سوسة: تدشين محطة التطهير بمدينة كندار.    فاو: ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء... اللحوم والزيوت النباتية والحبوب    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    جلسة عمل بين ممثلين عن هيئة الانتخابات ووزارة الخارجية حول الاستعدادات للاستحقاقات الانتخابية القادمة    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    حي التضامن: حجز 200 كلغ من لحوم الدواجن غير صالحة للاستهلاك (صور)    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    عاجل/ القبض على بحّار يروّج المخدرات بهذه الجهة    ما قصة هروب افارقة من حافلة متجهة إلى ولايتي جندوبة والكاف ؟    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    قرعة كأس تونس 2024.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    تحوير على مواعيد إنجاز مشروع المستشفى الجهوي متعدد الاختصاصات بقفصة    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    فوز التونسي محمد خليل الجندوبي بجائزة افضل لاعب عربي    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    أبل.. الأذواق والذكاء الاصطناعي يهددان العملاق الأميركي    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    حالة الطقس ليوم الجمعة 03 مارس 2024    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقل التكنولوجيا الرقمية والمحافظة على الكفاءة و تطويرها
نشر في الشعب يوم 03 - 04 - 2010

الهوة الرقمية بين البلدان المتقدمة و البلدان السائرة في طريق النمو. الفجوة هي الفارق في حيازة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بشكلها الحديث و حيازة المهارات التي يتطلبها التعامل معها بين الدول المتقدمة المنتجة لهذه التكنولوجيات و لبرامجها و لمحتوياتها و بين الدول النامية التي لا تساهم في إنتاج هذه التكنولوجيا و صياغة محتوياتها و هي أيضا الفارق في توزيع هذه التكنولوجيات على الأفراد بين الدول المتقدمة و الدول النامية. فالفرد عندنا أمّي بالمقاييس الجديدة للأمم المتحدة و هذه الهوة جاءت عقب ثورات جديدة و متسارعة في مجال العلم و التكنولوجيا في حين أن الدول المتخلفة في مجال العلوم الرقمية و غيرها من العلوم لم تقترب هذه الدول من ثورتها العلمية الأولى وهي تعاني الأمرين، التخلف العلمي والتكنولوجي ومهما طبلت الوسائل الإعلامية الرسمية في هذه البلدان .بل وتكتفي البلدان المتخلفة الأن بجمع الفتات ممّا توفره مائدة الدول المتقدمة أو ما تريد أن تجود به من فتات العلم والتكنووجيا ولو بأغلى الأثمان و في أغلب الأحيان دون أن يكون ذلك بالضرورة متلائما مع البنى الإجتماعية و الإقتصادية و البشرية لتلك البلدان.
وقد ينتج عن الاستفادة وتبني الخطاب الرقمي، الانخراط المعرفي في إنتاج وتوليد معرفة جديدة تكون الرقمية من ضمن مشمولاتها تعمل من جهة على تحديد المقومات المحلية للتنمية الاجتماعية ، وتفتح نافذة حقوقية على مسؤولية الدولة بالنسبة لتساوي الحظوظ في المشاركة الديمقراطية من جهة أخرى، وقد يعمل الخطاب الرقمي على توحيد المنظور فيما يتعلق بالهيمنة الاقتصادية والثقافية المفروضة عليه والمتمركزة بأيدي صانعي النموذج الاقتصادي الجديد والمسمى ب" العولمة"، والذي لا يعترف باقتصاديات المحيط بما هو المركز إلا كتابع وهامش ومستهلك...وبالتالي مُستَعمر وضعيف يستجيب بسرعة لمظاهر استعمار يهمن هنا ومن النقطة التي تتواجد فيها دول الجنوب باستثناء »الصين« (1)لا يمكن للخطاب الرقمي إلا أن ينتج تعددا في المعاني التي يولدها مصطلح »الهوة الرقمية« fossé numérique) أو (fracture numérique .
