بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقل التكنولوجيا الرقمية والمحافظة على الكفاءة و تطويرها
نشر في الشعب يوم 03 - 04 - 2010

الهوة الرقمية بين البلدان المتقدمة و البلدان السائرة في طريق النمو. الفجوة هي الفارق في حيازة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بشكلها الحديث و حيازة المهارات التي يتطلبها التعامل معها بين الدول المتقدمة المنتجة لهذه التكنولوجيات و لبرامجها و لمحتوياتها و بين الدول النامية التي لا تساهم في إنتاج هذه التكنولوجيا و صياغة محتوياتها و هي أيضا الفارق في توزيع هذه التكنولوجيات على الأفراد بين الدول المتقدمة و الدول النامية. فالفرد عندنا أمّي بالمقاييس الجديدة للأمم المتحدة و هذه الهوة جاءت عقب ثورات جديدة و متسارعة في مجال العلم و التكنولوجيا في حين أن الدول المتخلفة في مجال العلوم الرقمية و غيرها من العلوم لم تقترب هذه الدول من ثورتها العلمية الأولى وهي تعاني الأمرين، التخلف العلمي والتكنولوجي ومهما طبلت الوسائل الإعلامية الرسمية في هذه البلدان .بل وتكتفي البلدان المتخلفة الأن بجمع الفتات ممّا توفره مائدة الدول المتقدمة أو ما تريد أن تجود به من فتات العلم والتكنووجيا ولو بأغلى الأثمان و في أغلب الأحيان دون أن يكون ذلك بالضرورة متلائما مع البنى الإجتماعية و الإقتصادية و البشرية لتلك البلدان.
وقد ينتج عن الاستفادة وتبني الخطاب الرقمي، الانخراط المعرفي في إنتاج وتوليد معرفة جديدة تكون الرقمية من ضمن مشمولاتها تعمل من جهة على تحديد المقومات المحلية للتنمية الاجتماعية ، وتفتح نافذة حقوقية على مسؤولية الدولة بالنسبة لتساوي الحظوظ في المشاركة الديمقراطية من جهة أخرى، وقد يعمل الخطاب الرقمي على توحيد المنظور فيما يتعلق بالهيمنة الاقتصادية والثقافية المفروضة عليه والمتمركزة بأيدي صانعي النموذج الاقتصادي الجديد والمسمى ب" العولمة"، والذي لا يعترف باقتصاديات المحيط بما هو المركز إلا كتابع وهامش ومستهلك...وبالتالي مُستَعمر وضعيف يستجيب بسرعة لمظاهر استعمار يهمن هنا ومن النقطة التي تتواجد فيها دول الجنوب باستثناء »الصين« (1)لا يمكن للخطاب الرقمي إلا أن ينتج تعددا في المعاني التي يولدها مصطلح »الهوة الرقمية« fossé numérique) أو (fracture numérique .
وبذلك تصبح المعلومة الرقمية تحديدا، عاملا من العوامل الجديدة للاّمساواة الاجتماعية والسياسية، فالتمركز الرقمي أي امتلاك مجموعة الكمبيوترات القاعديّة الموكل إليها تسيير »اللعبة العنكبوتية« (root servers) أدى إلى خلخلة كافة المعطيات والتوقعات في الدخول للعصر الرقمي وقد طرحت قمة تونس العالمية لمجتمع المعلومات والتي نظمتها الأمم المتحدة في 16، 17 و18 نوفمبر 2005 قضية مستقبل التحكم بالانترنت الموجود تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة التي تحكم قبضتها عليها وهي من مجمل القضايا التي عُلِّقت بالدورة الأولى جنيف 2003 أملا في أن تجد لها الدورة الثانية بتونس حلولا ناجعة ومن بين القضايا نجد : إدارة الانترنت، ومسؤولية الدول المتقدمة في التقليص من الفجوة الرقمية، إيجاد آليات تمويل مشروعات التنمية في المجال المعلوماتي بدول الجنوب، البحث في مسألة الهوية الثقافية وأمن المعلومات، ورفع القيود المفروضة على نقل التكنولوجيا، مع تدارس سبل التقليل من التبعية للغرب، وقد خرجت القمة الثانية »بوثيقة التزام تونس« التي توصي باحترام حرية التعبير وتحديد الخطوط العريضة للبرنامج التنفيذي للحد من الفجوة الرقمية بين بلدان الشمال والجنوب حيث نصت هذه الوثيقة على أن »حريّة التعبير وحرية تنقل المعلومات والأفكار والعلم ضرورية لمجتمع الإعلام«.
