبل بها لقبلناها منذ البداية دون الوصول إلى هذه المرحلة. لكننا من جهتنا كمعتصمين لن نتراجع وسنعتمد كل الوسائل المتاحة لنا لمواصلة نضالنا. ولن يملي علينا أحد كيفية القيام بذلك ما لم نضر بشخص، أو ممتلكات، أو نقطع طريقا، أو نعطل مصالح، ويشهد الجميع لنا بذلك. ولم نتعرض بالإساءة إلى أي موظف أو مسؤول. وحتى علي لعريض رغم موقفه غير المنتظر، فقد حرصنا أن يكون حديثنا معه في إطار احترامنا له ولمنصبه. وقد شدد محدثنا على موقف المعتصمين بأن مقام رئاسة الحكومة محفوظ ومحترم وذلك لأننا نعتبر أن هيبة الدولة من هيبة مواطنيها فحفظ هيبة رجل الدولة هي حفظ لهيبة المواطن ونحن واعون بهذه المسألة. السعي إلى إيجاد حل وفي مسألة أخرى تتعلق باعتصام الصمود توجهت الضمير بالسؤال إلى محمد العقربي حول مبادرة حمادي الجبالي التي أطلقها لمحاولة الدفع في اتجاه الحل؟، فأجاب أن حمادي الجبالي وجه الدعوة إلى المعتصمين إلى جلسة وقع فيها التحاور حول واقع ملف العفو العام ومآله. وكانت الجلسة الأولى يوم السبت الفارط جلسة حوار، استمع إلينا نحن ممثلي الاعتصام. واستمع إلى رؤيتنا وقراءتنا للمسألة وتصورنا للحل. وقبل اللقاء كنا علمنا من بعض المقربين أن حمادي الجبالي يسعى لإطلاق مبادرة لحلحلة هذا الملف، يتبناها المجتمع الأهلي ويشتغل عليها كل المتداخلين من جميع الأطياف، ودون تحييد أي طرف. ثم كان لنا لقاء ثان يوم الاثنين وبدأنا نناقش بعض التصورات ولمسنا جدية وحرص لدى الجبالي. الذي سألناه بوضوح عن هذا التحرك وقد اعتبره مبادرة وطنية أطلقها هو،باعتباره شخصية عامة جامعة. ومن موقعه كمسؤول سابق لا بصفته الحزبية ولا السياسية، كرئيس للحكومة المتخلية. وذلك لرفع المظلمة عن آلاف التونسيين دون تمييز ودون النظر إلى هويتهم الحزبية والإيديولوجية. ونحن من جهتنا نتبنى أي فكرةأو مبادرة تأتي لإعطاء دفع نحو فضاءات الفعل لهذا الملف. وهي مبادرة مرحب بها وليست فقط تلك الصادرة عن حمادي الجبالي. وحول تساؤلنا عن الخطوط العامة لهذه المبادرة ولماذا لم يتم إطلاقها عندما كان صاحبها في السلطة وبيده العديد من الوسائل التنفيذية ؟ أجابنا العقربي أن الجبالي يرى أن الحكومة لوحدها غير قادرة على التعاطي مع هذا الملف وبالتالي يجب أن يوجد شكل من أشكال الإسناد من المتداخلين والقادرين على المساعدة على تجاوز هذه المظلمة المتواصلة والمسلطة على الآلاف من المساجين السياسيين والتي تبقى وصمة عار في جبين تونس ما بعد الثورة وفق تعبير محدثنا أما فيما يخص الجزء المتعلق بتوقيت المبادرة قال محدثنا إن هذه المسألة لم يقع طرحها وأضاف كما قلت سابقا فإن أي مبادرة لتفعيل الملف مرحب بها لأن القضية بالنسبة لنا هي استرداد حقوقنا ولا نرى فائدة في طرح مثل هذه المسائل التي قد لا يبدو الوضع ولا الوقت مناسبان لها. ويبقى تفعيل ملف العفو العام يراوح مكانه، خطوة إلى الوراء ونصف خطوة إلى الأمام لينتهي به المطاف فوق رفوف وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ينعم بالدفء في انتظار حلول قد تأتي وقد لا تأتي.