تسجيل تراجع في عدد جرحى حوادث المرور    عاجل/ حالة إحتقان إثر غلق مصنع بصفة فجئية بهذه الجهة    سوسة: اليوم العلمي الأول حول صحة المرأة    سليانة: فتح تحقيق في شبهة تلاعب بأموال رصدت لمشروع عمومي    بعد اجتياح غزة.. حماس تنشر "صورة وداعية" للرهائن الإسرائيليين    عاجل/ بينما كان في عمله: إستشهاد عائلة مدير مستشفى الشفاء في غزّة    عاجل: إيطاليا تُرحّل تونسيا بعد ان إكتشفت انه متزوج من إمرأة ولا يعيش معها    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    أبرز الأحداث السياسية في تونس بين 13 و20 سبتمبر 2025    بنزرت "بين الجسرين" .. "المتحرك" معاناة و"الثابت" أمل    اقتصاد أزرق : إعلان بنزرت يدعو إلى الترويج لإنشاء منطقة حرة لمعالجة البلاستيك ، لجعل المدينة قطباً متوسطياً للاقتصاد الدائري    بعد الاتفاق الدفاعي.. وفد سعودي يزور باكستان لإجراء محادثات تجارية    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة ستتولى ابرام ملاحق لعقود برنامج "بروسول الاك الاقتصادي" بصفة استثنائية    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    جمعية المرسى الرياضية تنظم النسخة الرابعة من ماراطون مقاومة الانقطاع المبكر عن الدارسة    عاجل/ حملة أمنية في أسواق الجُملة تُسفر عن إيقافات وقرارات بالإحتفاظ    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    من بينها تونس: 8 دول عربية تستقبل الخريف    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    60 يوما فقط للمغادرة الطوعية.. إدارة ترامب تنهي وضع "الحماية المؤقتة" لآلاف السوريين    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    الفيفا يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر مباريات كأس العالم 2026    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    وكالة إحياء التراث تحتفي باليوم العالمي للغة الإشارة تحت شعار "حتى التراث من حقي"    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    منزل وزير الصحة الأمريكي يخضع للتفتيش بعد إنذار    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    في عرض سمفوني بالمسرح البلدي...كاميليا مزاح وأشرف بطيبي يتداولان على العزف والقيادة    استراحة «الويكاند»    تتويج مسرحي تونسي جديد: «على وجه الخطأ» تحصد 3 جوائز في الأردن    وزارة الدفاع تنتدب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    تراجع عائدات زيت الزيتون المصدّر ب29,5 % إلى موفى أوت 2025    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    كيف سيكون طقس الجمعة 19 سبتمبر؟    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعب يريد إسقاط النظام.. النظام يريد إسقاط الشعب
نشر في الشعب يوم 05 - 03 - 2011

اندلعت الانتفاضة في كلّ أرجاء الوطن العربي انطلاقا من تونس وتحرّكت الشوارع العربيّة للمطالبة بسقوط الأنظمة وبتحسين أوضاعها الاجتماعية وبحقّها في الكرامة والحريّة. هذه الهبّة الشعبية بدأت تتشكّل ملامحها الثوريّة خاصّة في تونس ومصر حيث مازالت الاعتصامات والمظاهرات المليونيّة المطالبة بسقوط النظام وليس برحيل زعمائه وقادته فقط. فالمطالب أصبحت سياسيّة واضحة لا غبار عليها، وهي القطع مع الديكتاتوريّة وتأسيس حياة سياسية جديدة تقوم على سيادة الشعب فعليا وليس شكليّا، ولم تصدّق هذه الجماهير الشعبيّة كلّ البذخ الديمقراطي الذي تبجّحت به الحكومات المؤقتة.
لم يصدّق الشعب هذه الوعود في حين صدّقتها النخب السياسية المعارضة ماعدا القلّة القليلة، لكن سقف المطالب السياسية لدى الشعب يظلّ أعلى من البرامج البديلة التي تقترحها المعارضة والمتمثّلة في »المجلس الوطني لحماية الثورة«. وهذا المجلس يقترح تشريعه من قِبَلِ الرئيس المؤقت ويراقب عمل الحكومة بالاضافة إلى جملة المطالب الأخرى.
