قد لا يتوقف مسلسل سقوط إعلام النظام السوري الرسمي –أخلاقياً- عند حد أو مستوى معين، فالأمر لم يعد يقتصر على الترديد الببغائي لأكاذيب الدعاية الحربية الفارغة، من قبيل النفخ في انتصارات وهمية للجيش الذي ينهار وتتهاوى معنوياته كما قطعاته وثكناته العسكرية يوم بعد آخر أمام زحف الثوار من الشمال والجنوب. فكان لابد لإعلامه من شيطنة الثوار وضربهم تحت الحزام، عبر تصويرهم كمسوخ بشرية، متجردين من أي حس أخلاقي أو وازع ديني. فاختلقوا في سبيل ذلك كذبة ما يُعرف ب "جهاد المناكحة" ومضوا فيها على مبدأ "غوبلز" الشهير "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس". نظرياً. عملياً لم يقدم إعلام "الممانعة" وملحقاته ومرتزقته دليلاً واحداً على أي فتوى تبيح "جهاد النكاح" المزعوم، اللهم إلا جعجعة ودندنة لا تتجاوز حناجر أصحابها، ولا ندري حقيقة ما السر بهذه الفتوى الخفية التي أطلقها الداعية السعودي "محمد العريفي" عبر حساب (مزور) على توتير، ولم يتلقفها إلا إعلام النظام السوري وقناة "غسان بن جدو" الميادين، ومضوا فيها متناسيين أن مضغ الأكاذيب لن يجعل منها حقائق أبداً. وأن فتاوى العلماء ورجال الدين المسلمين السنة لم تكن يوماً باطنية أو سرية أو مخفية (كما هو الحال عند بعض الأقليات)، بل نجدها واضحة بينة، مسلحة بالحجج الشرعية العقلية والنقلية منها، وإن اختلفوا فيما بينهم. ولأنهم يعرفون حقيقة دجلهم وكذبهم وافترائهم وأنها لا تنطلي حتى لمن هم بين ظهرانيهم (ديماغوجياً)، كان لابد من إنتاج درامي جديد لجهاد النكاح المزعوم، وذلك عبر وتلقين ضحاياهم سواء بالقبول تارة أو وبالإكراه نصوصاً تمثيلية لأدوار مؤثرة ومثيرة. ومع ذلك أعتقد بعضنا أن عهر النظام سيتوقف عند هذا الحد والمستوى من السقوط. لكن كم كنا مخطئين في ذلك، إذ أن الأمر تجاوز ذلك بكثير؛ فكانت الضحية الطفلة قاصر، لم تشفع لها طفولتها ولا وجهها البريء من انتهاك كرامتها بلا استحياء أو خجل. ودون أي أدنى مراعاة لأعراف الآداب العامة، أو اعتبار لآداب المهنة الضابط للعمل الإعلامي أولاً وأخيراً. لم نعد بصدد الحديث عن جهاد النكاح، بل عن طفلة تغتصب كرامتها على الملأ، على شاشة قناة العهر الإخبارية السورية تقرأ ابنة الستة عشر ربيعاً "روان قداح" النص الذي لُقنت إياه عن النكاح الذي مارسه الثوار بحقها عن طريق والدها (الذي لم يوفرها أيضاً حسب الرواية)، ولا يتعفف ملقن النص أو يتجاوز عن ذكر التفاصيل المخجلة، لم يفترض أنها طفلة وضحية أيضاً لمجموعة من الأشرار المفترضين المتناوبين على اغتصابها وفض بكارتها "شرعياً". وهنا لابد من التذكير وبالورقة والقلم بألف باء المبادئ والبروتوكولات التي تحكم التعاطي الإعلامي مع الأطفال وقضاياهم، حسب القوانين الدولية الناظمة لحقوق الطفل الإنسانية: 1- ينبغي احترام كرامة جميع الأطفال في جميع الظروف. 2- لدى مقابلة الأطفال أو إعداد التقارير عنهم، ينبغي إيلاء اهتمام خاص بحق جميع الأطفال في الخصوصية الشخصية والسرِّية. إمعاناً بالسقوط، لم يراعِ تلفزيون النظام الرسمي أو يحترم أي من هذا. موضوعياً؛ لم نكن ننتظر ذلك منه. لكن على سبيل المثال لا الحصر وبتوفر حد الأدنى من الأدبية المهنية، يمكن أن نسأل لماذا لم يقم إعلام النظام السوري بتمويه ملامح وجه الطفلة، كما يحدث بمعظم البرامج والتقارير المتلفزة عند التعامل مع القضايا الحساسة والحرجة كضحايا الاغتصاب أو العنف، حماية للخصوصية. بل ظهرت "روان قداح" بملامحها الطفولية العذبة، وكأنها ضيفة إحدى البرامج الترفيه تتحدث فيه عن تجربة مميزة خبرتها في حياتها الشخصية. مع العلم انه قد سبق لتلفزيون النظام السوري عرض حديث إمرأة سورية مموّهة الوجه، ادعت باغتصابها على أحد حواجز المعارضة السورية المسلحة. (إلى أن تمكن أحد العاملين في التلفزيون من إرسال النسخة الأصلية للتسجيل ومعرفة الفتاة وعلاقتها بالأمن السوري، وتفاصيل قصة الاغتصاب المزعومة. وقد ظهرت الفتاة في التسجيل الأصلي تضحك عندما كانت تخطئ في الرواية التي يمليها عليها المخرج) لعلّ أكثر ما يثير الدهشة ويستحق التأمل فعلاً والملاحظة في حديث "روان" -بحسب المحللين- كان بالتلقائية والسلاسة التي صبغت سردها وتوثيقها لتفاصيل مؤلمة عاشتها طفلة، كحديثها عن تعرضها للاغتصاب من قبل والدها.
