قبل أسابيع قليلة أعلن عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي، في سياق مقارنة مع الأوضاع في مصر، أن الأمور ستحسم في تونس بطريقة أسرع، ومباشرة بعد شهر رمضان المعظّم. وذكر القيادي في الوطد أن " لديه معلومات تؤكد أن الّذي سيقع في تونس بعد شهر رمضان سيكون 1000 مرة أحسن ممّا حدث في مصر."وقال منجي الرحوي أن ما سيحدث في تونس "سيكون سلميا وسيكون بمثابة الاستفتاء الشعبي ضد الحزب الحاكم على حد تعبيره." الرحوي لم يذكر أية تفاصيل ولكن كلامه يدل على أن شيئا ما كان يحضر لتحريك الشارع، ليكون "استفتاء شعبيا" ضد حركة النهضة. ماذا يقصد العضو المحترم في المجلس الوطني التأسيسي والذي هدد بالاستقالة من المجلس بالمعلومات التي يملكها؟ وما معنى أن ما سيحدث سيكون أفضل من السيناريو المصري أي عزل الرئيس الشرعي محمد مرسي ألف مرة؟ ما هي دواعي الثقة المفرطة التي تحدث بها؟ وهل هي نتيجة تقدير داخلي أم وعود خارجية؟ وما علاقة تصريح الرحوي بإعلان حمة الهمامي منذ أسابيع عزم الجبهة الشعبية على إسقاط النظام دون تدخل الجيش؟ تصريح منجي الرحوي كان في سياق تطورات إيجابية شهدتها البلاد بعد نجاح الحوارات الوطنية التي نظمتها رئاسة الجمهورية، واتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، وإنجاز مسودة الدستور التي باركتها أطراف وطنية عديدة على رأسها أحمد نجيب الشابي، وانتخاب هيئة الانتخابات . لذلك فهِم وقتها، كنوع من المزايدة السياسية البريئة، رغم الضجة التي استقبل بها تصريح رئيس كتلة النهضة الصحبي عتيق. حديث منجي الرحوي عن تحريك الشارع ضد النهضة، كان مفاجأة لم يلق لها أحد بالا، مع تعود قادة الجبهة الشعبية إطلاق تصريحات نارية من باب "المراهقة السياسية"، ولكنه يعيد إلى الأذهان تصريح حمة الهمامي منذ أشهر الذي أكد فيها أن الجبهة الشعبية ماضية في مساعيها لإسقاط الحكومة ولو أدى ذلك إلى العنف داعيا الجزائر للتدخل في الشأن التونسي. وهو ما يؤكد شرعية وجدية تساؤل " الضمير" عن تحول "الجبهة الشعبية الى مشروع حرب أهلية" لم تندلع بعد اغتيال شكري بلعيد، ولم تيأس بعض "الأطراف" من وقوعها. تصريح منجي الرحوي مفتاح من المفاتيح الأساسية التي يمكن أن تؤدي إلى كشف عديد الحقائق والمعطيات حول: 1- صراع الزعامة الذي يشق صفوف الجبهة الشعبية، الذي لم يفلح الهمامي في حسمه لصالحه حتى بعد اغتيال بلعيد 2- فشل الجبهة في التحول إلى ظاهرة سياسية شعبية، رغم تلون قادتها بأكثر من لون بما ذلك مغازلة التجمعيين ونداء تونس، والمحاولات التي يبذلها قادتها ومن يقف وراءهم لاصطناع أزمات سياسية ذات بعد وطني، تبرر استلامهم الحكم دون انتخابات 3-علاقة الجبهة الشعبية التي ولدت بعد تأكد "حكومة الظل" من فشل نداء تونس في مواجهة النهضة، بالاجندات الواضحة للدولة العميقة وحكومة الظل وبعض الأطراف الخارجية، والمساعي المبذولة لإجهاض الربيع العربي، وإعادة النظام القديم للسلطة في تحالف مع اليسار الاستئصالي. 4- حقيقة اختراق التيار السلفي الجهادي، من جهات استخباراتية توظفه لضرب الإسلاميين المعتدلين بالإسلاميين المتشددين، والتي تزامنت هذه المرة مع إيقاف رمز من رموز السلفية المعتدلة الشيخ البشير بن حسن بطلب من الشرطة الفرنسية، في ظروف غامضة وبتعلة واهية؟ كلام المنجي الرحوي وتصريحات حمة الهمامي لم تكن من فراغ. وكانت تعني بوضوح، وجود مخطط لتحريك الشارع بافتعال "حدث" يصدم التونسيين، ويدفعهم للخروج لإسقاط النظام. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل كان اغتيال محمد البراهمي، الزعيم المنافس لحمة الهمامي على رأس الجبهة، وابن سيدي بوزيد مهد الثورة، وعضو المجلس التأسيسي رمز الشرعية، وممثل التيار العروبي القومي الذي رفض الانجرار وراء شطحات اليسار الاستئصالي الانقلابية، الحدث الذي يمكن أن يحرك الشارع كما القيادي اليساري في استفتاء شعبي يجعل السيناريو التونسي أفضل من المصري ألف مرة، أم هو مجرد "تمهيد" لأحداث أخرى ، تقود الجبهة الشعبية وزعيمها حمة الهمامي إلى السلطة التي فشل في نيلها عبر صندوق الانتخابات؟