كان الطّاهر الشريعة في أوائل دراسته بالمدرسة الصّادقية كما يقول »عبد الوهاب بكير في مذكراته. أمّا الفرنسية فكان من الأوائل الاستاذ عبد الوهاب باكير هو الذي فتق ذهني وحسّي »لجمال« اللغة العربية وثراءها وبلاغتها العظيمة طاقتها الفائقة لتبليغ المعاني والافكار والمقاصد والصور والاصوات ومن اسرار الايقاع والتنغيم والغناء... فحبّبها اليّ بعد كره وعشقي اياها عشقا... وكنت قبل ذلك، في الابتدائية والى نهاية السنة الثالثة في الصادقية جاهلا متجاهلا للغة العربية متضايقا منها ومعرضا عنها اعراض من اعداده فيها تتراوح بين الصفر المدور والواحد الفرد من عشرين طبعا ! مهما اجتهد في »الانشاء العربي«... ولما انس بعد مدى خجلي وشعوري بالنقص الاليم لحظة اعادة محاولاتي إليّ وتعاليق الاستاذ عليها وضحك الرفاق مني ومنها وهو الاقسى والاصعب احتمالا ❊. ❊ كنت متفوقا جدا في الفرنسية وضعيفا في وحزينا جدا لضعفي في العربية وصفرا مضاعفا مرات في الرياضيات!!... وكان نجاحي المذكور يكاد يقوم على انشائي الفرنسي وحده! . غير أنّ القارئ المتمعّن في كتابات الطّاهر الشريعة أو رسائله يشعر بأنّه يمسك بناصيتي اللغتين يمرح بينهما وكأنّه من أولئك المثقفين في القرن الرابع ببغداد الذين نقلوا العلوم من اللاتينية إلى العربية أو المترجمين الأندلسيين الذين نقلوا العلوم والفكر والفلسفة من العربية إلى اللاتينية. وقد ترجم لنفسه.. فنجد في أوراقه ترجمة لأغنية »بابور زمّر« تأليف »المولدي زليلة« وغناء »الهادي ڤلّة« إلى العربية... وقد ترجم »جولة في حانات البحر الأبيض المتوسط« لعلي الدوعاجي وقد نفذت، وأتساءل لماذا لم يعد المركز الوطني للترجمة نشرها وكذلك قام بترجمة »مجموعة شعرية« للفنّان المصوّر رضا الزّيلي »افريقيا.. ذاكرتي«. وأهم عمل قام بترجمته عام 1962ديوان الشاعرة الجزائرية »آنا غريكي« وهي شاعرة جزائرية من أصل فرنسي يوناني من مواليد »باتنة« عام 1931 غير أنّها بعد النضال والسجون والتدريس والنفي التحقت بزوجها »جان مالكي« عام 1961 للعمل ضمن مكتب الحكومة الجزائرية المؤقتة لتعود عام 1962 يوم الاستقلال لكنّها تغادر الحياة عام .1966 وديوانها أتى شحنة من الغضب والحبّ والأمل عكس الطّاهر الشريعة بلغته الخاصّة اختلاجات الشاعرة واضعا مقدّمة يشرح فيها مفهومه للترجمة هذا نصّها وقد اخترنا قصيدة نوفمبر إذ قام الطّاهر الشريعة بترجمتها باحثا لها عن قافية.مقدمة كتاب جزائر يا حلوتي