عندما يتطرق الحديث لموضوع المرأة يلعب إختلاف الإنتماء السياسي والديني و الإيديولوجي دورا كبيرا في النظرة للمرأة وموقعها في المجتمع والدور الذي يجب أن تقوم به و يصل الإختلاف إلى درجة تصنيفها حسب وضعها الإجتماعي والمهني وينحاز لذلك كل حسب موقعه ويدافع عنه بكل قواه متناسيا الشرائح الأخرى من النسوة التي يتعايش معها في حياته اليومية وهي في إعتقادي مواقف إنتقائية لا يمكن البناء عليها أو إتخاذها مقياسا لتقييم المرأة و مكانتها في المجتمع والدور الذي يفترض أن تلعبه في الحياة الإجتماعية وتواجدها على الساحتين العامة والضيقة لأن المرأة يمكن تشبيهها عبر التاريخ ببعض الشعوب التي عانت وذاقت الأمرين من العبودية والتمييز المذل والمتتبع لقضية المرأة عبر العصور يلاحظ أنه من عهد الإغريق كانت المرأة تعامل على أنها كائن منقوص لا يمكن الإعتماد عليه وإنما خلق لإرضاء رغبات الرجل و اللإستجابة لكل متطلباته الخاصة و حتى الهنود فإنهم كانوا ينظرون للمرأة على أنها قاصرة طيلة حياتها، ولم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موت زوجها ، وأن تحرق معه وهي حيّة على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر... و عند اليونان كانت المرأة في أول عهدهم بالحضارة عفيفة ومحصنة لا تغادر البيت، وتقوم بكل ما يحتاج إليه من رعاية، وهي محرومة من الثقافة والتعليم والإسهام في الحياة العامة. ومفروض الحجاب عليها في البيوت العالية. ومن الناحية القانونية كانت تباع وتشترى في الأسواق، وهي مسلوبة الحرية والمكانة بكل حقوقها المدنية، وليس لها الحق في الميراث. وفي أوج الحضارة اليونانية تبدلت المرأة، واختلطت بالرجال حتى اعترفت ديانتهم بالعلاقة اللاشرعية بين الرجل والمرأة و هي لدى اليهود لعنة ينبغي التحرر منها والإبتعاد عنها وعدم ائتمانها على سر أو أمر عندهم وقد جاء في التوراة تحذيراً منها (المرأة أشد من الموت). أما عند الرومان فربّ الأسرة هو المالك لأفراد العائلة، وله الحق بالبيع والشراء والسلطة على الزوجة والأبناء وزوجاتهم والبنات وله الحق في بيعهم متى شاء، وله السلطة على البنات حتى الممات وعلى أموالهنّ الموروثة من أمهاتهن ولم تكن صورة المرأة عند العرب في الجاهلية أفضل حالاً فالمرأة في العصر الجاهلي تعد أحياناً عاراً وإثماً يجب التخلص منه، وانتشرت عادة وأد البنات حتى جاء الإسلام وحرَّمها. كل هذه المعانات والإضطهادات التي مورست على المرأة بكل قسوة من طرف أخيها الرجل الذي رغم ذلك كله كانت و مازالت ملهمته في أدبه و أشعاره و شتى أشكال الفنون وهي أيضا مصدر ثقة يستمد منها قوته و يجدد بوجودها إلى جانبه طاقته الخلاقة والإبداعية وحتى في إنتصاراته ومعاركه لعبت المرأة على إمتداد التاريخ دورا طلائعيا مهما و التاريخ شاهد على ذلك لكننا مازلنا إلى يومنا هذا نتعامل معها على حسب موقعها في المجتمع على أساس أنها كائن حي تحمل بين أضلعها أرقى معان الرحمة والحب والصفاء الروحي. أنا هنا لا أريد أن أتحدث عن المرأة المتعلمة و التي تدرجت في الرتب المهنية لأن العديد منا اليوم يصنف المرأة حسب وضعيتها الإجتماعية و المهنية و حتى المهنية فهي مصنفة لعديد الأقسام والعز والتبجيل لصاحبات المراكز المرموقة في المجتمع أما ما دونهن فمعاملتهن لا تقل قسوة