عندما نمر بذكرى من ذكريات الاتحاد العام التونسي للشغل ونتذكر رواده ونجاحاته وأزماته لابد ان نجد في طريقنا رجالا ونسوة خلف مكاتبه وبين أروقته وفي كل مؤسساته... هم الموظفون والموظفات الذين لا تخلو حياتهم من حلو ومر داخل الاتحاد... في مخزونهم المهني حب للمنظمة وقياداتها الشرعية... في أدائهم لمهامهم شراكة نضالية مع النقابيين ومساندة ودعم من اجل تفعيل دور الاتحاد وتثبيت مبادئه وأهدافه... في مخزونهم المهني صراع من اجل البقاء والاستمرار رغم الصعوبات والمتاعب... في مخزونهم المهني حب لمؤسسات الاتحاد واصرار على حمايتها ودعم مكاسبها... في تعاطيهم اليومي مع وظائفهم ارادة لإلغاء ارادات التنصيب والتشريف (نسبة للمنصبين والشرفاء)... في ذاكرة كل موظّف أو موظّفة فرحة وانتكاسة... دمعة وابتسامة... اعتزاز وانكسار... شهادات عن الواقع نرويها كما عاشها البعض. هي من أوائل موظفي وموظفات الاتحاد العام التونسي للشغل المنتدبين في مطلع السبعينات... عمرها المهني يقارب الأربعين سنة... الصدفة وحدها جاءت بها الى الاتحاد وهي تلميذة بالثانوي وسنّها سبع عشرة سنة... جاءت عن طريق علاقات عائلية تربط بين عائلتها والمرحومين أحمد عمارة وفرحات الدشراوي (أمينان عامان مساعدان للاتحاد في ذلك الوقت). جاءت تطلب شغلا موسميا لأنها تطمح الى مواصلة دراستها... حصلت على شغل كموظفة وقتية بمكتب الضبط... الحراك الذي شهدته يوميا في الساحة... ساحة محمد علي وفي أروقة دار الاتحاد... خدمة العمال وحب النضال من اجلهم ومن اجل حقوقهم... الاجتماعات النقابية والاضرابات والتضامن والتآزر... مفاهيم جنّحت بخيالها الصغير في المبادئ السامية للاتحاد وأوقعته في حب البقاء بوظيفتها... تنكرت للعودة الى الدراسة... واستمرت تتعلم في مدرسة الواقع والنضال وبدأت تكبر بين أيدي رجال علّموها وساعدوها وحبّبوا اليها العمل داخل الاتحاد فعاشت نجاحاته وانتكاساته... في ذاكرتها اشياء كثيرة عن تموقع الموظفين والموظفات في الفعل النقابي والنضال العمّالي وإسناد ظهر النقابيين في القيام بمسؤولياتهم وحماية حقوق العمال والنضال من اجل مطالبهم... في ذاكرتها اشياء من معاناة الموظفين والموظفات إبان أزمات الاتحاد وخاصة أزمتي 1978 و 1985... في ذاكرتها اشياء من العشرية الممتدة من سنة 1990 الى سنة 2000. هي كبيرة الموظفات تركية بن خذر التي تحدثت في ندوة لقسم التكوين النقابي والتثقيف العمّالي حول ذكرى تأسيس الاتحاد وذكرى 26 جانفي... تحدثت عن دور الموظفين في دعم العمل النقابي... »الشعب« التقتها على هامش هذه الندوة وحاورتها... من شغل موسمي إلى أربعين سنة عملا ❊ جئت لطلب شغل موسمي فطاب بك المقام لمدة أربعين سنة تقريبا... ما الدوافع أو السرّ في ذلك؟ أخذتني مبادئ الاتحاد وأهدافه... وجدت فيه مدرسة أقرب الى عقلي وروحي وليس افضل منها للتعلم فضلا عن راحة البال والطمأنينة ومساعدة كل الذين وجدتهم قبلي من أمثال الاخ الناجي الرمادي والمرحوم عبد الوهاب وعبد الوارث والنقابيين دون استثناء. ❊ قلت أخذتني مبادئ الاتحاد وأهدافه... كيف لمست ذلك وأنت موظفة؟ كنت أحسب أنني موظفة فقط... لكن احتكاكي بالنقابيين ومعرفتي بمراسلاتهم الموجهة الى الوزارات والادارات وحراكهم النضالي اليومي فتح قلبي وعيني على خصال وميزات واهداف سامية عند النقابيين، وهل ثمة أسمى وأنبل من أن يضحّي الواحد ويناضل من اجل كرامة غيره ويقدم خدمة للشعب وللعمال ليس أقلها الدفاع عن الكرامة والحرية والعدالة والتنمية وتحسين الاوضاع الاجتماعية وظروف العمل... أظن ان ذلك يكفي لتعلقي بالاستمرار في وظيفتي. أي منزلة للموظّف ❊ عشت نجاحات المنظمة وعشت أيضا أزماتها... أية منزلة كانت للموظفين في النجاحات أولا؟ نجاحاتنا كانت دائما مسنودة الى نجاح الاتحاد في كل ملفاته ونضالاته النقابية ولعل اقدام الاتحاد في أوائل السبعينات على سنّ السياسة التعاقدية وإرساء قواعد الحوار الاجتماعي حثنا كموظفين على تأسيس أول نقابة عامة لموظفي الاتحاد وتحملت فيها مسؤولية كاتبة عامة مساعدة. ❊ هل كان تأسيس النقابة مزعجا للقيادة الوطنية للاتحاد... وهل وجدتم معارضة أوممانعة؟ لا... بالعكس كان الاخ الحبيب عاشور يدعونا الى إحداث هيكل يتحدث مع الادارة باسم الموظفين وكان يصر على ضرورة وجود طرفي حوار بين الموظفين والادارة ورصد حقوق الموظفين وتمكينهم منها في باب أول ثم حتى يُعطى المثل في الحوار انطلاقا من دار الاتحاد في باب ثان. ❊ ما المكاسب أو الحقوق أو الامتيازات التي جنيتم في ظل تأسيس النقابة؟ علاوة على كسب رهان تأسيس نقابة داخل النقابة إن صحّ التعبير، اصبح لنا هيكل تمثيلي يتحدث باسمنا لدى الادارة العامة فإننا بدأنا ببعث قانون أساسي خاص بموظفي الاتحاد ساعدنا في انجازه إخوة نقابيون من قطاعات مختلفة أذكر منهم المرحومين عبد العزيز الهرلي ومصطفى المهذبي من السكك الحديدية. ❊ ماديا ماذا كسبتم؟ تنظيم العلاقات الشغلية... إحداث صندوق اجتماعي... التمتع بمنحة الشهر الثالث عشر وأشياء أخرى ضمنها القانون الاساسي. شراكة نضاليّة ❊ هل تعتقدين بدور خفي وغير معلن لنقابة أعوان الاتحاد وبالتالي كل الموظفين في مساندة ودعم نضال النقابيين بصورة عامة وتحقيق مطالب العمال والدفاع عنها؟ المكاسب التي تحققت للعمال والانجازات التي كسبها الاتحاد كانت بفضل الهياكل النقابية وكانت ثمرة النضالات النقابية الميدانية في المؤسسات والمصانع والادارات وكل مواقع الانتاج لكن وجهها الخفي المتمثل في العمل الاداري... كتابة البلاغات واللوائح وغيرها كان من جانب الموظفين الذين يعملون دون حسابات ودون توقيت محدد حيث لا يعرف الواحد كم يقضي من ساعة في المكتب... ❊ الاتحاد شهد أزمات عاشها الموظفون وخلفت لديهم بعض المتاعب والصعوبات... ما في ذاكرتك من هذه الازمات. وأية ادارة قادها الموظفون في ظل غياب القيادة الشرعية للاتحاد وفي ظل ادارة استولى عليها اشخاص غرباء ومنصّبون؟ عشت أزمتي 1978 و 1985 ولم تكن الاولى أفضل من الثانية وكلاهما خلفت متاعب للموظفين وأضرت بهم كأجراء وحرمتهم من أجورهم لأشهر طويلة وألقت بهم خارج الادارة... مكاتبهم احتلت وافتكت واصبحت بحوزة اشخاص غرباء... اتلفوا وثائقهم التي كانوا مؤتمنين عليها... من الموظفين من وقع استدعاؤهم الى الاستجواب بمراكز الامن... زملاء زج بهم في السجن... قدرنا أننا عشنا هذا الوضع تماما كما عاشه النقابيون وتجاوزت علاقتنا الشغلية حدود المألوف فعشنا شراكة حقيقية مع النقابيين في الفعل النضالي وما قمنا به من تعطيل وجذب للوراء وشلّ لحركة المكاتب سواء في فترة التنصيب سنة 1978 او في فترة الشرفاء سنة 1985 ودعم نضالية النقابيين الشرعيين والمساهمة بثقل محترم في التعجيل بعودة القيادة النقابية الشرعية في كلتا الازمتين. عشريّة للنسيان ❊ أفهم انك تؤكدين على اعتبار الموظفين نقابيين ولم لا مناضلين؟ كان لابد ان تكون الصيرورة كذلك وكنا ننتظر تثمينا لدورنا وتعويض ما لحقنا من ضرر معنوي ومادي... هناك من خسر سنوات في التدرج والترقية وهناك من خسر سنوات في التصريح بالاجور لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي... الزملاء في جريدة »الشعب« فقدوا أجورهم كاملة لمدة ثلاث سنوات إبان أزمة 1985 وحتى جبر الضرر الذي حظي به النقابيون لم يتمتعوا به... قلت كان لابد ان تكون الصيرورة كذلك لأن في عشرية التسعينات (1990 2000) عملت القيادة النقابية التي اسند ظهرها الموظفون في أزمة 1985 على تجاهل دور الموظفين وتقزيمه وتجميد كل حراك نقابي لنقابة الاتحاد مع »اللعب« على تعميق الفوارق بين الموظفين وتعميق حالة الفردانية والولاء لشق دون آخر... استفادة ومكاسب ❊ هل تداركتم الوضع بعد عملية تصحيح المسار النقابي بالمنظمة؟ قد نكون كموظفين من اهم الشرائح النقابية على اعتبار ما قلته من اننا شكلنا شراكة فعلية مع النقابيين في النضال النقابي التي استفادت في ظل القيادة النقابية الحالية من تصحيح المسار النقابي حيث عادت نقابة اعوان الاتحاد للنشاط وعادت لتشع على كل الموظفين ومن أهم ما بدأت به هو مراجعة القانون الاساسي وإحداث اتفاقية مؤسسة والتي دخلت حيز التنفيذ بحرص من الادارة المركزية وبدعم من الاخ عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي ما فتئ يؤكد على دورنا كشريك فاعل مع الادارة في تصريف الامور الادارية ودعم ومساندة النضال النقابي. الطاهر الطالبي... شهادة من الماضي وأشياء ماتزال في البال الأخ الطاهر الطالبي أحد اعوان الاتحاد العام التونسي للشغل الذين عاشوا صعوبات ومشاكل اجتماعية وأمنية جراء انتمائهم الى الاتحاد والعمل به... يقول في شهادة له انه انتدب للعمل بالاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1970 كمنظف وحارس متخذا من غرفة بسطوح بناية الاتحاد بساحة محمد علي مسكنا له وظل على تلك الحال الى ان وقع إلحاقه بالاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس وشغل موزعا للهاتف وتمّ انتدابه بصورة رسمية سنة 1974. من هنا... بدأت معاناتي يقول المتحدث انه بعد ما تم تدشين دار الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس حيث عاش تطور انجازها، مكنه الاخ الحبيب عاشور من محل سكنى بدار الاتحاد الجهوي واضيفت له مسؤولية حراسة دار الاتحاد ومعداته وتجهيزاته واستمر كذلك الى حدود أوائل سنة 1978 عندما اندلعت الازمة بين الاتحاد والحكومة وبدأت التحرشات بالاتحاد وهياكله وبدأ العمال يتوافدون يوميا على دار الاتحاد وكان ابرزهم في تلك الايام اي قبل الاضراب العام بأيام عمال الفلاحة الذين اعتصموا ليلا نهارا... ومن هنا بدأت المعاناة. من حارس الى سجين أضاف الاخ الطاهر في شهادته، لفت انتباهي بحكم مسؤوليتي على حراسة مقر الاتحاد توافد اشخاص يحملون عصيّ وقوارير بداخلها سوائل تبين فيما بعد انها مملوءة بنزينا... استنجدت ببعض الزملاء أذكر منهم قادر الوصيف وعلي مرابط وحاولنا منع هؤلاء الاشخاص من دخول مقر الاتحاد وتطور