❊ السيد الأمجد الجملي، أنتخبتم عضو مكتب تنفيذي في المؤتمر 23 رغم ماقيل عنه، فكيف تقيّمون تلك المرحلة خاصّة في علاقة مكوّنات الإتحاد فيما بينها؟ بالنّسبة للمؤتمر 23 للإتحاد العام لطلبة تونس، نستطيع القول أنّه أثار الكثير من الجدل داخل الجامعة وعلى أعمدة الصحف ونحن طبعا لن نعود إلى التفاصيل، فقط ما أريد التأكيد عليه هو أنّ قرار عدم مشاركة الأطراف الطلابية في قيادته كان قرارا إتخذته هذه الأطراف في آخر لحظة فالنقاشات حول تركيبة المكتب التنفيذي تواصلت حتى اللحظات الأخيرة من انجاز المؤتمر. وبشكل عام لا أنفي أنّه كان بالنسبة لي وبالنسبة لبعض الرفاق الذين شاركوا مثلي في هذا المؤتمر كان قرارًا صعبا، فقد كنّا على قناعة أن تحمّلنا لوحدنا مسؤولية قيادة الإتحاد هو أمر غير طبيعي لذلك باشرنا أنا وبعض الرفاق في خوض نقاشات مطوّلة ومركّزة مع بقيّة مكوّنات الحركة الطلابية منذ صبيحة إنتهاء الأشغال. ولا أحد من متتبّعي الشأن الطلابي يمكن له أن ينسى تلك المحطّة الرائعة والتي تمثّلت في المجلس الوطني الذي انعقد بسوسة بمشاركة أغلب مكوّنات الحركة الطلابية بصفتهم أعضاء مجلس وطني. وقد ترأست شخصيا لجنة أحدثت لأوّل مرّة في تاريخ الإتحاد بحثت »إدارة الإختلافات السياسية في منظمة نقابية« وكان إلى جانبي الناطقان الرسميان للأطراف الطلابية المشاركة في تلك اللجنة وأنجزنا وثيقة هامّة من أبرز ما جاء فيها إلتزام الجميع بالطابع النقابي للمنظمة وإلتزامها بالدفاع عن حريّة النشاط النقابي والسياسي. ولأنهي هذا الموضوع، أقول إنّ المؤتمر 23 تمظهر لأزمة الإتحاد ولكنّه ليس بداية لها. ❊ لكن انفجر الصراع داخل المكتب التنفيذي للمؤتمر 23، ممّا أدّى إلى ظهور قيادتين؟ انفجر الصّراع لأنّه بساطة لم يكن لدينا وعي كاف بأهميّة الحياة الديمقراطية صلب المنظمة. لقد شعرنا بمرور الوقت أنّ هامش النقاش الديمقراطي يتقلّص وأنّ الإستفراد بالرأي هو القاعدة خاصّة في ما يتعلّق بإلتزاماتنا كقيادة تجاه توصيات المجلس الوطني بالإضافة إلى ما عرف وقتها حول طريقة الإعداد والإحتفال بخمسينية الإتحاد. إلى تلك الحدود لم يكن لدى الأغلبية (8 أعضاء مكتب تنفيذي) الرغبة في الإنشقاق إذ كيف للأغلبية أن تنشق. فوجئنا بعد ذلك بجملة من القرارات تتعلّق بطرد أعضاء من المكتب التنفيذي وهو ما جعل التعايش غير ممكن. ماحدث بعد ذلك، شخصيا لم أكن أشاطره تماما ولم نكن وحدنا المسؤولين عنه. ثمّ دخلنا في مرحلة ردود الأفعال المتشنّجة والتضحية بكل امكانيات التفاهم وخاصة بعد جنوح رفاقنا (مجموعة الخمسة) إلى عقد المؤتمر 24 دون حلول فعلية لمسألة الإزدواجية الهيكلية. الأطراف التي كانت تساندنا ردّت الفعل بمؤتمر رمزي سمّي مؤتمر التصحيح. اليوم وبعدما أصبحت لديّ مسافة عن تلك الأحداث، أقول إنّه من المؤسف أن تكون الأمور على هذه الشاكلة رغم كلّ الطاقات الصادقة والإرادة القوية لأغلب الفاعلين في مسرح تلك الأحداث من مكتب تنفيذي بشقيه ومن مكوّنات الحركة الطلابية، مؤسف لأنه في غياب الاستقرار الهيكلي ضاعت كلّ الأفكار الواقعية والعمليّة والتي كانت كفيلة بإعادة بناء الإتحاد. وأشير هنا إلى مقرّرات ندوة جريدة »الوحدة« التي بادرنا إلى عقدها مباشرة بعد إندلاع الأزمة وأردنا من خلالها تقديم برنامج عملي لحلّ الأزمة طال الجوانب القانونية والهيكلية وأعاد ترتيب أولويات المنظمة ولكنّه للأسف بقى حبرا على ورق. ❊ كيف تقيّمون الواقع الحالي للمنظمة؟ الأمور وصلت حسب رأيي ومع احترامي وتقديري الكبيرين لكل مناضلي الإتحاد الموجودين الآن في الجامعة، إلى حدّ التساؤل عن وجود الإتحاد نفسه وليس عن دوره أو حجم إشعاعه. فليس من قبيل المزايدة أو التشاؤم التساؤل: أين الإتحاد اليوم؟ ماهي علامات الحياة في الإتحاد؟ بشكل أدق ماهي الأنشطة أو التظاهرات أو الملفات التي مثّلت مناسبة عبّر من خلالها الإتحاد عن وجوده كمنظمة تنشط من خلال هياكلها؟ تستطيع أن تقول لي وقع اجتماع في الجزء الفلاني وإضراب في الجزء العلاني، ولكنّي ببساطة أقول لك نعم قد يكون هذا صحيحا ولكنّه وقع بتأطير المناضلين الصادقين، يقولون أنّهم يمثّلون الإتحاد ولكنّه مطعون في تمثيليتهم من قبل مناضلين آخرين يدعون هم أيضا أنّهم يمثّلون الإتحاد. ورغم أنّ هذا الوضع ليس جديدا إلاّ أنّه بلغ جدّا من الشيوع أصبح معه الحديث عن منظمة لها هياكل ومسؤولون معروفون ومعترف لهم بذلك أمرًا لا يوجد للأسف إلاّ في أذهان أصحابه ومجموعات صغيرة من المناضلين مشتّتة في ما بينها. طبعا هذا الوضع يغني عن الحديث عن دور الإتحاد في الجامعة وتأطيره للطلبة والدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية. ❊ من المسؤول عن الوضع في تقديركم؟ هذا الوضع ناتج حسب رأيي عن تراكمات تاريخية طويلة ومعقدة تسبّبت فيها عديد الأطراف. بدءا من تزوير نتائج انتخابات فرع باريس للإتحاد مرورا »بانقلاب« قربة 1971 إلى إعتماد التعيين صلب الهياكل النقابية المؤقتة ووصولا إلى اضاعة الفرصة التاريخية لبناء المنظمة وتطوير قاعدتها الهيكلية إثر المؤتمر 18 خارق للعادة. ما حصل بعد ذلك هو ناتج عن النهج القمعي الذي اتخذته السلطة في مطلع التسعينات من جهة وعن عجز اليسار على إدارة الأزمة، ومحاولته التحصّن بالإتحاد بدلا من تحصينه. لعلّني غير مضطر للتذكير بكون الجامعة التونسية تشهد محاكمات دورية للعشرات من الطلبة منذ التسعينات إلى اليوم. وهنا أفتح قوسا لأجدّد اندهاشي الكبير والمتجدّد بنفس القوّة كلّ ما سمعت عن محاكمات للطلبة بشكل خاص. فالجامعة تظلّ برأيي مرحلة أساسية من مراحل اكتمال شخصيّة الفرد عبر مطاردة بقايا الحلم بالقدرة على تغيير العالم وهي لعمري مناسبة رائعة للتشبّع بقيم الحداثة والحريّة والعدالة الإجتماعية تجعل الذين عاشوا هذا الحلم محصّنين ضدّ العديد من أمراض هذا العصر وهم من خيرة من تستطيع البلاد التعويل عليهم ساعة الجدّ. وضعهم في السّجن يشوّه هذا الحلم ويحرم البلاد من طاقات رائعة. من جهة أخرى إنّ الأزمة وليدة لعدم النجاح في التعاطي مع هذا الوضع لدى مختلف مكوّنات اليسار التي تعاقبت على قيادة الإتحاد. منذ العودة إلى القانونية، لقد فشلنا في الإنتقال من ثقافة النضال من أجل استعادة المنظمة إلى النضال صلب المنظمة وما يفترضه من خطاب جديد وممارسة جديدة في حجم التحوّلات العالميّة والمحليّة وفي حجم الإنتظارات الجديدة لأجيال جديدة من الطلاب. ❊ ماهي المخارج والحلول التي تقترحونها؟ الوضع أكثر تعقيدا من الحديث عن مجرّد مخارج بل إنّه يفترض قبل كلّ شيء التفكير في المداخل. المدخل الأوّل في رأيي هو تخليص النقاش بين مكوّنات الحركة الطلابية والطلبة المتعاطفين معهم من الهاجس الإنتخابي. أفترض أنّه من الأفضل للجميع فتح حوار داخلي بين مكوّنات الحركة الطلابية حول أزمة الإتحاد دون الحديث عن مؤتمر لأنّ تلخيص الأزمة في عدم إنجاز المؤتمر هو جزء من الأزمة وليس جزءا من الحلّ أقترح على جميع الفاعلين عقد سلسلة من الندوات تعنى بالمسائل الهيكلية والقانونية وبتحديد الخطاب النقابي صلب الجامعة وبكل المواضيع التي يرونها مناسبة بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة تلتزم بها هذه الفعاليات مهما كانت نتائج المؤتمر اللاحق. المدخل الثاني في صورة الوصول إلى هذا البرنامج يمكن وقتها أن تتكوّن من صلب المشاركين في صياغته لجنة للإعداد للمؤتمر وللتفاوض مع سلطة الإشراف حول الجوانب التقنية للمسألة كما تتولّى حشد أوسع الطاقات الطلابية داخل الأجزاء الجامعية للتعريف بهذا البرنامج لتوسيع القاعدة الجماهيرية للإتحاد. يمكن أيضا بناءًا على هاتين الخطوتين البحث عن وسطاء ذوي مصداقية من بين المنظمات الصديقة لاتحاد الطلبة للمساعدة على تخطّي بعض العوائق. طبعا الحديث عن أن تكون هذه الندوات تحت اشراف الأمين العام أو المكتب التنفيذي أو اللجنة الوطنية أعتبرها مسألة ثانوية وهي جزء من المواضيع التي تناقش صلب الندوات دون شروط ودون أحكام مسبّقة. في الختام أريد أن أؤكد على أنّ الإتحاد العام لطلبة تونس منظمة عريقة تشرّفت بالإنتماء إليها وحتى إن بدوت قاسيا في تقييم واقعها فذلك من منطلق الغيرة والوعي بأهميّة هذه المدرسة العريقة بما أضافته لكلّ الذين مرّوا بها.