سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأخ عبد السلام جراد: لقد عملت على توحيد كلمة العمّال العرب وتجميع النقابات العربية من أجل رفع التحدّيات في موكب دفن المناضل النقابي العربي المرحوم حسن جمّام:
في موكب دفن المناضل النقابي العربي المرحوم حسن جمّام ألقى الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الكلمة التالية: »يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي«. صدق الله العظيم إنا للّه وإنا إليه راجعون. نقف اليوم بكل إجلال وخشوع لتوديع المناضل العربي الذي أفنى الجهد من أجل مصلحة العمّال من المحيط إلى الخليج دفاعا عن أمّتنا العربية في كلّ شبر من هذه الأرض الزكيّة. التقينا من كلّ الأقطار ومن كافة الأقاليم لتوديعك يا جمام إلى مثواك الأخير، تجمّعنا حول جثمانك الطاهر يا من حمل هموم أمّتنا العربية بصدق وأمانة، ويا من عالجها بعقله وعايشها بوجدانه وإحساسه وشعوره وجوارحه حتى ألمّ به المرض وكبرت به المعاناة ليغادرنا تاركا وراءه لوعة الأصدقاء وحسرة الرفاق وحزن كلّ العمال العرب. اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ولا إله إلاّ اللّه، لقد عملت جاهدا، يا من يعزّ علينا أن نفارقه، على توحيد كلمة العمّال العرب، وسعيت بما أوتيت من قوّة إلى تجميع النقابات العربية من أجل رفع التحدّيات التي يواجهها شعبنا العربي سلاحك الصبر والتجلّد، وديدنك رباطة الجأش بعزيمة لا تهتزّ وبنفس لا تعرف الكلل وبصلابة لا تلين. لقد نجحت حيث فشل الآخرون فتمكّنت من المحافظة على وحدة اتحاد العمّال العرب وتماسك نقاباته في خضم العواصف وعند اشتداد الأزمات التي عاشتها أمّتنا العربية، في وقت عجزت فيه مؤسسات العمل العربي المشترك الرسمية حتى عن مجرّد الاجتماع وفشلت فيه حكوماتنا العربية في المحافظة على أدنى مستويات التشاور والتنسيق. لقد وقفت ثابتا صامدا صحبة رفاق لك، مدافعا عن مواقف عمّالية مستقلّة مبنية على المبادئ التي تأسّس عليها الإتحاد الدولي لنقابات العمّال العرب، فنجحت وبشهادة الجميع في أن تتجاوز انتماءك القطري لتتمكّن بميزات القوميّ الغيور على أمّته وبروح النقابي الأممي من تجميع النقابات العربية حول قرارات نضالية أسهمت بفاعلية ونجاعة في اعادة الحراك للشارع العربي بما اثار الأعداء، وأربك الأنظمة وأحرج المتخاذلين، وجلب بالمقابل المساندة الدولية ودعم أحرار العالم لقضايانا العربية. اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ولا إله إلاّ اللّه، كلّنا نعرف يا رفيق الدّرب، أن فترة توليك قيادة اتحادنا الدولي جاءت في زمن هو من أحلك الفترات التي مرّت بها بلادنا العربية وأشدها توتّرا وانقسامات، كما عرفت منطقتنا العربية خلال هذه الفترة ما لا يقلّ عن أربع حروب: حربي الخليج الأولى والثانية غزو العراق، والحربين العدوانيتين على لبنان في 2006 وعلى قطاع غزة في 2008. كانت فترة صراعات داخلية وتدخلات خارجية ومع ذلك لم تختلط عليك الأمور ولم تساورك الشكوك فبقيت يا جمام متمسّكا بالثوابت لا تتزحزح، تدعو بقوّة لتوجيه كل السهام نحو العدو، من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان متمسّكا باستقلال العراق وحريته وبوحدة السودان وبرفض التدخل الخارجي في شؤونه. اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ولا إله إلاّ اللّه، لقد أنجبتك يا رفيق الدّرب تربة جزائر المليون شهيد، كنت فخورا بذلك ولكنّك تجاوزت الإنتماء القطري والانتساب المغاربي وتحدّيت بجرأة وشجاعة الحدود الإقليمية الضيّقة، رافضا واقع التجزئة، فأصبحت عربي الانتماء وعربي المواقف والسلوك وعربي الطموح... وبالشجاعة ذاتها ارتقيت إلى موقع النقابي الأممي، والمؤمن بالمبادئ والقيم التي انبت عليها الحركة النقابية المستقلّة والديمقراطية والحرّة، والمناصر لكل ضحايا القمع وانتهاك الحقوق النقابية والإنسانية، فلعبت دورا هاما وأساسيا في تعزيز الحركة النقابية الحرّة الديمقراطية والمستقلّة في منطقتنا العربية برغم كل العراقيل، وبعثت نقابات تأسيسية في بلدان طالما رفضت الاعتراف بالتمثيل النقابي برغم كل المشكّكين، الأمر الذي جلب لك ولحركتنا النقابية العربية الإحترام الدّولي، بل أصبحنا رقما لا يمكن تجاوزه في المعادلات والتوازنات النقابية العالمية. اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ولا إله إلاّ اللّه، قيم أصيلة غرستها في العمّال، ليست غريبة عنك وعمّا تربّيت عليه وربّيت عليه الأجيال المتعاقبة في المدارس والمعاهد، فأنت المربّي المتشبّع بالأصالة دون انغلاق والمنفتح على العالم دون تفسّخ وانحلال. نودّعك اليوم يا أوفى الأصدقاء وأصدق المناضلين بعيون دامعة وقلوب دامية ونفوس خاشعة... نودّعك جسدا ولكنّك ستضلّ معنا روحا ومبادئ وقناعات وقيما ومواقف... عهدا لك علينا يا رفيق النضال أنّنا على الدرب الذي رسمته صامدون من أجل الحريّة والعدالة والمساواة والسّلم والأمن والاستقلال... رحمك اللّه رحمة واسعة وأسكنك فراديس جنانه. ورزقنا جميعا وأسرتك وكلّ العمّال العرب جميل الصّبر والسلوان.