وبالرغم من الانتشار النسبي جدا لمستخدمي الانترنت في الدول العربية حيث لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت في هذه الدول11 مليونا و755 ألف شخص بحسب إحصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات، فقد أكد المشاركون في المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات 2006 الذي اختتم أشغاله بالدوحة بتاريخ 15 مارس أن العالم العربي لا يزال من بين المناطق الأقل حظا في الثورة الرقمية العالمية، إذ لا تزيد نسبة مستخدمي الانترنت فيه على 3.7 ٪ رغم الإمكانيات المادية المهمة.
ويظهر أن المبالغة في الحديث عن »الهوة الرقمية« واعتبار الخطاب الرقمي المبني على التكنولوجيا المتقدمة سيبقى بدون سند وإلى فترة زمنية ما في الحياة العربية، نظرا لأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تركز مجهوداتها على تحسين سبل الرفاه لمجتمع الشمال، في حين يرزح مجتمع الجنوب وخاصة المنطقة العربية. يشكل الانترنت قطب التوجه التربوي المعتمد على صيغة »تعلم لتكون« فبالرغم من تساوي حظوظ الانطلاق في التمدرس العام، يتسع الفارق المعرفي بشكل يحدث معه التمييز على مستوى الوصول إلى المعرفة، وهذا ما يتحقق مع الطفل الذي يتمتع أبواه بحراك اجتماعي مريح ومتميز على المستوى الثقافي مما يتحقق معه عدم المساواة في فرص النجاح، فحيث أصبح التكوين الذاتي من ركائز المنظومة التربوية يحتل التعامل مع الانترنت أهم وسيلة بل والوسيلة المثلى لخلق التوازن وصناعة التفوق داخل المدرسة كمرفق عام ولا شك أن تقدم التقنيات العصريّة سوف يساعد في السنوات القادمة على تفتح شخصية كل من تتاح له فرصة الاستفادة من تلك التِّقنيات. ولا شك أيضا أن استخدامها لن ينحصر في نطاق التربية ، بل توسع تدريجيا إلى الميادين الأخرى ، مما يجعلنا نتوقع نتائج ملموسة في المستقبل القريب أو البعيد، عندما تستخدم الوسائل الحديثة في التبليغ وقد حدثني أحد أصدقائي من رجال التعليم عن »السبورة الرقمية« والتي هي الآن ببعض مدارس الأساسي ، هذا دون أن ننسى أن الفوارق الاجتماعية المتمثلة في الدخل والسن والجنس )ذكر / أنثى( و السكن ) مدينة/ قرية/ ريف والمستوى الثقافي للوسط التربوي يؤثر بشكل واضح على التمكين الرقمي لعدد من الفئات المحكومة بالفوارق الاقتصادية في المجتمع غير المحفزة على الحد من التفاوت في الوصول إلى المعلومة باستخدام الانترنت ، هذا التفاوت المنتظر منه التقليل من الهوة المعرفية يستدعي خلق المناخ المناسب على مستوى ترسيخ البنية التحتية الاقتصادية الأساسية كما يتطلب استغلال تكنولوجيا المعلومات لإشاعة الأجواء الديمقراطية أمام القاعدة الشعبية من أجل مساهمة أوسع في بناء الديمقراطية الوطنية وينخرط فيها. السعي من أجل توفر الأجهزة لدى الأفراد والشركات (لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة) والقطاع العام، ووضع برامج تأهيل وتدريب للأطر البشرية لتحسين القابلية و الكفاءة في السوق للاستفادة من منافع تقنية المعلومات والاتصالات. تطوير الاستراتجيات الملائمة لتوفير الخدمات الحكومية الإلكترونية والمشاركة فيها. ردم الهوة الرقمية من خلال اتخاذ مبادرات إيجابية وسط فئات المجتمع الأقل إقبالا على خدمات تقنية المعلومات والاتصالات. تعزيز التوعية الإلكترونية في مجتمع الأعمال الذي مازال الاستثمار فيه يعتمد علي ما تقدمه الدولة من حوافز من المال العام. حفز الخدمات العامة عبر الإنترنت من خلال تطبيق استراتجيات وسياسات ترمي إلى زيادة معدلات استخدام الإنترنت لدى الأفراد والشركات و القطاع العام و الوظيفة العمومية (الحكومة). تشجيع الإلمام بتقنية المعلومات والاتصالات من خلال التدريب وبرامج التوعية والتثقيف وبناء الثقة. تضمين المناهج التعليمية المعرفة والمهارات المتعلقة بتقنية المعلومات والاتصالات آخذة في الاعتبار الخصوصية و الظروف المحلية، (البنية التحتية، مهارات تقنية المعلومات، التعليم...) ولكن من الأهمية بمكان أن تدرك كافة مكونات المجتمع أن فرص مواكبة الدول المتقدمة محدودة ويتعين عليها بالتالي السعي دونما مماطلة من أجل دعم تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات في بلادنا و الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية وهي مقاربة يمكن أن تسهم و لو باليسير إلى جعل القيادات وخاصة في المنظمات والجمعيات إلى إيلاء التكنولوجيا الرقمية ما تستحق وإلا فرطنا مرة أخرى في فرصة اللحاق بالدول الصاعدة .
