مات الشاب محمد بوعزيزي وقد ربحنا خلوده! الموت هاجس قد أتعب الانسان منذ الأزل، وهو العدو اللدود له إلى حد الآن، لقد حاول »ڤلڤامش« العراق قديمًا، تحدّيه، بل جدّ في البحث عن اكسير الحياة، دون جدوى، وقد أقنعته صاحبة حانة بقوله، لقد كتب البقاء للآلهة والفناء للانسان! لكن هل يموت من قال »اِعرفْ نفسك« سقراط أي اعرف نفسك هل انت صادق، كاذب، ذو وجهين، غيريّ، مدرك...، وهل يموت من كذّب نظريات اقليدس وصنع النظارات وهو ابن الهيثم، وهل يضمحل من استعمل الموسيقى علاجًا (وهو ابن سنا) وهل ينسى من قال الارض تدور (ڤاليليو) ومن خلال نظريته عرفنا الليل والنهار، وهل يندثر من قال: لكل فعل ردّ فعل مساوٍ لهُ بالمقدار... وهو »نيوتن«، فمن خلال نظريته عرفنا الترجيع السريع والبعيد.. وهل يوارى التراب من قال: تونس أيا خضراء، يا حارقة الأكباد (بيرم التونسي) وهدفه توحيد الامة العربية وهل يموت البوعزيزي وتخمد ثورته لا وألف لا، ومن قال »لا« فهو موجود. سيظل البوعزيزي رمزا من رموز الثورة التي قاومت الظلم والتعسف والجهل... لكن من الذي يموت ويندثر؟ يقول شكسبير: الجبان يموت عدة مرات قبل موته الحقيقيّ وهناك من يقول: الاموات / الاحياء، ويقصد به الفقراء والمساكين، لكن من يُوجِد هؤلاء: هو طبعا الظلم، أو نظام دكتاتوري، متعسف، مستغل، لا يعير أيّة أهمية للانسان الذي هو جوهروغاية هذا الوجود هذا الانسان عرف بالرامز أي يعطي أسماء ويصنع اللغة للتواصل وايصال الخبر كما هو ناطق، ضاحك، كائن ثقافي (صانع للثقافة) غائي (له غاية) أما اذا بقي على الطبيعة (جاهل) ولم يترك بصماته للاجيال فهو ميّت / حي. واذا مات فعليا فموته عاديّ كموت سلحفاة. هل يموت البوعزيزي صانع الثورة الذي ضحى بنفسه من أجل ان نعيش نحن أحرارًا؟ لا وألف لا، ومن قال »لا« فهو موجود؟ أيها السادة ان ثورة البوعزيزي تجعل التاريخ يعيد نفسه حيث ان أول خرطوشة انطلقت ضد المستعمر الفرنسي كانت من سيدي بوزيد حيث ولد ونشأ المناضل الخالد الذي ربحنا خلوده، محمد البوعزيزي، وكفى تزويرا للتاريخ!! والكون ملك لمن أغوته دنيا الفكرْ والموت ذل لمن يموت بين الحفرْ والموت فخر لمن بالعلم قد اشتهرْ