في الحقيقة إنّ سنوات القمع والتهميش والاقصاء من الحياة السياسية والمدنيّة أثمرت انعدام الثقة لدى الفئات الشعبيّة المحرومة من النخب والأحزاب السياسية، ومثّلت هذه الانتفاضة فرصة لن تتكرّر للفئات الدنيا لتطفو إلى سطح الأحداث في المقابل ظلّت الأطراف السياسية المعارضة مرتبكة وتحرّكت بخطوات بطيئة في محاولة لقيادة هذه الحركة الثوريّة لكن بقيت هذه التحرّكات دون المستوى المطلوب حيث لم تنزل القيادات السياسية إلى الشارع بل اكتفت بإصدار بيانات المساندة والتأييد لانتفاضة الشعب والدعوة الى استمرارها من أجل تحقيق الثورة، فجبهة 14 جانفي مثلا منذ تشكّلها دعت إلى تجمّع شعبي بقصر المؤتمرات، دون أن تدعو إلى مسيرات أو اعتصامات رغم الثقل الجماهيري الذي حقّقه الاجتماع الشعبي.
في حين ظلّت التحرّكات الشعبيّة اللاّمؤطّرة أكثر تركّزا في العاصمة والجهات، ولم تستطع الحكومة المؤقتة تسيير البلاد بل ظلّت حكومةً بلا حكم ووزراء بلا مهام، ورغم ذلك تمسّكت هذه الحكومة المنصبة بكراسيها الصورية.
فالغنّوشي لم يستقل من منصبه إلاّ بعد سقوط عديد الشهداء، وبعد عديد المسرحيات الفاشلة التي لم تنطلي على المتظاهرين الذين ظلّوا في حالة غليان وعصيان رغم تباكي المسؤولين الحكوميين في وسائل الاعلام المرئيّة والمسموعة لكن سرعان ما سقطت أقنعتهم وعاد الرصاص الحي ليسقط الشهداء الجدد في تعدٍّ واضحٍ على جوّ التظاهر والتعبير السلمي.
إنّ ما لم تفهمه السلطة والمعارضة في آن واحد هو أنّ الشعب أصبح يرفض منطق التعيين والتنصيب الفوقي ويطالب بحقّه في انتخاب ممثّليه، واستقالة الغنوشي لن تكون كافية لإرضاء المحتجّين. إنّ إسقاط الحكومة اللاشرعية وتعليق العمل بالدستور القديم وحلّ البرلمان هو الكفيل بإعادة الهدوء إلى الشّارع، لكن هذا الأمر لن يتحقّق بسهولة فالحكومة المؤقتة لم تكن غافلة عن هذا الأمر وتعرف جيّدا أنّ المجلس التأسيسي سيكون نهاية للنظام القديم وقد بذلت جهدها لتلافي هذا الأمر باعتبار أنّ تحقّقهُ يهدّد مصالح البورجوازيّة العميلة التي مازالت تحرّك المشهد السياسي وتناور للحفاظ على مصالحها، ليبقى الحال على ماهو عليه مع بعض التغييرات والتعديلات الشكلية في النظام.
إنّ هذه التعديلات (بما فيها استقالة الغنّوشي) ليست إلاّ مناورات النظام القائم المرتبط بالقوى الامبريالية ليبقى ماسكًا بزمام السلطة مع تغيير لاعبيه وذلك لتكريس هيمنة الرأسمال المالي على اقتصاد البلاد وتمرير برامجه وهذا لن يحلّ الأزمة الحاليّة باعتبار أنّ طبيعة العلاقات الاقتصادية قائمة على غاية الرّبح والاستثمار وليست مرتبطة بالبعد الاجتماعي، لهذا رأينا أنّ أغلب المستفيدين من الاجراءات الحكوميّة فيما بعد 14 جانفي هم من جهاز البوليس باعتباره أداة الدولة الضرورية لحماية المصالح الاقتصادية القائمة وبقيّة المستفيدين هم أعوان الدولة المرتبطون بالدورة الاقتصادية.