الامر الى حدود تبادل العنف فضربونا بالعصي وتغلبوا علينا وألحقوا بنا أضرارا منها أنّني رحت في أغماءة واستفقت بعدها بالمستشفى على كسر بساقي ولا أدري من أخذني الى المستشفى وبعد ان وضعت ساقي في الجبس عدت الى مقر الاتحاد ودخلت مباشرة الى قاعة توزيع الهاتف فوجدت كل شيء رأسا على عقب حيث وقع بالخصوص قطع جميع الكابلات فلم يكن بوسعي فعل اي شيء غير انني تحاملت على نفسي واستعنت ببعض الزملاء وأفرغنا تلك القوارير في قنوات تصريف المياه وكان ذلك بعلم الاخ عبد العزيز بوراوي الذي كان متواجدا بمكتبه والذي طالبنا بإخلاء مقر الاتحاد خوفا مما قد يحدث لنا وللتوّ غادر زملائي المقرّ فأخذت زوجتي الى بيت احد الاصدقاء... السكاكين... وأسرار أرقام الهواتف والاجتماعات لكن لم يهدأ لي بال فعدت وأنا على تلك الحال، الى مقر الاتحاد عندها كانت المفاجأة حيث وقعت في قبضة الامن وتم الاعتداء عليّ بالضرب ونقلي الى المركز واخضاعي إلى سين وجيم (س ج) فمن هم اصحاب العصي والقوارير وما سبب كسر ساقي وماذا في مداولات واجتماعات أعضاء المكتب التنفيذي وما هي اتصالاتهم الهاتفية؟ وما الى ذلك... في الاثناء كانت مجموعة اخرى من الأعوان تبحث عن زوجتي حيث وجدوا لهم دليلا الى بيت صديقي وقد كانت هناك، فعادوا بها الى سكناي بدار الاتحاد وفتشوه ليعثروا على عدة سكاكين من الحجم الكبير كنت وجدتها ملقاة في غرفة توزيع الهاتف بعد قطع كوابله فأخذتها الى غرفتي السكنيّة ورميت بها تحت السرير الا انهم جاؤوا بهذه السكاكين الى المركز وبدأ البحث من جديد معي حول وجودها عندي وفي بيتي. ومن المركز أخذوني من جديد الى البيت وصعدوا الى سطح البناية فوجدوا حديدا ولوحا وبعض آلات البناء هي فواضل من الحضيرة عندما كان المقر في طور البناء... فتّشوا كثيرا ثم أخذوني الى المركز واشتد البحث معي حول طبيعة لقاءات المكتب التنفيذي واجتماعاته واتصالاته وكنت أجيب بأن لا علاقة لي بهذه الامور، وقتها استعملوا معي ألوانًا من الضرب والعنف وحاولوا معي معرفة سر وجود رقم هاتف أمين المنتجين بالجماهيرية على لائحة أرقام الهواتف التي يطلبها النقابيون واعضاء المكتب التنفيذي لكنني تمسكت بعدم معرفتي لأي جزئية من هذه العلاقة. استمر إيقافي رفقة زميلي قادر الوصيف وعلي مرابط حوالي عشرين يوما على ذمة البحث الابتدائي، ثم وقع عرضنا على النيابة التي أمرت بإيداعنا السجن الذي قضينا به حوالي ستة أشهر وبعدها تمت محاكمتنا فصدر بشأني حكم بعدم سماع الدعوى وأخلي سبيلي. عودة مع اشياء في البال بعدها ذهبت الى الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس فوجدت قيادة منصبة رفضت اعادتي الى سالف عملي ودعتني بقرار من المركزية بتونس الى إخلاء محل السكنى... لكن وضعي الاجتماعي جعلني اتصل بالقيادة المنصبة بتونس وتمسكت بحقي في الشغل فعرضوا علي خطة عمل بقاعة الهاتف من الساعة الثامنة مساء الى الساعة العاشرة ليلا... قبلت غير ان ذلك لم يدم طويلا وتم ايقافي عن العمل من جديد وإحالتي على مجلس التأديب الذي أقر طردي نهائيا تحت عنوان »إفشاء اسرار المنظمة والتعامل مع القيادة الشرعية«. ثم تواصلت بطالتي الى ان عادت القيادة الشرعية وعدت معها الى سالف عملي لكن دون حصولي على مستحقاتي مع اشياء اخرى مازالت في البال عشتها مع قيادة التسعينات.