وبذلك تصبح المعلومة الرقمية تحديدا، عاملا من العوامل الجديدة للاّمساواة الاجتماعية والسياسية، فالتمركز الرقمي أي امتلاك مجموعة الكمبيوترات القاعديّة الموكل إليها تسيير »اللعبة العنكبوتية« (root servers) أدى إلى خلخلة كافة المعطيات والتوقعات في الدخول للعصر الرقمي وقد طرحت قمة تونس العالمية لمجتمع المعلومات والتي نظمتها الأمم المتحدة في 16، 17 و18 نوفمبر 2005 قضية مستقبل التحكم بالانترنت الموجود تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة التي تحكم قبضتها عليها وهي من مجمل القضايا التي عُلِّقت بالدورة الأولى جنيف 2003 أملا في أن تجد لها الدورة الثانية بتونس حلولا ناجعة ومن بين القضايا نجد : إدارة الانترنت، ومسؤولية الدول المتقدمة في التقليص من الفجوة الرقمية، إيجاد آليات تمويل مشروعات التنمية في المجال المعلوماتي بدول الجنوب، البحث في مسألة الهوية الثقافية وأمن المعلومات، ورفع القيود المفروضة على نقل التكنولوجيا، مع تدارس سبل التقليل من التبعية للغرب، وقد خرجت القمة الثانية »بوثيقة التزام تونس« التي توصي باحترام حرية التعبير وتحديد الخطوط العريضة للبرنامج التنفيذي للحد من الفجوة الرقمية بين بلدان الشمال والجنوب حيث نصت هذه الوثيقة على أن »حريّة التعبير وحرية تنقل المعلومات والأفكار والعلم ضرورية لمجتمع الإعلام«.
وبالرغم من الانتشار النسبي جدا لمستخدمي الانترنت في الدول العربية حيث لا يتجاوز عدد مستخدمي الانترنت في هذه الدول11 مليونا و755 ألف شخص بحسب إحصاءات الاتحاد الدولي للاتصالات، فقد أكد المشاركون في المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات 2006 الذي اختتم أشغاله بالدوحة بتاريخ 15 مارس أن العالم العربي لا يزال من بين المناطق الأقل حظا في الثورة الرقمية العالمية، إذ لا تزيد نسبة مستخدمي الانترنت فيه على 3.7 ٪ رغم الإمكانيات المادية المهمة.
ويظهر أن المبالغة في الحديث عن »الهوة الرقمية« واعتبار الخطاب الرقمي المبني على التكنولوجيا المتقدمة سيبقى بدون سند وإلى فترة زمنية ما في الحياة العربية، نظرا لأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تركز مجهوداتها على تحسين سبل الرفاه لمجتمع الشمال، في حين يرزح مجتمع الجنوب وخاصة المنطقة العربية. يشكل الانترنت قطب التوجه التربوي المعتمد على صيغة »تعلم لتكون« فبالرغم من تساوي حظوظ الانطلاق في التمدرس العام، يتسع الفارق المعرفي بشكل يحدث معه التمييز على مستوى الوصول إلى المعرفة، وهذا ما يتحقق مع الطفل الذي يتمتع أبواه بحراك اجتماعي مريح ومتميز على المستوى الثقافي مما يتحقق معه عدم المساواة في فرص النجاح، فحيث أصبح التكوين الذاتي من ركائز المنظومة التربوية يحتل التعامل مع الانترنت أهم وسيلة بل والوسيلة المثلى لخلق التوازن وصناعة التفوق داخل المدرسة كمرفق عام ولا شك أن تقدم التقنيات العصريّة سوف يساعد في السنوات القادمة على تفتح شخصية كل من تتاح له فرصة الاستفادة من تلك التِّقنيات. ولا شك أيضا أن استخدامها لن ينحصر في نطاق التربية ، بل توسع تدريجيا إلى الميادين الأخرى ، مما يجعلنا نتوقع نتائج ملموسة في المستقبل القريب أو البعيد، عندما تستخدم الوسائل الحديثة في التبليغ وقد حدثني أحد أصدقائي من رجال التعليم عن »السبورة الرقمية« والتي هي الآن ببعض مدارس الأساسي ، هذا دون أن ننسى أن الفوارق الاجتماعية المتمثلة في الدخل والسن والجنس )ذكر / أنثى( و السكن ) مدينة/ قرية/ ريف والمستوى الثقافي للوسط التربوي يؤثر بشكل واضح على التمكين الرقمي لعدد من الفئات المحكومة بالفوارق الاقتصادية في المجتمع غير المحفزة على الحد من التفاوت في الوصول إلى المعلومة باستخدام الانترنت ، هذا التفاوت المنتظر منه التقليل من الهوة المعرفية يستدعي خلق المناخ المناسب على مستوى ترسيخ البنية التحتية الاقتصادية الأساسية كما يتطلب استغلال تكنولوجيا المعلومات لإشاعة الأجواء الديمقراطية أمام القاعدة الشعبية من أجل مساهمة