المتعودون على قراءة المقالات الدعائية سوف يصنفون هاته الورقة انطلاقا فقط من العنونة بكونها اما هجائية أو مدحية لاسيما أنّ »قطر« تملأ الدنيا وتشغل الناس هاته الأيّام ومنذ سنوات مع ظهور ذراعها الاعلامية الضاربة »قناة الجزيرة« قناة فضائية عكرت العلاقات الخارجية الخليجية منها والعربية لدولة قطر وغدا تعاطي الجار والشقيق والصديق موسومًا بطابع التوتّر وتمظهر ذلك بتعدّد الأزمات الديبلوماسية والغلق المتعاقب لمكاتبها (المغرب والكويت) أو رفض اعتماد صحافيّيها كمنهاج »مكلّف« لتجنبها معتمد في غير ذي دولة. فتحت القناة أعين المشاهدين العرب على المختلف من القول وعلى مشاهدة وجوه بعضها اشكالي والآخر ذو قامة وهامة فتحت الملفات الساخنة وأخمدت أخرى في المهد وفرض الخبر الحصري المنفرد نفسه والسبق الصحفي الحواري بثقله وبدأت التساؤلات تتعاظم والرؤى/ المواقف تتباين حول ماهية القناة ومصادر تمويلها وعن الخيط الفاصل بين الأمانة الصحفية والحسابات السياسية بين المهنية الاعلامية وخدمة اجندات بين التهويل المقصود والتعاطي الرصين بين دس السم والنقل الأمين. لا يختلف اثنان في أنّ القناة غيّرت رتابة المشهد الاعلامي المحلي/ العربي لمواطن عربي عوّده الرقيب الذاتي/ الأمني/ السياسي على الهمس وعدم الافصاح فغدت المجاهرة عملة رائجة و»لعبة« محببة و»حق« يخترق البيوت في سكونها ودَعَتِهَا. يتفّق خصومها على أنّ عدم تداول وتناول القناة للشأن الداخلي بالمرّة هو النقيصة العظمى والسلاح المشهر في أكثر من مناسبة ولكنّ مؤيّديها طمعا أو خطبا لودها أو حيادا يتفقون على أنّها رقم صعب في المعادلة الاخبارية / الاعلامية. هذا ما فتح المجال على مصراعيه للسعي »المحموم« إلى استنساخ نموذجها ونحن نعاين التعدّدية الكمية / النوعية للمشهد الاعلامي العربي ودون القفز على بداهة آنية تفرض نفسها بإلحاح عنوانها الأبرز ترتيب البيت الاعلامي الوطني بتجاوز مكبّلاته ومعوّقاته تفويتا لفرصة »انفراد« التعاطي الاعلامي »الأجنبي« لقضايانا الوطنية »الحارقة«. لا ينكر أحد أنّ الخيرات الباطنية لقطر (النفط والغاز) وموقعها الاستراتيجي في الخليج العربي وقربها الجغرافي من لاعبين اقليميين وجب قلم أظافرهم أو تحييدهم واستضافتها لقواعد عسكرية أجنبية أهلها وهي الرقعة الترابية الصّغيرة في خريطة الكرة الأرضية أن تصبح ممرا اجباريّا أولا فلسطينيا لفك الاشتباك الفصائلي بين حركتي فتح وحماس وثانيا لبنانيا لتجنب الكارثة الطائفية الضاغطة انتظارا للقرار الظنّي للمحكمة الدولية للتحقيق في ملابسات اغتيال الحريري وثالثا سودانيا لايجاد حلّ حول مسألة دارفور ورابعا يمنيا في خصوص السعي إلى اخماد ثورة الحوثيين. فالأمر لا يتعلّق البتة لكل مراقب حصيف وغير انطباعي في أنّه حشر لأنف قطري أو نفخ لصورة أو تعظيم لدور. يذهب البعض في القول إنّ المال المسكوب بكرم لا نظير له ولا حدّ له هو الذي جعل على سبيل المثال الجناح الرياضي لقناة »الجزيرة« أن تفتكَّ حصريًّا كأس العالم لكرة القدم للمشاهدين العرب وحصريًّا البطولات الكروية الاسبانية والايطالية ودوري أبطال أوروبا وافريقيا وآسيا ودوري محترفي كرة السلة الأمريكية وعددًا لا يُستهان به من أحداث رياضية كبرى في السباحة وكرة الطائرة وكرة اليد وألعاب القوى... تظلّ الأفواه فاغرة حينما يدور الحديث عن الأرقام الفلكية المدفوعة لشراء »قطر القابضة« لمحلات »هارودز« اللندنية من آل الفايد وافتكاك »بضع« سنتمترات في أقمصة لاعبي فريق الأحلام الكاتالوني برشلونة. القول »الساذج/القاصر« عن سحرية مفعول المال يجعل البعض يتصوّر أنّ الفوز القطري بتنظيم كأس العالم سنة 2022 لم يكن حسن ادارة للتحالفات و»قوة/فرادة« للملف وإنّما كان عبر ملء جيوب وأرصدة أعضاء الفيفا »غير المنزه بعضهم«. مركزية العقل العربي مشرقا ومغربا تنفي أو تقلّل من اضافة »الأطراف« رغم أنّ الواقع السياسي/الثقافي/الفكري قد تبدّل جذريا وهيكليا وتغيّر المواقع ومصادر التأثير والفعل ولم يعد الخليج حنفية مال غير منقطعة السيلان. للمال سطوة وتأثير وغواية واغراء ولكن وجب حسن استثماره وتوظيفه والمثال القطري في التسويق والترويج يحيلنا الى الاجابات دونَ أدنى جهد أو توجيه لاسيما أنّ الجيرانَ الخليجيّين أثقل مالا ووزنا. هل يمكن أن نتعامى عن اجادتها »لعبة التحالفات« سياسيا وكرويا؟ هل يمكن أن نتجاهل تمكّنها من أدوات الوساطة؟ أليس التفكير في اعطاء الأولوية للشركات المحلية والخليجية ولِمَ لا العربية والخبرات التونسية منها لانشاء الملاعب المزمع تشييدها لاحتضان كأس العالم بعد 12 سنة والتلويح بامكانية استضافة دولة خليجية لبعض مقابلات العرس الكروي العالمي رصا لصفوف البيت الخليجي والعربي؟ مع قطر تظلّ براغماتيّة العلاقة اقتصاديا وشراكة العلاقة سياسيا »القاعدة« أمّا غير ذلك فغمامة عابرة.