عما كانت تلاقيه النسوة في سالف الأزمان و لقد تحدثت في الأول عن الإختلاف في تصنيف المرأة وإحترامها فبالنسبة للرجل اليوم بصفة عامة شرقيا كان أم غربيا فان الوضع الإجتماعي للمرأة هو الفيصل ونحن في اليوم العالمي للمرأة ليس مطروحا علينا تحديد نوعية بعينها للمرأة التي نريد الحديث عنها لأنهن لم يخلقن على نفس القدر من العلم ولا الجمال ولا من حيث الوضعية الإجتماعية و على هذا النمط الفسيفسائي من الإختلافات الطبيعية في حياة البشر لكنهن يلتقين عند نقطة واحدة أنهن طالبات حرية و كرامة أم أنه لا بد لنا من التركيز على ذوات الشهائد العليا و المتحصلات على الجوائز العالمية وجوائز نوبل والمناصب الوزارية المتقدمة وإعتبارهن من صفوة القوم و إجلالهن وجعلهن في الصدارة وسرد بعض أقاصيصهن و تمجيد نجاحاتهن وكفى بالله حسبا وهنا ينتهي حضور المرأة و يعتبر الأخريات لا وزن لهن و لا دور في الحياة سوي تلبية رغبات الرجل بكل ما يمتلك من أنانية و حب ذات. و إذا ما أردنا أن يتوقف بنا الحديث عند هذا الحد عن المرأة فالمجال طويل وعريض جدا لأن المناضلات والمتوجات و اللاتي تستحق أن يقع الحديث عنها في مثل هذه المناسبات كثر عبر التاريخ و بالوطن العربي و العالم لكني أعتقد أن المرأة في الأساس هي ثاني إثنين صنوان لا يفترقان الرجل و المرأة ومن يقول المرأة يتحدث عن تلك الإنسانة العادية قبل المتميزة و الخارقة للعادة وإلا فإننا سوف نسقط حتما في مستنقع الميز الطبقي والإنحياز لطرف دون آخر لكن ونحن في أسبوع اليوم العالمي للمرأة وإذا ما أردنا أن نحيي كل إمرأة مناضلة صابرة وصامدة في وجه الإستعمار سواء في العراق و فلسطين أو في أي ركن من أركان العالم تمارس فيه قوى الإستعمار همجيتها و بطشها فإننا سوف نلاقي في الصفوف الأولى المرأة العادية البسيطة هي أكثر الجميع تضررا وإعتداءا على كرامتها وإنسانيتها و حقوقها ككائن بشري والأكيد أنه من بينهن الأم والجدة والأخت والبنت والزوجة والطفلة والوليدة بكل ما فيها من مشاعر وعواطف وحنان يمكن إن أنت قسمته يأتي على قدر المتألمين في الدنيا بأسرها و نفس الشيء تجده في البلدان الأخرى على أشكال مختلفة لكن للأسف الشديد هو نفسه الرجل الذي كما ذكرنا و عبر العصور هو مصدر كل آلامها و الممعن في إذلالها و الغريب في الأمرر بل من المتناقضات أن الرجل هو ذاته الذي يدعي التمسك بحرية المرأة و إعطائها الفرصة للتعبير عن ذاتها وإبراز مواهبها و إحترام ذاتها الإنسانية و جنسها البشري الذي كرمه الله والغريب أيضا أن هذا الرجل حتى بمنحها ما يسمى بحرية المرأة فانه يمارس معها فكرة أنها ناقصة عقل و دين و أنه لا بد له من أن يتكرم عليها من فضله وجميل عطائه بأن يمنحها مكانة علية في عديد المجالات فقط للرياء و التمظهر أمام ما يسمى بالمجتمع المدني الذي يمارس أقطابه إلى يوم الناس هذا أبشع أنواع التفرقة و المهانة للعنصر النسائي و القضايا المطروحة أمام المنظمات الدولية و المظاهرات و التجمعات النسائية التي تجوب كل يوم تقريبا شوارع العواصم الكبرى، و أكبر دليل على ذلك هو جعل يوم 8 مارس من كل سنة يوم المرأة العالمي لماذا لا يسمى الإحتفال باليوم العالمي للمرأة ؟ و الجواب بسيط جدا لأن المطلوب هو التذكير بقضية المرأة المعقدة منذ قرون من الزمن و ليس الإحتفال بها لأنها مازالت لم تستقل و لم تعلن منظمة الأممالمتحدة إنتصار المرأة و حصولها على حقوقها رغما على تطرق البيان العالمي لحقوق الإنسان للمرأة و مساواتها مع الرجل بل ذهبت المنظمة إلى ما هو أبعد من ذلك حيث أصدرت بيانات تهتم بوضعية المرأة كإنسان و كأم بما تمثله الأمومة من مراحلة لكن لا حياة لمن تنادي. من المسؤول إذا ؟ هو أخوها الرجل الذي يتحدث عن حبه اللامحدود و اللامشروط لأمه الحبيبة و أخته الشقيقة و زوجته الوفية المخلصة أم أولاده الأحبة لقلبه و الأعزة على نفسه وهيامه بخليلته و حبيبته و صديقته أليست كل هؤولاء نساء ؟ ألا تستحق كلهن الإحترام و التقدير و أن نرتقي بهن لمصاف الإنسان المكرم بكل ما وهبه الله لعباده من ملكات ما كانت قط حكرا على الرجل دون المرأة ثم لماذا نتظاهر باحترامها و تقديسها في روابطها العاطفية العضوية الخاصة جدا و نتجبر عليها فيما هو دون ذلك؟ كأنها كائن من كوكب آخر. إن حرية المرأة و إن كان شأن عالمي كوني يناضل من أجله و مازال العديد من محبي العنصر البشري و إحترام الذات الإنسانية و هو هدف نبيل لا بد من الإنخراط فيه بدون تردد لكن هناك جانب لا بد من الوقوف عنده و إعطائه ما يستحق من أهمية هو إختلاف الثقافات و الإنتماءات الإجتماعية و الدينية والعرقية التي لا بد أن تراعى فيها عديد الجوانب فلا مجال بأن ترتهن المرأة الشرقية بما يمكن أن يمنح باسم حرية المرأة في الغرب بصفة عامة لأن الحرية المطلقة مثلها مثل البحور لا بد لها من شواطيء تحدها و تتكسر أمواجها على ضفافها و أيضا مثلها مثل الصحارى لا بد لها من العمران و الواحات التي يقيد زحفها المخيف لأنه لو أن أحد الأمرين زاد قليلا عن حده لإختلت عديد التوازنات و لتغير وجه الطبيعة لأن الله جعل لكل شيء مقدارا معينا و أنا عندما أتحدث عن عدم التوافق بين النوعين من المرأة لا أريد أن أميز بين الأخوات في الإنسانية إنما هي سنة الله القائل '' و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا '' وهو أنه لا بد أن يحافظ كل على خصوصياته لكن في إطار متجانس يلتقي فيه الطرفان عند عديد القيم النبيلة و المفاهيم المتطورة لمعاني الحياة و روح التسامح و التآخي في إطار مجتمع إنساني كبير تتكامل فيه المرأة الغربية مع المرأة الشرقية اللتين بدورهما تلتقيان لقاء الرحمة و المودة مع الرجل في كلتا الشقين لأنه و بكل بساطة هناك إختلاف كبير في عديد الجوانب التي لا يمكن أن نتساهل معها باسم حرية المرأة مثل الأخلاق و القيم و الدفء العائلي الذي لا يعرف معناه جموع غفيرة من العائلات الغربية و هو ما تؤكده عديد الدراسات الإجتماعية و التي يحسد المواطن الشرقي عليها أما أن نتحدث عن حق المرأة في التعليم و الشغل و تحمل المسؤولية و المساهمة في الحياة العامة بكل مجالاتها بدون خطوط حمراء لأحد و من أي أحد لأن المرأة أو الأم هي أصل كل شيء من البيت إلى غاية آخر نقطة من إهتمامات المجتمع المدني فكيف نهين أو ننتهك حقوق من كانت على هذه المكانة و الأهمية فلابد أن يكون إحترامها في إطار محيطها الديني المجتمعي الأخلاقي و أنا أراهن كل من يدعي المطالبة بأكثر من ذلك لبنته أو أخته أو أن يسمح بأن تمارس زوجته ما يسمح بممارسته في الغرب بدعوى الحرية و المدنية و ما يخلفه ذلك من تفكك أسرى و فساد