أوسع في بناء الديمقراطية الوطنية وينخرط فيها. السعي من أجل توفر الأجهزة لدى الأفراد والشركات (لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة) والقطاع العام، ووضع برامج تأهيل وتدريب للأطر البشرية لتحسين القابلية و الكفاءة في السوق للاستفادة من منافع تقنية المعلومات والاتصالات. تطوير الاستراتجيات الملائمة لتوفير الخدمات الحكومية الإلكترونية والمشاركة فيها. ردم الهوة الرقمية من خلال اتخاذ مبادرات إيجابية وسط فئات المجتمع الأقل إقبالا على خدمات تقنية المعلومات والاتصالات. تعزيز التوعية الإلكترونية في مجتمع الأعمال الذي مازال الاستثمار فيه يعتمد علي ما تقدمه الدولة من حوافز من المال العام. حفز الخدمات العامة عبر الإنترنت من خلال تطبيق استراتجيات وسياسات ترمي إلى زيادة معدلات استخدام الإنترنت لدى الأفراد والشركات و القطاع العام و الوظيفة العمومية (الحكومة). تشجيع الإلمام بتقنية المعلومات والاتصالات من خلال التدريب وبرامج التوعية والتثقيف وبناء الثقة. تضمين المناهج التعليمية المعرفة والمهارات المتعلقة بتقنية المعلومات والاتصالات آخذة في الاعتبار الخصوصية و الظروف المحلية، (البنية التحتية، مهارات تقنية المعلومات، التعليم...) ولكن من الأهمية بمكان أن تدرك كافة مكونات المجتمع أن فرص مواكبة الدول المتقدمة محدودة ويتعين عليها بالتالي السعي دونما مماطلة من أجل دعم تقدم تقنية الاتصالات والمعلومات في بلادنا و الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية وهي مقاربة يمكن أن تسهم و لو باليسير إلى جعل القيادات وخاصة في المنظمات والجمعيات إلى إيلاء التكنولوجيا الرقمية ما تستحق وإلا فرطنا مرة أخرى في فرصة اللحاق بالدول الصاعدة .
1 العمق الجغرافي:
والمقصود به تأكيد استحالة تحقيق تقدم تقني شبكي على مستوى البلاد ، لا سيما إذا أدركنا أن المطلوب هو التقنية وتطويرها وتوظيفها وليس مجرد نشر وصلات شبكية للأفراد والمؤسسات، ولئن كان تجاوز الحدود السياسية »ضروريا« لتحقيق التطوير الاقتصادي الزراعي والصناعي والعلمي والتقني، فإنه بالنسبة إلى التقنية الرقمية بالذات، واستنادا إلى ماهيتها وخصائصها ومفعولها، أمر»حتمي«، لا يمكن استثناؤه أو تأجيله إلى مرحلة تالية، بتأثير وجود التجزئة السياسية مثلا، فلا بد من مشاريع شاملة على المستوى الوطني و العربي، أو الإقليمي، ولا بد من متابعة تنفيذها بصورة شاملة وضامنة لاستمرارها وعدم وقوعها ضحية الخلافات السياسية.
2 البنية التحتية:
وعلى وجه التحديد القطاع الأساسي ذو الصلة بالتقنية الرقمية، والذي يتمثل في الدرجة الأولى في شبكات الهاتف و رغم ما يبذل فإن الشبكة هرمت و تآكلت، وصناعة الحاسوب وبرامجه، وتمديد خطوط حديثة لنقل المعلومات كالألياف الزجاجية، وقيام مراكز خدمات كافية للتعامل مع التقنيات الجديدة، وشبكات متطوّرة للتخطيط والإدارة ومتابعة التنفيذ والتقويم والتطوير، دون المعيقات التقليدية »البيروقراطية« والسياسية والتفكير في معالجة النفايات الإلكترونية و إعادة رسكلتها و بعث المشاريع في هذا المجال.
3 الاستثمارات المالية:
ولا يخفى ما تتطلبه المشاريع الأساسية الضرورية من نفقات خلال فترة وجيزة نسبيا، ولكن لا يخفى أيضا ما تعود به من عائدات وأرباح ضخمة وسريعة نسبيا، لصالح الاقتصاد العام في كل بلد على حده وفي المنطقة المعنية عموما، وكذلك العائدات لصالح المستثمرين أنفسهم، وليس مجهولا أن النفقات الاستثمارية المطلوبة تبقى دون ريب أقل بكثير من تلك الاستثمارات التي يقدم عليها كثير من العرب طلبا للربح المادي في الغرب في الوقت الحاضر مهملين الجانب العلمي و البحثي، ناهيك عن تنفيذ مشاريع ضخمة بمظهرها وليس بمفعولها الاقتصادي، في قطاع »العمران« مثلا، فإذا توافرت الشروط الاستثمارية اللازمة من أجل »توطينها وضمانها« مقابل ما يصنع من تسهيلات واسعة النطاق لجلب استثمارات أجنبية، فقد لا تبقى العقبة المالية »عقبة كأداء« كما هي في كثير من الميادين التطويرية الأخرى.
