إنّ المتأمّل في واقع الفلاحة والفلاحين في بلادنا يلاحظ أنّ الفلاحة في بلادنا أحْيَانًا بخير ولكن الفلاح ليس كذلك خاصة وقد بلغت المديونية 270 مليارًا من ملّيماتنا ل 200 ألف فلاّح، في المقابل فاقت الفوائض هذا الرقم إذ بلغت 290 مليارًا، وقد أصبحت المؤسسة البنكية بمثابة »الآخر« المُكبّل بالنسبة إلى الفلاح فعَلَى مستوى التّمويل يشترط البنك تقديم سندات ملكيّة للرهن ضمانًا للسّداد في حين أنّ المسح العقاري لم يشمل جلّ الأراضي الفلاحية فأغلب الوضعيات العقارية غير تامة والبنوك بطبيعتها لا تهتمّ إلاّ بالربح المضاعف فتخاطب الفلاح من برجها العاجي أي من موقع القوّة وقد أصبح الفلاحون بين المطرقة والسندان يقفون حائرين بين الصّمت والصبر والتّعب. الصمت أمام الارتفاع الصاروخي المشط للمواد الفلاحية الأساسية: المحروقات الأسمدة، أعلاف خضراء ويابسة ومعدّات... في حين أنّ سعر المنتوج قد تدهور وهو لا يضاهي بأي حال من الأحوال سعر التكلفة ممّا جعل الفلاح الخاسر الأوّل دون نسيان مواجهة التغيرات المناخية. الصبر لأنّ الفلاحة تريد طول النفس الذي يكاد ينقطع. التحدّي لمديونية أتت على الأخضر واليابس وفي كل الملتقيات والندوات يقع التطرّق إلى هذا المشكل بشيء من الريبة والخوف وكأنّ موضوع المديونية مسكوت عنه إلى الأبد أو من الملفات الممنوع الحديث عنها رغم تقديم أنصاف الحلول مثل الجدولة التي ويا للمفارقة فاقت فوائضها أصل الدّين!! إنّ المديونية قزّمت الفلاح التونسي وأجهضت أحلامه فأصبح »متشائلا« ينادي بالفلاحة »البدائية« للتقليص من التكاليف الباهظة ولكن هل تكون الأمور عودا على بدء خاصة ونحن في القرن 21، قرن الثورة الرابعة وتكنولوجيا النانو!!؟ إنّ الفلاحين التونسيين ينتظرون قرارات سياسية جريئة تخرجهم من دياجير الظلام وتعيد إليهم الروح والمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق الدولة والمجموعة الوطنية التي عليها دعم القطاع الفلاحي وتوجيهه جدّيًا مع اتخاذ اجراء شجاع يتمثّل في إلغاء مديونية الفلاح وتجدر الاشارة في هذا المجال إلى أنّ الدول الليبرالية التي تعتمد نظام السوق الحرّة تعتمد تجاه الزراعة نزْعَةً حمائيّةً واضحة وهي تدعم فلاحيها دون مواربة. إنّ فلاحي تونس هم النور الذي تبصر به وتستشرف من خلاله المستقبل، ولا مستقبل لبلد يتغذّى أبناؤه من وراء الحدود خاصّة ونحن شعب يفتقر إلى الثروات الباطنية ولكن يمتلك كفاءات وأدمغة أقوى وأجدى من الثروات. ونحن في انتظار عيد الفلاحة والفلاحين بتونس لنقول بصوت واحد: لا مديونية بعد اليوم كي نفك قيد هذا الفلاح لينطلق بأكثر أريحية إذ كلّما ارتفع الانتاج وزادت الانتاجية ارتقينا بالبلاد والعباد وان الانتظار مع الأمل خير من اليأس والقنوط.