انتظم يوم 28 أفريل الفارط اليوم الوطني والعالمي للصحة والسلامة المهنية بقمرت تحت إشراف السيد الناصر الغربي وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج وبحضور كافة المنظمات الوطنية والهياكل المعنية بالصحة والسلامة المهنية . وشهد اليوم الوطني تدخل كافة المنظمات الوطنية وقد ألقى الأخ رضا بوزريبة الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم الصحة والسلامة المهنية كلمة الإتحاد أكد فيها على أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعتبر شعار اليوم الوطني والعالمي صيحة فزع جديدة تطلقها منظّمة العمل الدولية قصد لفت الأنظار لما يشهده واقع العمل و ظروفه من تدهور سيمته الهشاشة في ظّل استحواذ الشركات المتعددة الجنسيات على اقتصاديات الدول النامية منها بالخصوص، واستفحال ظاهرة شركات العبودية الجديدة والتي يطلق عليها بشركات المناولة المعوضة للعمل القار والضاربة عرض الحائط بمقومات العمل اللائق. مبرزا أن تفاقم ظاهرة العولمة المتوحشة زاد اليوم من مخاوف اعتلال الصحة وما يصحبه من خسائر صحية و نفسية و مادية في صفوف العمال والصناديق الاجتماعية وعلى الجانبين الاقتصادي والاجتماعي لمؤسسات العمل ، إذ أن دفع عجلة التجارة العالمية وتحريرها وانتشار التكنولوجيا الجديدة أدى إلى أشكال مستحدثة في العمل ومن ثمة أنماط أخرى من التعرض إلى الأخطار المهنية. و لقد تعمدت الدول الكبرى إلى التخلص من الصناعات الملوثة و الخطرة والمخلة بالصحة والبيئة وحوّلتها إلى الدول النامية التي هي في حاجة إلى مجابهة مشاكل البطالة عندها مهما كانت الانعكاسات البيئية و الصحية على العمّال ومهما كان الثمن الذّي سيتم دفعه على المستوى الإستراتيجي، حتى أن عديد الدول أصبحت تنادي بالتشغيل أولا معتبرة أنّ الصحة والسلامة المهنية جانب يمكن الاستغناء عنه حتى لا يكون عائقا أمام برامج التنمية. وبين الأخ الأمين العام المساعد أن العمل الهش لا يمكن بحال من الأحوال أن يعوض العمل اللائق الذّي وهو من الحقوق الأساسية للإنسان و التي نسعى جميعا لإرساء تقاليدها و تطويرها في بلادنا فأغلب الحوادث والأمراض المهنية تقف ورائها إما الشركات المتعددة الجنسيات بأدواتها وأساليب عملها وإما شركات المناولة التي هي أيضا جزء من المشكل الذّي نواجهه اليوم في جانب عدم احترام قواعد الصحة والسلامة المهنية والوقاية من الأخطار المهنية، وإن الإضرابات المسجلة في عدم احترام شروط حفظ الصحة والسلامة المهنية في تونس لسنتي 2008 و 2009 احتلت المرتبة الثانية من مجموع الإضرابات المسجلة على الصعيد الوطني. مقدما أمثلة على ما تشهده قطاعات البناء و المواد الكيمياوية و النسيج و الإلكترونيك وغيرها من القطاعات من انتهاك صارخ لقوانين الصحة والسلامة المهنية وفي ظّل انتشار المؤسسات الصغيرة بما يشبه الفقاع، يتطلب منا جميعا وقفة حازمة لإرجاع الأمور إلى نصابها خصوصا و أننا في تونس لنا من القوانين و الهياكل التي تعمل في هذا الجانب ولنا من الخبرة و الكفاءة المشهود لها. ولدى حديثه عن احداث جائزة رئاسية لجانب الصحة و السلامة المهنية أبرز الأخ بوزريبة أنها تجعل الجميع مسؤولين أكثر من أي وقت مضى للعناية بهذا الجانب و تطبيق معايير العمل المتصلة به ولا يمكن بحال من الأحوال أن تقتصر هذه الجائزة على القطاع الخاص بل يجب إعطاء فرصة أمام القطاع العام والوظيفة العمومية للنهوض بواقع الصحة والسلامة المهنية والعمل على تطوير مردودهما و السماح بزيارات تفقد فيهما. وطالب الأخ الأمين العام المساعد بدفع مساهمات أعوان الدولة العموميين في مجال حوادث الشغل و الأمراض