تشق ثورة تونس طريقها هازئة بكل العراقيل متحدية جيوب الردّة والثورة المضادة التي تحاول أن توقف التاريخ وتلتف على شعارات الثورة. ويستمر الحراك الشعبي في فك القيود التي كبلته لسنوات طغى عليها الصمت والاستقالة والسلبيّة، وفي اكتشاف أدواته وأطره السياسية والثقافية القادرة على أن تعكس رؤاه وتصوّراته. يعبر المواطن التونسي جسر التردد الفاصل بين مرحلتين وزمنين، مرحلة ما قبل 14 جانفي بكل ملابساتها وتفاصيلها وهواجسها، وزمن ما بعد 14 جانفي بكل احتمالاتها وممكناتها.. مرحلتان وإن كان الزمن الموضوعي الذي يفصل بينهما يكاد لا يقاس في عمر الشعوب فإن الزمن الذاتي والنفسي الذي جرى بينهما يكاد يمثل حقبا وأزمنة. وعلى حدّ تعبير الشاعر فؤاد نجم ينشد الشعب شعاره »أنا الشعب ماشي وعارف طريقي«، هذا الطريق وإن بدا طويلا ومتعرجا وشاقا فإن الجماهير التي جدّدت رو ح الثورة وأعلنت وفاءها لدماء الشهداء يوم الجمعة العظيم 25 فيفري 2011 بساحة القصبة، مصرّة على قطعه حتى النهاية من أجل بناء دولة الحريّة والكرامة والعدالة الاجتماعية التي تتسع لجميع التونسيين في كل الجهات: شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ومن كل الشرائح باختلاف انتماءاتهم وتصوراتهم وأفكارهم ومعتقداتهم. من خلف ركام المواجهات الدامية والحرائق الملتهبة وطوفان المطلبيّة الماكرة التي حاولت أن تجرف الثورة عن مطالبها السياسية الحقيقية وأن تزايد على دور الاتحاد. ومن عنف ليالي الرعب الموجّه والارهاب المنظّم واشاعات الترهيب بالقنص والاختطاف، ومن تحت رماد الفتنة الزعاف التي يحاول الارتكاسيون بثها بين فئات الشعب في الجهات وفي الاحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة، ومن أمسيات الفوضى التي حاول المستفيدون من النظام البائد فرضها على شوارع العاصمة الرئيسية وبالاخص شارع الحبيب بورقيبة. ورغم محاولات الخلايا النائمة المسماة (الأغلبية الصامتة) التي تحاول أن تستنسخ جذوة اعتصام القصبة، وركوب الثورة وشقّ صفوف الشعب وحرف بوصلته إلى صراع طبقات ومصالح. رغم كل هذا الزخم والغليان والاحتقانات الموضوعية والمفتعلة، تتخمّر عجينة الثورة التونسية وتتشكّل ببطء وتؤدة لتولد من عصارتها تونسالجديدة.