4 الإطارات البشرية المتخصّصة:
وقد توافرت في هذه الأثناء بنسبة عالية داخل العديد من البلدان العربية، وإن بقيت معوّقات كبيرة، أبرزها التمييز بين الكفاءة الوطنية والكفاءة الأجنبية لصالح الأخيرة، رغم عدم التفاوت في كثير من الأحيان من حيث القدرة على الإنجاز، وربما رغم التفاوت لصالح الكفاءات الوطنية. هذا علاوة على ما هو معروف تحت عنوان »هجرة الأدمغة« والتي تعتبر من المواضيع المطروحة في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من ميدان، دون أن تجد إلى الآن مخططات مشتركة وشاملة وقابلة للتنفيذ على نطاق واسع وفعال علي المستوي الوطني و في المنطقة العربية إجمالا، وبما يوجد الظروف المضمونة لتوطين »الأدمغة المهاجرة« وتعاونها وتكاملها عبر الحدود العربية والإقليمية، والاعتماد عليها في تحقيق الإنجازات المطلوبة، دون الاضطرار إلى الاستعانة بخبرة أجنبية و المحاولات التونسية في هذا الصدد تذكر فتشكر والأقطاب التكنولوجية خير دليل و لكن تبقي غير كافية لسرعة الابتكار والتجديد في مجال التكنولوجية الرقمية.
5 الضمانات المستقبلية:
والمقصود بها إيجاد »جيل تقني« لن تتوافر دونه المتطلبات الأساسية والضرورية في المستقبل المنظور للتخلص من الهوة الرقمية المتنامية، ولن يوجد هذا الجيل دون أن تكون البداية الآن، على مستوى المدارس، والروابط والجمعيات، وعلى مستوى الأحياء السكنية في المدن والقرى و الأرياف، مع تشجيع المواهب والكفاءات، وإدراج التقنية الشبكية من الناحية العلمية والاجتماعية والفكرية في مقررات المناهج المدرسية الأساسية و أخص بالذكر الإتحاد العام التونسي للشغل لخلق إطارات نقابية تحسن التعامل مع هذه التقنيات و ألا تبقى على الهامش نظير النقابات الشمالية و غيرها من النقابات الأخرى التي أخذت أشواطا في هذا المجال .
لا ريب أن المسؤولية كبيرة، وأن الواجبات الأولى المطلوبة واسعة النطاق، ولكن عدم النهوض بها في الوقت المناسب، يعني أننا سنواجه خلال فترة وجيزة من الأضرار ما يتطلب أضعاف الجهود المذكورة لمجرّد التخفيف من عواقبها، وما يضعنا آنذاك أمام مسؤوليات أكبر وأخطر، هذا ناهيك عن ثقل الأمانة التي نحملها في هذا الجيل، كل على حسب موقعه وإمكاناته، تجاه الأجيال المقبلة.
و قد عجزنا حتى الآن عن رسم سياسة و طنية تعتمد العقل و واضحة المعالم بالنسبة لما يجب و ما يمكن الحصول عليه من علم و تكنووجيا من هذه الدول المتقدمة, وما لا يجب و لا يمكن الحصول عليه عن طريق التوريد، وتتصف أغلب التكنولوجيا السائدة بصفتي البدائية و الإزدواجية فالتكنولوجيا تكون بدائية عندما نجد المعدات و الأساليب الإنتاجية و التنظيمية المستخدمة لا يطرأ عليها تغيير أو تحسن يحين و يساير التطورات و خاصة في المجال الزراعي الموجه لإنتاج الطلب المحلي و الذي أصبح بسياسات خاطئة لا يلبي حتي الإحتياجات الضرورية لمواطنيها فالتكنولوجيا الرقمية في الميدان الفلاحي عنصر من عناصر تحسين اللإنتاج و الإنتاجية.
فأغلب دولنا العربية ومكونات مجتعاتنا مستهلكة للسلع المعمرة كالسيارات والتلفزة والحاسب, أما تنمية المعرفة المتعلقة باستخدام وصيانة وتوطين وتطوير التكنولوجيا وتحويل خلاصا ت البحوث العلمية من الجامعات الوطنية و المفيدة في النشاطات الإقتصادية والإجتماعية فهي ضعيفة ولا يوثق بها رغم جديتها ومستواها العلمي المرموق وخاصة إذا هاجرت .