المهنية للصندوق الوطني للتأمين على المرض حتى يقوم بالدور الموكول له على أحسن وجه خصوصا وأنّه المسؤول عن التصرف في هذا النظام في القطاعين الخاص والعمومي، مشيرا إلى أنّ الإتحاد يعمل على إبراز أهمية المصادقة على اتفاقيّات العمل الدولية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية من قبل الدولة التونسية خصوصا الاتفاقيتين رقم 155 و 187. وأبرزأن مسؤولية الوقاية من الأخطار المهنية أصبحت متداخلة بين الهياكل وهو ما يتطلب اليوم و لبلوغ الأهداف المرسومة تحديد تدخل كل هيكل والتنسيق في البرامج و الحملات التحسيسية مع المنظمات المهنية و في مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل. كما أكد على ما قطعته تونس من أشواط كبيرة في مجال الحدّ من الأخطار المهنية والأنماط الجديدة للوقاية تتطلب مراجعة تشاريعنا الوطنية منها القانون عدد 28 لسنة 1994 والقانون عدد 56 لسنة 1995 المتعلقين بجبر الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل و الامراض المهنية خصوصا فيما يتعلق بالوقاية ، مشددا على ضرورة تفعيل دور لجان الصحة والسلامة المهنية في المؤسسات حتى لا يكون حضورها صوريا وتعميم هذه اللجان بالقطاع العمومي. وانتهى بالقول إن العمال في تونس يتطلعون و يتمسكون بالعيش بكرامة و إلى أن تحفظ حقوقهم الأساسية في الوقاية والعلاج و التعويض و توفير بيئة عمل آمنة و سليمة تتوفر فيها وسائل الوقاية الفردية و الجماعيّة و الفحوصات الطبية الدورية و توابع العمل اللائقة كأماكن الراحة و الأدواش والمطاعم وان يكون صوتهم مسموعا في مجال حمايتهم من الإصابات والأمراض. وكان السيد الناصر الغربي قد بين الإجراءات والإصلاحات المتخذة من طرف الدولة من أجل تطوير الصحة والسلامة المهنية ومواكبة التشريع الدولي وبين السيد الوزير التطور الذي شهدته منظومة الصحة والسلامة المهنية على الصعيدين الهيكلي والتشريعي لن ذلك لا يحجب بعض النقائص فعدد حوادث الشغل القاتلة لا يزال مرتفعا(233 حادثا سنة 2009) كما أكد الوزير وجود تفاوت كبير في مؤشرات حوادث الشغل بين مختلف القطاعات وخاصة البناء والأشغال العامة وهو ما يمثل مصدر انشغال خصوصا وأنه توجد فئات من العمال مستهدفة أكثر من غيرها للأخطار المهنية وتتكبد المؤسسات الصغرى والمتوسطة أكثر من غيرها الخسائر البشرية والمادية نتيجة عدم قدرتها على تنفيذ برامج وقائية. وبين أن التكنولوجيات الحديثة مكنت من تحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاجية إلا أنها أفرزت أخطارا مستجدة من أبرزها الضغط النفسي باعتباره يؤثر على الصحة بصفة عامة وعلى جهاز القلب والشرايين كما يمكن أن يكون سببا في ظهور الاكتئاب والإعتلالات العضلية العظمية . واختتم السيد الوزير كلمته بالتأكيد على أن الخبراء في مجال الصحة والسلامة المهنية أكدوا أن تمتع العمال بظروف الصحة والسلامة المهنية يحسن من إنتاجية المؤسسات ويعود بالنفع على المجتمعات والإقتصاديات الوطنية وذلك خاصة من خلال الحد من عدد حوادث الشغل والأمراض المهنية وبالتالي من طلبات التدخل والتعويضات الناجمة عنها. اليوم الوطني والعالمي للصحة والسلامة المهنية شهد كذلك مداخلات حول الوضع الحالي وكيفية الحد من عدد حوادث الشغل فقد تجاوز عدد الحوادث المهنية ال44 ألفا و 103 حوادث في 2009 منها 233 حادثا قاتلا، ولئن لم تتعد نسبة الحوادث المتصلة بقطاع البناء والأشغال العامة ال14 بالمائة، فقد احتلت المرتبة الأولى من حيث عدد حوادث الشغل القاتلة. وتشير الإحصائيات إلى أن القطاع كما بلغ عدد الساعات الضائعة جراء حوادث الشغل ال 26 مليونا في 2009 .