يعيش المشهد السياسي التونسي اليوم جدلا حول موعد انتهاء شرعية المجلس الوطني التأسيسي،الذي انتخب في 23 أكتوبر من السنة الفارطة، والذي كان أبرز مهامه صياغة دستور جديد للبلاد ومراقبة أعمال الحكومة، وتسيير شؤون الدولة، وقد تزايد هذا الجدل خاصّة إثر تصريحات رئيس حركة "نداء تونس" الباجي القائد السبسي حين صرّح أنّ شرعيّة المجلس الوطني التأسيسي تنتهي يوم 23 أكتوبر من هذا العام، وأنّ الحكومة الحالية فقدت شرعيتها. وللتعرف على الجانب القانوني والسياسي لشرعية المجلس الوطني التأسيسي ما بعد 23 أكتوبر 2012 كان لنا حوار مع أستاذ القانون السياسي والخبير القانوني قيس سعيد، الذي رأى أنّ الأمر يتعلّق بجانبين مختلفين لا بدّ من الفصل بينهما بكلّ وضوح، الجانب الأوّل قانوني خالص وأمّا الجانب الثاني فهو يتصّل بقراءة للوضع السياسي. ويقول سعيد إنّ الجانب القانوني يتصّل بتحقيق مدّة عمل المجلس التأسيسي بسنة واحدة وذلك بمقتضى الأمر الصادر عن رئيس الجمهوريّة المؤقّت في 3 أوت من سنة 2011 المتعلق بدعوة الناخبين للانتخابات يوم 23 أكتوبر. التأسيسي غير ملزم!!! واعتبر سعيد أنّ المجلس الوطني التأسيسي الذي يمثّل السلطة التأسيسيّة الأصليّة غير ملزم بهذه المدّة، لأنّه صاحب السيادة هو الشعب التونسي وصاحب السلطة التأسيسيّة الأصليّة الشعب التونسي الذي فوّض عن طريق الانتخابات ممارسة هذه السلطة لنواب عنه ولم يقبل المجلس بأن يحدّد مدّته بنفسه عند مناقشة مشروع القانون المتعلّق بتنظيم السلط تنظيما مؤقتا. وأكّد قيس سعيد أنّ النصّ صدر دون تحديد المدّة معنى ذلك أنّ المجلس التأسيسي رفض هذا الأمر ورفض المدّة المحدّدة فيه، موضحاأنّه إذا تعارض نصّان قانونيان يغلّب دائما القانون الذي هو دونه مرتبة، "وفي هذه الحالة يغلّب القانون التأسيسي على الأمر المذكور وفي المطلق لا يمكن لسلطة المؤسسة فضلا على أنّه مؤسسّة مؤقتة لا يمكن أن يقيّد إرادة السلطة التأسيسيّة الأصليّة وكما هو متفقّ عليه في الفقه الدستوري فإنّ السلطة التأسيسيّة الأصليّة هي سلطة أولى لا تسبقها أيّ سلطة والسلطة العليا التي لا تعلوها سلطة أخرى وهي غير مقيّدة من الناحية القانونية"، حسب تعبيره. صراع سياسي بامتياز... أمّا سياسيا فأكّد سعيد أن المدة النيابية يجب أن تحدّد زمنيّا، قائلا إنّ "الناخب التونسي حينما توجّه إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات لم يفوّضهم بصفة أبديّة بل فوّضهم للقيام بمهام محدّدة ويجب أن تكون محدّدة أيضا في الزمن والجهة الوحيدة من الناحية القانونية التي يمكنها بل يجب عليها تحديد المدّة هو المجلس ذاته لأنّه حتى وإن كان غير مقيّد من الناحية القانونية فهو مقيّد من الناحية السياسيّة ومسؤول أمام الناخبين". ورأى سعيد أنّه من المؤسف حقا أن يتمّ إكساء هذا الصراع السياسي رداء قانونيا حتى وإن اختلفت التصوّرات وتأجّجت بين الفرقاء والحلفاء هناك خطّ أحمر لا يجوز لأحد تجاوزها وهو استمرارية الدولة التونسيّة بل قول انتهاء الشرعيّة عند منتصف ليل 23 أكتوبر فيه مسّ أو فيه خطر على الدولة التونسيّة فعندما يدعو البعض إلى وضع حدّلهذه الشرعيّة فإنّه يدعو رئيس المجلس الوطني التأسيسي إلى غلق قصر باردو ولكن إذا تمّ غلقها فلمن سيتمّ تسليم المفاتيح؟ وأكّد سعيد أنّه على المجلس الوطني التأسيسي اليوم أن يتحمّل مسؤوليّة في تحديد مواعيد واضحة وهو بالنسبة إلى الانتخابات التي سيتمّ البناء عليه. أمّا بشأن الصراع القائم بين فرقاء المشهد السياسي فيقول سعيد إنّ "الصراع هو صراع سياسي بامتياز ولكن لا بدّ من التأكيد على ذلك مادامت بعض الأطراف لا تقبل أصلا بوجود أطراف أخرى فإن الصراع سيتأجّج والقضيّة بالأساس هي قضيّة حريّة فإن لم يقبل بها جلّ الأطراف فإنّ الصراع مرشّح لمزيد التعقيد".