مازال التاريخ يحتفظ للذاكرة النقابية الوطنية بالعديد من الملاحم والبطولات خلدتها دماء الشهداء من العمال والمناضلين النقابيين والوطنيين وعلى رأسهم الشهيد خالد الذكر مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد. في هذا المعنى يقبل النقابيون في مثل هذا اليوم 5 أوت من كل سنة على إحياء ذكرى أحداث 5 أوت 1947 بصفاقس والتي سطر معانيها بطل المعركة وأحد رموزها المرحوم الحبيب عاشور. إن إحياء هذه الذكرى لا يمر فقط عبر إعادة قراءة التاريخ وتمجيد الأدوار وإنما يفتح ذاكرتنا على معنى النضال والتضحية دون حسبان من أجل البلاد والعباد وما نرفل فيه اليوم من أمن واستقرار ومكانة بين الشعوب لا يرقى لها النكران أو الجحود الا من حاسد حسود الا ثمرة لهذه التضحيات والنضالات التي كانت دون حسابات. في مثل هذا اليوم اختار الاتحاد العام التونسي للشغل ومناضلوه تأكيد استقلالية الاتحاد عن النقابات الفرنسية واختاروا التخلص من المستعمر وأذنابه الخاسئين والقطع مع الوصاية على العمال وحقوقهم ومطالبهم حيث قرر الاتحاد الاضراب لفرض حقه في التفاوض في الاسعار والاجور وهو ما أغاض المستعمر وأجج حقده على الاتحاد ومنخرطيه ومناضليه فجابه الاضراب بالرصاص والنار وأجزل الاتحاد النضال والعطاء فسقط عدد كبير من الشهداء وأصيب المئات بجروح وأطرد آلاف العمال فيما زج بالمئات الآخرين في السجن وكان المستعمر يحسب أن نيرانه ورصاصه قد تخمد الاضراب لكن كانت للمناضلين الابرار من النقابيين والعمال ارادة اخرى تتجاوز مطلب المشاركة في مفاوضات الاجور والاسعار لتدفع باتجاه النضال المستمر من اجل التحرر والانعتاق وطرد المستعمر الفرنسي من البلاد وكسب رهان الاستقلال الوطني... هذه هي الارادة الحقيقية لأبطال معركة 5 أوت... وهذا هو الاتحاد العام التونسي للشغل كما نشأ ويحيى الآن ويسير نحو المستقبل صامدا مناضلا شامخا وكم جسدت هذه المعاني كل الازمات التي مر بها. من هو بطل المعركة؟ بالتأكيد هو المرحوم المناضل أبو الشغالين الحبيب عاشور المولود في 25 فيفري 1913 بقرية العباسية بجزيرة قرقنة. زاول دراسته بالمدرسة الفنية بصفاقس عرف العمل النقابي منذ سنة 1935 بانخراطه في ال ص . ج . ت وتحمل مسؤولية كاتب عام مساعد في بلدية صفاقس. كان رفيقا للزعيم فرحات حشاد عند تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل وتحمل مسؤولية أول كاتب عام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. غداة أحداث معركة 5 أوت 1947 حكم عليه بخمس سنوات أشغال شاقة وعشر سنوات نفي بزغوان وباجة. حوكم في قضية الباخرة سنة 1965 عاد الى الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1970 كان أحد رموز قرار إضراب 26 جانفي 1978 وأحيل على محكمة أمن الدولة 1985 محاكمة مفتعلة ضده على ما اصطلح عليها بقضية الكوسوب يرفع راية النقابيين »إن النقابيين وطنيون ومخلصون لبلادهم وكل ضربة توجه ضدهم هي في الواقع ضربة في صميم الشعب ذلك ان الاتحاد قوة خير يقوم بأعمال جليلة لفائدة الصالح العام«. الحبيب عاشور من بلاغات الاتحاد بعد المعركة الاتحاد العام التونسي للشغل سوف يتابع دفاعه عن حقوق الطبقة العاملة كما كان ذلك منه في الماضي مستعملا في هذا السبيل جميع الوسائل الممكنة وكذلك فهو يقوم بجميع الواجبات التي تعترضه في قيامه بمأموريته العظمى المتعلقة على نجاحه فيها الحماية الاجتماعية لبلادنا فها هو الاتحاد يثابر على أعماله المفيدة في سبيل نهضة البلاد الاجتماعية وها هو يستمد من أوراح ضحاياه القوة اللازمة لمتابعة الكفاح النقابي والدفاع المستميت عن مصالح الطبقة العاملة. أول رصاصة وضحايا النيران سقط في هذه المعركة 32 شهيدا وجرح أكثر من 500 آخرين فيما تم اعتقال المئات من العمال وطرد الالاف منهم من العمل على ان أول رصاصة أطلقها »الكوميسار« الفرنسي »راوول« كانت على الاخ الحبيب عاشور الذي كان في مقدمة العمال المضربين وقد أصابته الرصاصة برجله وتم اسعافه بمنزل ممرضة ثم نقل على متن عربة الى المستشفى. من أقوال حشاد في الشهداء نحيي ذكرى شهدائنا الذين بموتهم عبدوا لنا الطريق وأضاؤوا السبيل وفتحوا في وجه القضية التونسية آفاقا جديدة ومجالا متسعا من العمل والجهاد... إنا نسير على خطاهم وهديهم حتى نحقق ما استشهدوا من أجله. ... والاتحاد مازال يقوم بواجبه حتى يحقق لهذه الامة ما تصبوا إليه.