هاهي الذكرى الأولى للحرب العدوانية على غزة تطل علينا وعديد القضايا والمسائل لا زالت لم تحسم بعد وعديد القرارات لم تنجز بعد . بل الأمور زاددت تعقيدا خاصة بعد اقدام النظام المصري على بناء الجدار العازل في الحدود المصرية الفلسطينية بمعبر رفح في قطاع غزة بتوافق كامل وتنسيق مع سلطات الاحتلال و في ظل تواطئ سلطة عباس مع المحتل في محاولة عدم الكشف عن جرائم العدو في محرقة غزة وها هم أهالينا في غزة لا يزالون تحت الحصار العربي الصهيوني الأمريكي في ظلّ حكومة تلهث وراء سراب المفاوضات العبثية وهي تبحث عن آخر شرعية لوجودها تبقت لديها مرتهنة بالكامل الى أجندة الاحتلال الصهيوني. فقرار اعادة اعمار غزة لم ير النور الى حد الآن . و الالتزام بالحوار الوطني من أجل الاتفاق على حكومة وحدة وطنية والقيام بالمصالحة ما زال يحبو وهو من عثرة الى أخرى . كما أن صفقة تبادل الأسرى ما زالت تراوح مكانها والعدوان الصهيوني ما زال مستمرا على شعبنا في غزةورام الله . وفي هذا الاطار من حقنا أن نتساءل على الوضع الذي آل اليه الشأن العام الفلسطيني .فمثلا من المسؤول على تعطيل خطة الاعمار؟ وهل كتب على أبناء شعبنا في غزة أن يبقوا في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ظل البرد القارس في الشتاء وفي ظل الحرارة الشديدة في الصيف ؟ ولماذا سلطة رام الله لا زالت لم تضع في سلم أولوياتها قضية اعمارغزة ؟ هل هو الابتزاز السياسي نتيجة الخلافات الحادة بين سلطة عباس و حركة حماس ؟ فهل مصلحة الشعب الفلسطيني في الحياة اليومية وتدبير شؤون حياته في السكن والمأوى والصحة والعلاج والمأكل والمشرب أصبحت هي أيضا تخضع للصراع السياسي والابتزاز بين الفرقاء والخصوم السياسيين؟ هذه كلها أسئلة مشروعة تفرض نفسها على الساحة العربية و الفلسطسنية . ولفهم طبيعة الموقف يجب الرجوع الى ما قبل العدوان الأخير على غزة و بالتحديد منذ صعود حماس للسلطة . ففي آخر انتخابات تشريعية فلسطينية جرت في 25 يناير 2006 فازت فيها حركة حماس بأغلب المقاعد حيث تحصلت على 73 مقعد من جملة 132مقعد بينما تحصلت حركة فتح على 43 مقعد فقط . وأجمع كل المحللين السياسيين وقتها على أن تصويت الشعب الفلسطيني كان تصويتا عقابيا ضد حركة فتح التي استشرى فيها الفساد السياسي والمالي وحادت عن خط المقاومة خاصة في ظل قيادة عباس الذي لا يرى بديلا غير المفاوضات والمزيد من المفاوضات حتى وان كانت عبثية كما يحصل الآن وفي ظل استمرار سياسة الاستيطان على مصراعيها وفي ظل مواصلة العدوان العسكري على الشعب الفلسطيني سواء في القطاع أو في الضفة . ومنذ فوز حركة حماس في تلك الانتخابات احتد الصراع السياسي بين فتح وحماس . وبالرغم من شفافية الانتخابات التي شهد العالم أجمع بنزاهتها بما فيها اللجنة الدولية التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الا أن أمريكا وحليفها الاستراتيجي العدو الصهيوني والحكومات الغربية لم يعترفوا بالحكومة الشرعية التي ترأسها اسماعيل هنية. وزادت هذه الخطوة من وتيرة الصراع حيث أخذ أبعادا أخرى خطيرة للغاية عسكرية وأمنية وبدأت التصفية الجسدية كنتيجة حتمية للصراع على السلطة .