1 العمق الجغرافي:
والمقصود به تأكيد استحالة تحقيق تقدم تقني شبكي على مستوى البلاد ، لا سيما إذا أدركنا أن المطلوب هو التقنية وتطويرها وتوظيفها وليس مجرد نشر وصلات شبكية للأفراد والمؤسسات، ولئن كان تجاوز الحدود السياسية »ضروريا« لتحقيق التطوير الاقتصادي الزراعي والصناعي والعلمي والتقني، فإنه بالنسبة إلى التقنية الرقمية بالذات، واستنادا إلى ماهيتها وخصائصها ومفعولها، أمر»حتمي«، لا يمكن استثناؤه أو تأجيله إلى مرحلة تالية، بتأثير وجود التجزئة السياسية مثلا، فلا بد من مشاريع شاملة على المستوى الوطني و العربي، أو الإقليمي، ولا بد من متابعة تنفيذها بصورة شاملة وضامنة لاستمرارها وعدم وقوعها ضحية الخلافات السياسية.
2 البنية التحتية:
وعلى وجه التحديد القطاع الأساسي ذو الصلة بالتقنية الرقمية، والذي يتمثل في الدرجة الأولى في شبكات الهاتف و رغم ما يبذل فإن الشبكة هرمت و تآكلت، وصناعة الحاسوب وبرامجه، وتمديد خطوط حديثة لنقل المعلومات كالألياف الزجاجية، وقيام مراكز خدمات كافية للتعامل مع التقنيات الجديدة، وشبكات متطوّرة للتخطيط والإدارة ومتابعة التنفيذ والتقويم والتطوير، دون المعيقات التقليدية »البيروقراطية« والسياسية والتفكير في معالجة النفايات الإلكترونية و إعادة رسكلتها و بعث المشاريع في هذا المجال.
3 الاستثمارات المالية:
ولا يخفى ما تتطلبه المشاريع الأساسية الضرورية من نفقات خلال فترة وجيزة نسبيا، ولكن لا يخفى أيضا ما تعود به من عائدات وأرباح ضخمة وسريعة نسبيا، لصالح الاقتصاد العام في كل بلد على حده وفي المنطقة المعنية عموما، وكذلك العائدات لصالح المستثمرين أنفسهم، وليس مجهولا أن النفقات الاستثمارية المطلوبة تبقى دون ريب أقل بكثير من تلك الاستثمارات التي يقدم عليها كثير من العرب طلبا للربح المادي في الغرب في الوقت الحاضر مهملين الجانب العلمي و البحثي، ناهيك عن تنفيذ مشاريع ضخمة بمظهرها وليس بمفعولها الاقتصادي، في قطاع »العمران« مثلا، فإذا توافرت الشروط الاستثمارية اللازمة من أجل »توطينها وضمانها« مقابل ما يصنع من تسهيلات واسعة النطاق لجلب استثمارات أجنبية، فقد لا تبقى العقبة المالية »عقبة كأداء« كما هي في كثير من الميادين التطويرية الأخرى.
