تزامنت الثورة في تكنولوجيا الاتصالات في التسعينات مع تبلور أفكار التيار الجهادي العالمي على يد مجموعة من قيادات الجماعات الجهادية القطرية و رموز الأفغان العرب و كانت هذه التكنولوجيا الجديدة في الحقيقة هي التي جعلت الجهاد العالمي ممكنا فمكنت الشبكة العنكبوتية الجهاديين من بث أفكارهم و بناء علاقات بين الأفراد من خلال تكوين مجتمعات افتراضية أممية متناسقتا مع مفهمو'' الأمة'' و'' عالمية الإسلام'' في المرجعية الفكرية السلفية و محفزتا على إيجاد مناخ لبث فكرة الجهاد العالمي ضد العدو البعيد (الصهيوأمريكي) خاصة بعد تشكيل أسامة بن لادن بالاشتراك مع أيمن الظواهري سنة 1998'' الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين'' والتي نجم عنها لاحقا ما يسمى ''الحرب على الإرهاب ''أو'' الحملة الصليبية العاشرة'' بدلا من الأبعاد القومية والقطرية الضيقة التي كانت تنتهجها تنظيمات الإسلام المسلح في الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. كيف يستخدم الجهاديون في تونس الانترنت ؟؟؟ يتساءل الكثيرون عن سبب اعتماد أصحاب الفكر الجهادي في تونس أو خارجها على الانترنت وسيلة أساسية وشبه وحيدة في الترويج و الدعاية لأفكارهم ومنهجهم و لعلي هنا أجد تبريرات كثيرة منها الموضوعي و منها الذاتي لهذا الاعتماد أولها سهولة استعمال الشبكة العنكبوتية و حجم الجمهور المستهدف إذ تسجل تونس معدلا عاليا جدا مقارنة بعدد السكان يكاد يكون الأعلى عربيا في الإبحار الالكتروني وسهولة تدفق المعلومات فيها وإمكانية نقل النصوص والصوتيات و المرئيات بسهولة من خلالها إلى جانب سبب مهم و هي الفراغ التشريعي المنظم للإعلام الالكتروني و بذلك لا يكلف الجهاديون أنفسهم عناء الحصول على تراخيص كما في الصحف و الإذاعات و القنوات التلفزية من سلطة يعتبرونها كافرة كونها لا تحكم بما أنزل الله فالحاكمية مبدأ مركزي في الفكر الجهاد هذا إلى جانب العديد من الأسباب الموضوعية الخارجة عن إرادتهم من قبيل تجاهل وساءل الإعلام المحلية بمختلف أنواعها المرئية و المسموعة و المكتوبة بدرجة اقل لنشاطاتهم و مواقفهم . يتوجه الجهاديون في تونس من خلال قواعدهم الالكترونية إلى ثلاث فئات مستهدفة الأولي وهم المؤيدون الحالين والمحتملين أي القريبين والمتعاطفين مع أفكار الجهاد وعادت ما يكونوا من فئة الشباب و الفئة الثانية وهي الرأي العام و بالأخص الصحفيين والمهتمين بالشأن الإعلامي أما الفئة الثالثة والتي عادت ما تكون مستهدفة بطريقة غير مباشرة و هم جمهور الخصوم من بقية العائلات السياسية و خاصة الأحزاب الإسلامية الأخرى كالنهضة و حزب التحرير فيكون الخطاب الموجه إليها بهدف إضعاف معنويات قواعدها الشبابية خاصة و إفقاده الثقة من خلال إثارة جدل عام و تغير الرأي العام خاصة بالدفاع عن القضايا التي تلامس وجدان و مشاعر عامة الناس من قبيل الدفاع عن انتهاك المقدسات و المطالبة بتطبيق الشريعة و قضايا النقاب و غيرها. و يتراوح استخدام الجهاديين في تونس للانترنت بين نشر الفكر و الدعاية حيث يعمل قادة التيار و مرجعياته الشرعية و الفقهية على تزويد مؤيديهم بكتابات فكرية و دينية و سياسية، بحيث أصبحت الشبكة العنكبوتية عبارة عن مكتبة افتراضية للمواد الجهادية توفر سهولة الدخول لأي شئ، من مواد سياسية و فكرية إلى مواد مرئية و فتاوى و إلى جانب العنصر الدعائي يسعى هؤلاء إلى إنشاء مجتمع الكتروني بغية إقامة قاعدة عامة شعبية من رواد الانترنت تكون رافدا للجهاديين و لما لا الوصول إلى ما يسمى '' المجتمع الافتراضي'' الذي يحقق نوعا من وحدة الهوية و الانتماء لمجموعة أو قضية معينة و الذي نجحت في الوصول إليه مجاميع جهادية في العالم العربي و أوروبا و تخطت وظيفته الجانب الدعائي التثقيفي إلى وظائف أخري كالتجنيد والتدريب و التخطيط و كل هذا المراحل يصلها الأفراد وهم جالسون أمام حواسيبهم في بيوتهم . الأوعية الالكترونية للتيار الجهادي في تونس تتنوع الأوعية الالكترونية الجهادية في تونس