فسقط فيها العديد من الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الجريح الذي خرج الى الشارع في مظاهرات جماهيرية يطالب بوضع حد للصراع المسلح و دعا الى وقف لاطلاق النار والجلوس الى مائدة الحوار .وتدخل العديد من الوسطاء العرب كاليمنيين والقطريين والمصريين وفي كل مرة يقع الوصول فيها الى صيغة اتفاق ومصالحة وطنية الا ويقع خرقها من هذا الطرف أوذاك الطرف . و طوال هذه المدة وقعت العديد من الاختراقات الأمنية في قطاع غزة بين كوادر فتح وحماس و وصل الفلتان الأمني الى أبعد مداه فوقعت العديد من الاغتيالات السياسية والاعتقالات في صفوف هذا الطرف أوذاك . وفي الأخير تجاوز الموقف نقطة اللاعودة ودق ناقوس الخطر واشتد العداء واستحكم الى أن بلغ ذروته في الانقلاب الذي قامت به حماس في قطاع غزة . وبالرغم من ذلك تواصلت الجهود خاصة من الداخل الفلسطيني من طرف قيادات فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية كالجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد الاسلامي والبعض من مناضلي فتح الرافضين لخطة أسلو. كل هذا الصراع يتواصل بين الاخوة الأعداء والعدو الصهيوني يراقب عن قرب كل شاردة و واردة بل وصل الأمرأخطر من ذلك بكثير اذ هناك من الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تعمل في اطار خطة دايتون من يقوم بتسريب المعلومات أول بأول . ولما استحالت الاطاحة بالحكومة الشرعية في القطاع عن طريق الحصار السياسي والاقتصادي بدأ التفكير جديا في ضربة عسكرية بين كل من لهم مصلحة. ونحن لا نستغرب من سلطة دايتون والتي اتخذت من المقاومة المسلحة عدوا لها فوصفتها كما يصفها الأعداء التاريخيين للأمة بأنها عمل ارهابي وعبثي من شأنه أن يعطل ما يسمى بمسار التسوية السلمية المزعوم أن تتواطئ مع العدو لتصفية المقاومة الوطنية سواء تجسدت في حركة حماس أو حركة الجهاد الاسلامي أو حركة الجبهة الشعبية أو أي فصيل وطني مقاوم . وبالتالي أصبح جليا لكل متتبع للشأن الفلسطيني أن العدوان الأخيرعلى غزة كان مخططا له سلفا والسبب الرئيسي لذلك كان تصفية المقاومة والمقاومين . واذا كان ذلك كذلك فان المسؤول على جريمة الحرب العدوانية البشعة الأخيرة على قطاع غزة هي العصابات الصهيونية الارهابية بصفة رئيسية وكل الذين تواطئوا معها من الرجعية العربية. ولكن بالرغم من التآمر والتواطئ في السر والعلن للقوى الرجعية العربية ضد المقاومة الوطنية بجميع فصائلها فان المقاومة خرجت أقوى من قبل نتيجة لصمودها الّأسطوري ضد عدو يملك ترسانة رهيبة من الأسلحة الفتاكة و المتطورة جدا ويحظى بالدعم المادي والسياسي من الامبريالية العالمية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية . ذلك أن مجرد تواصل اطلاق الصواريخ لآخر يوم للعدوان يدل دلالة لا لبس فيها على أن مشروع العدوان على غزة المقاومة قد فشل فشلا ذريعا وأن الصراع سوف لن تحسمه القوة العسكرية المادية مهما بلغ حجمها ومداها وانما تحسمه قوة الارادة وصراع الاراداة مهما طال الزمن . ومن هذا المنطلق نقول أن القوة الحقيقية هي في خيار المقاومة كخيار وحيد وأوحد للتحرر والتحرير تمشيا مع نهج الزعيم الخالد للأمة العربية جمال عبد الناصر في دعوته الى أن ما افتك بالقوة لا يسترد بغير القوة .