تعزّز الوسط الفنّي بالكاف في الآونة الأخيرة بولادة بهيّة الطّلعة تمثّلت في مجموعة الهدّاوي للأغنية الملتزمة فكانت أوّل اطلالة لها بواسطة عرض »نوّارة« ضمن فعاليّات الدّورة العاشرة لتظاهرة 24 ساعة مسرح الذي دأب على تنظيمها مركز الفنون الدّرامية والرّكحيّة بالكاف. وبما أنّ رؤوف الهدّاوي مصمّم وصاحب فكرة هذا العرض كبقيّة الفنّانين الشّرفاء كان يؤمن بأنّه لايمكن للفنّان أن يكون معزولا عن واقعه فقد أتى عرضه صياغة فنيّة لهموم الوطن والشّعب اذ تغلّب على نفسه وتفوّق على كسله وأنتج هذا العرض الرّائع الذي أبهر الحضور وأثبت فيه أنّه فنّان من طينة الكبار فكانت لنصوصه هويّة فكريّة وجماليّة دون مساحيق. لم يجنح الهدّاوي للسّهولة فساهم مع ثلّة من الموسيقيين الشبّان في انتاج مقطوعات كانت مزيجا من الطّبوع المختلفة لم يرتهن فيها للمفهوم المتخلف للتّراث من حيث أنّه سلطة قاهرة فكان فعلا عرضا للحبّ والحياة والثّورة. لقد ابتعد عرض »نوّارة« عن الابهام وارتبط بأحاسيس النّاس وأشواقهم وأفهامهم لأنّ الناس أصبحوا يرفضون الإستماع إلى كلام لا يمسّهم ولا يفهمونه لذلك كان صوتا قريبا منهم وعضوا نابضا في جسدهم. لقد كان العرض فوق الطّوائف والقبائل والايديولوجيا منحازا للأرض والنّاس والحقّ في مواجهة الشوفينيّة والظّلم والقبح تواصلا للحظات الماضي والحاضر والمستقبل. أمّا مازاد العرض رونقا وجمالا فهو الحضور المتميّز للفنّانة النّاشئة »نورهان« التي شكّلت نقطة أخرى مضيئة جعلت الحضور يتجاوب معها بإعجاب فيضيء الشّموع احتفاءًا بميلاد فنّانة ملتزمة قد يكون لها شأن عظيم في المستقبل القريب. فقد أثبتت بحضورها الرّكحي المتميّز والقويّ وصوتها الرّخيم الذي أطرب وشنّف الأسماع أنّها على الخطّ الصّحيح وينتظرها مستقبلا زاهرا خصوصا وأنّها طالبة بالمعهد الأعلى للموسيقى بالكاف. أخيرا قد يكون من التّجنّي أن لا نعرّج على المداخلة المميّزة للأستاذ »احسان العريبي« عازف العود وأستاذ الموسيقى بالمعهد العالي للموسيقى بالكاف الذي شنّف آذان الحضور بمعزوفاته المنفردة على آلة العود.