بين المواقع و المدونات الشخصية و الصفحات و الحسابات الشخصية على الشبكات الاجتماعية و تعمل هذه الأوعية أو الوسائط بشكل مستقل و لكنها ترتبط يبعضها في توزيع عناوينها وهو ما يشكل ''بنية تحتية للتيار الجهادي على الشبكة '' يقيها من مخاطر الحجب و سنذكر هنا أهم هذه الوسائط : - مؤسسة القيروان الإعلامية و هي مؤسسة إعلامية افتراضية مدعومة من شبكة شموخ الإسلام الجهادية العالمية، وتقدم المؤسسة نفسها في بينها التأسيسي كالتالي: ''مؤسسة القيروان الإعلامية مولود جديد للإعلام الجهادي لمُدعمة من شبكة شموخ الإسلام -أعزها الله-و ذلك نصرة لإخواننا في أرض العبادلة تونسالقيروان سيما في هذه المرحلة التي كثرت فيها المؤامرات وتكالب العلمانيين واللّادينيين على الإسلام وأهله في أرض تونسالرباط والاستشهاد. ومن هنا ندعو كل إخواننا أنصار هذا الدين القويم مشاركتنا في نشر موادنا والتعريف بقضايانا حيازة للأجر و إغاظة لأعداء الدين و قصما لأظهر كل من خان هذه الأمة و قضا لمضاجعهم''. و تظهر المؤسسة على الشبكة في شكل مدونة و صفحة رسمية على الفايسبوك وقد انطلقت في بث موادها في شهر أفريل 2011 حيث تقوم بنشر فقرات دعوية شرعية لعلماء و طلبة علم تونسيون كالخطيب الإدريسي و أبو عياض التونسي (سيف الله بن حسين) و أبو أيوب التونسي و حتى لعلماء من خارج تونس من حملة الفكر الجهادي وبعض قادة التنظيمات الجهادية العالمية و تقوم بنشر بيانات تنظيم'' أنصار الشريعة'' الذي يضم شباب التيار الجهادي التونسي إلى جانب تأمين النقل المباشر والمواد المرئية للملتقيات الدعوية و السياسية لملتقي أنصار الشريعة و نشر الفتاوى والكتابات التي أصدرتها مؤسسات إعلامية جهادية عالمية و المتعلقة بالشأن التونسي . - الصفحات الرسمية المتعددة لملتقي'' أنصار الشريعة ''و فروعه في الجهات على الشبكة الاجتماعية ''فيسبوك'' و التي تختص بنشر أخبار الملتقى و تتوزع هذه الصفحات بين صفحة رسمية وصل عدد المنخرطين فيها إلى ما يزيد عن 15 ألف وصفحات فرعية تمثل الجهات و يعتقد أن من أنشأها شباب متأثر و متعاطف مع أفكار الملتقي و أصحابه . - الصفحات الرسمية المتعددة لما يعرف ب''لجان المساجد'' (لجنة مساجد حي الخضراء- لجنة مساجد الانطلاقة- لجنة مساجد المدينةالجديدة - لجنة مساجد الزهراء...) و كل هذه المناطق معروفة بالحضور القوي للتيار السلفي فيها و تؤمن هذه الصفحات تغطية نشاطات الشباب السلفي و الملتقيات الدعوية التي تقام في الأحياء و في الساحات العامة و التي يشرف عليها قيادات و شيوخ لهم تأثير . - القنوات الخاصة على شبكة ''اليوتيوب'' و التي تمكن من سرعة تدفق العشرات من المواد المرئية في وقت وجيز حيث يتم بعد إدراجها على الشبكة توزيعها إلى المدونات و المنتديات و صفحات الفايسبوك و على مراكز التحميل و وضع روابط لها ليسهل ذلك عملية الحصول عليها من طرف المستخدم العادي الذي لا يملك مهارة كبيرة في الإبحار. - المدونات و الحسابات الشخصية على الشبكات الاجتماعية كالتويتير و الفايسبوك وهذه تستخدم من طرف الجمهور العريض وخاصة الفئة المتعاطفة والتي تمثل الجمهور الأكبر حجما فهم ''مشاريع جهاديين". ساعدت الشبكة العنكبوتية التيار الجهادي على الوصول إلى جمهور مهم و خاصة شريحة الشباب حيث أن الدعاية التي تنشر من خلالها تصل بشكل اكبر من المواد المكتوبة التقليدية وبشكل عام استفاد التيار الجهادي العالمي خلال العشر سنوات الأخيرة من ميزات الشبكة في إيصال أفكاره المحظورة في ظل حصار و حرب شعواء تحالف فيها العالم كله ضده والتونسيون من حملة هذا الفكر لم يشذوا عن القاعدة فقد عملوا على استغلال الانترنت في بث منهجهم حتى قبل سقوط بن علي فقد عرفت معتقلاته العشرات من الشباب المتهم بالإبحار في المواقع الجهادية فيما عرف آنذاك ''بملف معتقلي الانترنت''. ------ * صحفي باحث في شؤون الجماعات الإسلامية Cette adresse email est protégée contre les robots des spammeurs, vous devez activer Javascript pour la voir.