4 الإطارات البشرية المتخصّصة:
وقد توافرت في هذه الأثناء بنسبة عالية داخل العديد من البلدان العربية، وإن بقيت معوّقات كبيرة، أبرزها التمييز بين الكفاءة الوطنية والكفاءة الأجنبية لصالح الأخيرة، رغم عدم التفاوت في كثير من الأحيان من حيث القدرة على الإنجاز، وربما رغم التفاوت لصالح الكفاءات الوطنية. هذا علاوة على ما هو معروف تحت عنوان »هجرة الأدمغة« والتي تعتبر من المواضيع المطروحة في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من ميدان، دون أن تجد إلى الآن مخططات مشتركة وشاملة وقابلة للتنفيذ على نطاق واسع وفعال علي المستوي الوطني و في المنطقة العربية إجمالا، وبما يوجد الظروف المضمونة لتوطين »الأدمغة المهاجرة« وتعاونها وتكاملها عبر الحدود العربية والإقليمية، والاعتماد عليها في تحقيق الإنجازات المطلوبة، دون الاضطرار إلى الاستعانة بخبرة أجنبية و المحاولات التونسية في هذا الصدد تذكر فتشكر والأقطاب التكنولوجية خير دليل و لكن تبقي غير كافية لسرعة الابتكار والتجديد في مجال التكنولوجية الرقمية.
5 الضمانات المستقبلية:
والمقصود بها إيجاد »جيل تقني« لن تتوافر دونه المتطلبات الأساسية والضرورية في المستقبل المنظور للتخلص من الهوة الرقمية المتنامية، ولن يوجد هذا الجيل دون أن تكون البداية الآن، على مستوى المدارس، والروابط والجمعيات، وعلى مستوى الأحياء السكنية في المدن والقرى و الأرياف، مع تشجيع المواهب والكفاءات، وإدراج التقنية الشبكية من الناحية العلمية والاجتماعية والفكرية في مقررات المناهج المدرسية الأساسية و أخص بالذكر الإتحاد العام التونسي للشغل لخلق إطارات نقابية تحسن التعامل مع هذه التقنيات و ألا تبقى على الهامش نظير النقابات الشمالية و غيرها من النقابات الأخرى التي أخذت أشواطا في هذا المجال .
لا ريب أن المسؤولية كبيرة، وأن الواجبات الأولى المطلوبة واسعة النطاق، ولكن عدم النهوض بها في الوقت المناسب، يعني أننا سنواجه خلال فترة وجيزة من الأضرار ما يتطلب أضعاف الجهود المذكورة لمجرّد التخفيف من عواقبها، وما يضعنا آنذاك أمام مسؤوليات أكبر وأخطر، هذا ناهيك عن ثقل الأمانة التي نحملها في هذا الجيل، كل على حسب موقعه وإمكاناته، تجاه الأجيال المقبلة.
و قد عجزنا حتى الآن عن رسم سياسة و طنية تعتمد العقل و واضحة المعالم بالنسبة لما يجب و ما يمكن الحصول عليه من علم و تكنووجيا من هذه الدول المتقدمة, وما لا يجب و لا يمكن الحصول عليه عن طريق التوريد، وتتصف أغلب التكنولوجيا السائدة بصفتي البدائية و الإزدواجية فالتكنولوجيا تكون بدائية عندما نجد المعدات و الأساليب الإنتاجية و التنظيمية المستخدمة لا يطرأ عليها تغيير أو تحسن يحين و يساير التطورات و خاصة في المجال الزراعي الموجه لإنتاج الطلب المحلي و الذي أصبح بسياسات خاطئة لا يلبي حتي الإحتياجات الضرورية لمواطنيها فالتكنولوجيا الرقمية في الميدان الفلاحي عنصر من عناصر تحسين اللإنتاج و الإنتاجية.
فأغلب دولنا العربية ومكونات مجتعاتنا مستهلكة للسلع المعمرة كالسيارات والتلفزة والحاسب, أما تنمية المعرفة المتعلقة باستخدام وصيانة وتوطين وتطوير التكنولوجيا وتحويل خلاصا ت البحوث العلمية من الجامعات الوطنية و المفيدة في النشاطات الإقتصادية والإجتماعية فهي ضعيفة ولا يوثق بها رغم جديتها ومستواها العلمي المرموق وخاصة إذا هاجرت .