عديدة هي المؤسسات التي كانت رائدة في عديد المجالات العلمية التي تجعل من نقل التكنولوجيا و السيطرة عليها من أولوياتها أصبحت اليوم و بسياسات في الغالب مسقطة إسقاطا آخر ما يهمها هو البحث و التجديد بل البحث علي كل ما هو سهل و غير مكلف و أصبح المسؤول يتحدث عن الإنجاز المفتاح في اليد فعندما نتحدث عن نقل التكنولوجيا من دولة متقدمة إلى دول أقل تقدما يتمثل في أبسط أشكاله نقل الطرق و الأساليب من الدولة المتقدمة دون اجراء أي تعديلات او محاولات لتكييف هذه الطرق و الأساليب مع الظروف الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية السائدة في الدولة السائرة في طريق النمو و هو نقل سطحي لا يقدم، وبقدر ما يتم تعديل هذا النقل يكتسب درجة عالية من النجاح في البيئة الجديدة و قد أكدنا في اللجنة التي تعد الي الحوار من أجل تحسين الإنتاجية قد أكدت النقابات علي ان النمو ألإقتصادي الأفقي لا يؤدي عادة الي التنمية الإقتصادية التي تتجسد في احد اهم مؤشراتها في زيادة مطردة في انتاجيةعوامل الإنتاج.
فنقل و استيراد التكنولوجيا الخشنة في الات ومعدات وتجهيزات و معامل جاهزة أمر غاية في الصعوبة أما التكنولوجيا الناعمة فهي أشد صعوبة وهي غالبا ما تكون غير معروضة للبيع والشراء ولا يمكن نقل هذا النوع من المعرفة دون القدرة الوطنية على البحث و التطوير
فالخطاب السياسي لا ينفك يشجع على المعرفة والبحث والتطوير و لكن الممارسة على الأرض هي في الغالب عكس ما يرفع من شعارات .
فدولة كاليابان عملت على فك الأجهزة و دراستها و اعادة تركيبها بنجاح و في حين أن درجة من هذا التقليد أمر حاصل في كثير من الدول النامية بالأخص في جنوب شرق اسيا فإن الكثير من الدول النامية لا تملك هذه القدرة على تفكيك وإعادة تركيب مثل هذه السلع الإستهلاكية و تجربة اليابان لم تكن تقليد أعمى بل هو جزء من مشروع حضاري متكامل لنهضة اليابان.
فشركة كالشركة التونسية للكهرباء و الغاز كانت درّة في بناء مراكز الإنتاج بالنسبة لبلدان في الشرق الأوسط و إفريقيا, أصبحت اليوم تدفع دفعا إلى سياسة تعمل على تصحر عقول إطاراتها الذين برهنوا على مر العقود على كفاءتهم و تطويرها في مجال الإنتاج و الصيانة فالمؤسسة لها مجلس إدارة، لكن هل هذا المجلس له من الصلاحيات كتلك التي كان يتمتع بها أعضاء مجلس الإدارة في الستينات والسبعينات أسئلة عديدة من واجبنا أن نطرحها على أهل الذكر فقد نبهنا في العديد من المناسبات قبل وقوع الفأس في الرأس كتلك المتعلقة بأزمة الغذاء و الأزمة المالية و قيل لنا في حينها »بأن النقابيين لا يفقهون شيئا« و لكن التجربة و الحياة أثبتتا العكس.
الأزمة المالية والغذائية أظهرتا هشاشة الأقلام الإقتصادية المعتمدة على الخارج وعلى دور السوق الذي يعدل نفسه بنفسه وتبين أن النداءات النقابية كانت على حق فالخاص يدمر و العام يصلح و لكن إلى متى؟ أنظروا ماذا يجري في اليونان و ما سيجري في البرتغال و إسبانيا في القريب العاجل و ذلك عبر ضرب كل ما هو عمومي الذي من واجبه أن يعدل ويراقب ويدفع إلى الأمام قطاع عام يتمتع بأسلوب تسييري مستقل و يحاسب و يراقب على أدائه و نتائجه و يتمتع بالإستثمار و الإنتداب لتقديم خدمات عامة ذات جودة، يدار بشفافية و حكم رشيد دون تدخل، يشارك العامة في رسم خطوطه الكبرى التي تجعل منه فاعلا إقتصاديا وإجتماعيا وممتصا للبطالة بخلق فرص العمل ومشاركا في التقليل من الفقر والتهميش والتقليص من الفجوة الرقمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.