وفي ذلك يقول الطبيب الشرعي "ياسر سعيد": إن الفيديو الذي يظهر طلاقة في كلام الطفلة روان، واسترسال ليس فيه انقطاع، ونبرة الصوت خالية من المشاعر، رغم أن الحديث يدور عن أصعب حالة يمكن أن تتعرض لها فتاة. كل تلك التفاصيل تدل على عملية تلقين طويلة، خضعت لها الطفلة "روان"، وعلى إعادة التسجيل لحديثها أكثر من مرة.(حسب موقع "أمستردام") إذن، بات واضحاً وجلياً لنا ولغيرنا أن حضور -أو إحضار- الطفلة "روان" على شاشة الإخبارية بهذا الشكل والمضمون، كان محاولة متعمدة لتشويه سمعة الطفلة "روان" والنيل من براءتها وكرامتها هي وذويها، أكثر منه محاولة اجترار وتسويق لرواية "جهاد النكاح" عبر استدعاء عناصر درامية مؤثرة. الأمر دفع بأحد "المعارضين" السوريون المقربين من النظام السوري مثل "هيئم مناع" الذي استفاقت به النخوة رفع صوته رافضاً لما وصفه بجريمة الحرب، وداعياً إلى محاسبة ومحاكمة كل من اشترك بالتصوير، مندداً بالانتهاك الفاضح لاتفاقية حقوق الطفل وجنيف. كما اعتبر "هيثم مناع" أن الشريط المصور"لروان" بمثابة إعدام لشخصية الطفلة الاعتبارية. الآن يحق لنا أن نسأل لماذا "روان قداح" بالذات اختارها النظام دوناً عن غيرها لاغتيال طفولتها على شاشات ومواقع إعلامه، على هذا النحو المؤلم. ونجد الإجابة حاضرة عند ناشطين الثورة "فروان ميلاد قداح" ابنه درعا مهد الثورة السورية، من مواليد عام 1997، طالبة بالأول ثانوي، كانت تدرس بمدرسة "ميسلون" في مدينة "نوى" بمحافظة درعا مهد الثورة السورية، تعرضت للخطف من قبل عناصر الأمن العسكري في وقت سابق من شهر نوفمبر 2012 أثناء عودتها من المدرسة، ولم يعرف عن الفتاة أي شي بعد اعتقالها في ذلك الوقت. والدها المناضل "ميلاد قداح" 45 عام، من أوائل الناس الشرفاء الذين شاركوا بالثورة. حيث زحف الى درعا مع جموع غفيرة من أهالي نوى تلبية لنداء النداء الذي أطلقته مدينة درعا وقد أبى أن يرجع إلى نوى في نفس اليوم وبات أسبوعا كاملاً في المسجد العمري، وعاد بعدها ليروي لنا قصصا مرعبة عن وحشية القمع الاسدي ضد الأهالي هناك. وقد كان له مواقف مشرفة بعد اقتحام نوى من قبل جيش النظام حيث وقف أمام ضابط برتبة مقدم وقال له لماذا تمنعونا من الخروج في مظاهرات هل تخافون من كلمة "الله اكبر" ورددها ثلاث مرات أمام الضابط الاسدي، ونحن نرددها ورائه وسأله: هل سقط نظامك إذا رددنا هذه الكلمات. وقد كان أول شخص يفتك بعنصر من عناصر الأمن الذين نكلوا بأبناء درعا، ومن ثم بعد عودته إلى نوى التحق بعناصر الجيش الحر ليذود عن أهالي محافظة درعا السورية أولا ومدينته ثانيا. وكان مطلوباً للنظام بتهمة "الانتماء لجبهة النصرة وتنظيم القاعدة" و تعرض منزله للمداهمة أكثر من مرة من قبل عناصر الأمن العسكري ومن قبل عناصر الجيش. أخيراً، بت أعتقد جازماً أننا كعرب ومسلمين وآدميين نحتاج لكمية كبيرة من الملح لذرها في عيون بعضنا، علها ترمش خجلاً أمام مشهد اغتيال براءة الطفولة على شاشة الممانعة العربية والصمود والتصدي الإخبارية السورية وأضرابها.