عديدة هي المؤسسات التي كانت رائدة في عديد المجالات العلمية التي تجعل من نقل التكنولوجيا و السيطرة عليها من أولوياتها أصبحت اليوم و بسياسات في الغالب مسقطة إسقاطا آخر ما يهمها هو البحث و التجديد بل البحث علي كل ما هو سهل و غير مكلف و أصبح المسؤول يتحدث عن الإنجاز المفتاح في اليد فعندما نتحدث عن نقل التكنولوجيا من دولة متقدمة إلى دول أقل تقدما يتمثل في أبسط أشكاله نقل الطرق و الأساليب من الدولة المتقدمة دون اجراء أي تعديلات او محاولات لتكييف هذه الطرق و الأساليب مع الظروف الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية السائدة في الدولة السائرة في طريق النمو و هو نقل سطحي لا يقدم، وبقدر ما يتم تعديل هذا النقل يكتسب درجة عالية من النجاح في البيئة الجديدة و قد أكدنا في اللجنة التي تعد الي الحوار من أجل تحسين الإنتاجية قد أكدت النقابات علي ان النمو ألإقتصادي الأفقي لا يؤدي عادة الي التنمية الإقتصادية التي تتجسد في احد اهم مؤشراتها في زيادة مطردة في انتاجيةعوامل الإنتاج.
فنقل و استيراد التكنولوجيا الخشنة في الات ومعدات وتجهيزات و معامل جاهزة أمر غاية في الصعوبة أما التكنولوجيا الناعمة فهي أشد صعوبة وهي غالبا ما تكون غير معروضة للبيع والشراء ولا يمكن نقل هذا النوع من المعرفة دون القدرة الوطنية على البحث و التطوير
فالخطاب السياسي لا ينفك يشجع على المعرفة والبحث والتطوير و لكن الممارسة على الأرض هي في الغالب عكس ما يرفع من شعارات .
فدولة كاليابان عملت على فك الأجهزة و دراستها و اعادة تركيبها بنجاح و في حين أن درجة من هذا التقليد أمر حاصل في كثير من الدول النامية بالأخص في جنوب شرق اسيا فإن الكثير من الدول النامية لا تملك هذه القدرة على تفكيك وإعادة تركيب مثل هذه السلع الإستهلاكية و تجربة اليابان لم تكن تقليد أعمى بل هو جزء من مشروع حضاري متكامل لنهضة اليابان.
فشركة كالشركة التونسية للكهرباء و الغاز كانت درّة في بناء مراكز الإنتاج بالنسبة لبلدان في الشرق الأوسط و إفريقيا, أصبحت اليوم تدفع دفعا إلى سياسة تعمل على تصحر عقول إطاراتها الذين برهنوا على مر العقود على كفاءتهم و تطويرها في مجال الإنتاج و الصيانة فالمؤسسة لها مجلس إدارة، لكن هل هذا المجلس له من الصلاحيات كتلك التي كان يتمتع بها أعضاء مجلس الإدارة في الستينات والسبعينات أسئلة عديدة من واجبنا أن نطرحها على أهل الذكر فقد نبهنا في العديد من المناسبات قبل وقوع الفأس في الرأس كتلك المتعلقة بأزمة الغذاء و الأزمة المالية و قيل لنا في حينها »بأن النقابيين لا يفقهون شيئا« و لكن التجربة و الحياة أثبتتا العكس.
الأزمة المالية والغذائية أظهرتا هشاشة الأقلام الإقتصادية المعتمدة على الخارج وعلى دور السوق الذي يعدل نفسه بنفسه وتبين أن النداءات النقابية كانت على حق فالخاص يدمر و العام يصلح و لكن إلى متى؟ أنظروا ماذا يجري في اليونان و ما سيجري في البرتغال و إسبانيا في القريب العاجل و ذلك عبر ضرب كل ما هو عمومي الذي من واجبه أن يعدل ويراقب ويدفع إلى الأمام قطاع عام يتمتع بأسلوب تسييري مستقل و يحاسب و يراقب على أدائه و نتائجه و يتمتع بالإستثمار و الإنتداب لتقديم خدمات عامة ذات جودة، يدار بشفافية و حكم رشيد دون تدخل، يشارك العامة في رسم خطوطه الكبرى التي تجعل منه فاعلا إقتصاديا وإجتماعيا وممتصا للبطالة بخلق فرص العمل ومشاركا في التقليل من الفقر والتهميش والتقليص من الفجوة الرقمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.