أخلاقي وإجتماعي . إن حرية المرأة و حقوقها تكمن أساسا في إحترامها لذاتها البشرية ثم و ما دمنا ندعي بأننا في مقدمة الدول العربية و الإفريقية في مجال حقوق المرأة و نحن نعيش يوم المرأة العالمي لا بد أن نسعي نعم نسعي بأن لا تتألم أي إمرأة عاملة من ممارسات أخيها الرجل الذي ينتهك حقوقها و يغتصب عنها أبسط قواعد التغطية الإجتماعية و الصحية و يساومها على كرامتها ويراودها عن نفسها كأنها جارية قصره في عصر المماليك و القرون الغابرة أو فقط لأنها مضطرة للعمل بأجر بخس تحت ضغط الفقر و الإحتياج و الحرمان و إلا بما نفسر تلك الجموع الهائلة من النسوة العاملات في مصانع النسيج و تعليب المواد الغذائية أو تنظيف واجهات البنايات و الإدارات الفاخرة و تلك اللاتي ينحنين يوميا تحت المكاتب لتنظيف و نفض الغبار من تحت أرجل الرجال أم تلك التي تعمل خادمة في المنازل و التي رفعنا من شأنها فأصبحنا نسميها معينة منزلية و غيرهن كثيرات أم أن المرأة التي نعنيها لا تنتمي لهؤولاء إنما هي فقط تلك نحتاجها في مناسباتنا أو مواعيدنا الرسمية. إن يوم المرأة العالمي لا بد أن يرتقي لما جعل له و لا بد على المنظمات النسائية بتونس و في العالم أن تجدد نضالها من أجل أن تتمتع العاملات المسحوقات بحقوقهن قبل غيرهن و إلا فان العملية برمتها مغشوشة و تدخل في إطار التحركات المناسباتية و ذر الرماد على العيون لأن معنى كلمة حقوق المرأة غير مجزئة و لا تقبل القسمة فكيف يمكن أن نقبل بأن تعمل السيدة المديرة العامة بمؤسسة ما و تتمتع بكامل حقوقها و الإمتيازات التي تخولها لها وظيفتها في حين أن تلك العاملة البسيطة بنفس البناية محرومة من أبسط حقوقها كما أشرت آنفا و السؤال المطروح اليوم هل تجاوزت المرأة الممارسات المذلة التي سلطها الرجل على أختها عبر التاريخ ؟ من قتل و وأد و حرق أم أنها تعاني أشكال أخري من الإضطهاد متطورة بتطور المدنية الخادعة المزيفة التي لا تختلف فيها ممارسات الرجل المتحضر عن نظيره المتخلف فكرا و سلوكا. و إذا ما توجهنا بنفس السؤال لأحداهن لقالت حتما بأنها تعاني ما هو أفظع من ذلك بكثير أنا لست متشائما و لا أحب أن أكون كذلك لكني أعتقد أن الموضوع مسألة عقليات لأن الديمقراطية التي يتحدثون عنها هي أيضا مسألة عقليات ومعنى ذلك إما أن تكون سوي المدارك فتعطي كل ذي حق حقه و إما أن تكون دون ذلك فتمارس ما نشهده اليوم من أنانية و حب الذات و الأنا الكبيرة جدا وأنا و بعدي الطوفان و الطوفان الرجولي سوف لن يضر بالمرأة وحدها إنما هو المجتمع بأسره المهدد في كيانه و تواجده و شوقي قال '' الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراقي'' و العرق هو النسل و النسب و الأم هي أرضيته الخصبة و النبتة دائما تكون على قدر الأرض التي زرعت فيها فما بالنا نستهين بالمرأة و هي على هذا القدر العظيم من الأهمية و أنا متأكد من أن كل رجل لما يختلي بنفسه ينكر ما يسمى بحرية المرأة على المنوال الغربي لفرط ما يلمسه في الشارع من تفسخ أخلاقي و إنحلال سلوكي عند البعض و يعود به الحنين لأصالته و الترابط الأسري المتماسك المتين و الحضن العائلي الدافيء إذا فالبداية تكون من البيت حتي لا يتصدع و يتفكك المجتمع و تبقى المرأة أحب الناس لقلوب الجميع لأنها الأم الحنون أولا و قبل كل شيء..