هذه الاجراءات العاجلة التي اتخذتها الحكومة من أجل ضمان عودة المنظومة الاقتصادية القديمة إلى الدوران، أمّا الاجراءات المتعلّقة بالعمق الاجتماعي فقد أُرجئتْ إلى أجل غير مسمّى، لأنّ الحلّ الجذري للأزمة الاجتماعية لن نجده في جراب هذه الحكومة، فهو يتناقض مع الاملاءات الأجنبيّة ومع غايات الاستثمار الأجنبي. والمساعدات المقترحة من الاتحاد الأوروبي وأمريكا ليست مجانيّة وليست لفائدة الشعب، فهذه فرصة للبورجوازيّة العميلة للرّبح والاستفادة من الانتفاضة الشعبيّة، وللتأكيد على ذلك هو الحنين الذي يحكم هذه السلطة إلى الماضي فكل التعيينات ارتبطت بأسماء قديمة من هذا النظام، فعلى المستوى السياسي لم تخرج السلطة من دائرة المحيطين بها ولم يمثّل أي اسم يتناقض مع توجهاتها حتّى الوزراء الثلاثة: البكوش والشابي وبن براهيم يدورون في فلكها باعتبارهم رموزًا للبيروقراطيّة والانتهازيّة وهم تعبيرات سياسيّة للبورجوازيّة الصّغيرة وليس للفئات الشعبيّة الدنيا، فالحزب الديمقراطي التقدّمي وحركة التّجديد لا يطرحان برنامجًا اقتصاديا بديلاً عن اقتصاد السوق، وبالتالي فإنّ تركيبة الحكومة المؤقتة لا تمثّل الشعب المنتفض فهي متناقضة مع مطالبه الاجتماعية وهذا يعتبر دليلاً قاطعًا على عدم شرعيتها وعلى استمرار النظام القائم أي تواصل الطبيعة الدّيكتاتوريّة للسلطة، فرفض المطالب السياسيّة للشعب في جوهره يرتبط بهذ التناقض الاقتصادي بين مصالح البوجوازيّة العميلة وأعرافها من الدّوائر الامبرياليّة وبين حق الشعب في السيادة والحريّة والعدالة الاجتماعيّة. وليس من باب المغالاة الحديث عن بقاء الديكتاتوريّة والنظام الكلياني فأهمّ صفتين لهذا النظام هما »الكذب والقمع« وهذا ما شهدناه مع حكومة الغنّوشي التي حاولت إيهام الشعب بأنّه قام بالثورة وعليه الآن أن يترك الحكومة المؤقتة تقوم بدورها، في حين أنّ الثورة تفترض أصلاً قيام حكومة ثوريّة وليس حكومة يقودها النظام السابق ورموزه، الثورة تفترض أيضا قطعًا نهائيّا مع المنظومة السابقة، سياسيّا واقتصاديا واجتماعيّآ وثقافيا وهذا ما لم يحصل بل حصل العكس. محاولة إعادة التجمعيين للسيطرة على دواليب البلاد وهذا فيه محاولة لاستبلاه الشعب، لكن بشكل ساذج ومفضوح وهو مازاد في تأجيج الوضع، فكل السيناريوهات كانت مكشوفة ومفضوحة بشكل يثير السخريّة.
لكن هذا لا يعني أنّ المشروع البديل قد ينال موافقة الشعب أو هو متبلور أصلاً. هل هناك بديل عملي وفعلي؟ أي هل يمكن لمكوّنات وأطراف »المجلس الوطني لحماية الثّورة« أن تكون بديلاً شعبيّا؟
من الصّعب التأكيد بالإيجاب على هذا السؤال، لأنّ أغلب مكوّنات هذا المجلس تعاني من إشكالات عميقة وأزمات داخلية حادّة هذا بالاضافة إلى عدم تجانسها فيما بينها، أيضا لا يمكن اعتبارها قد فهمت مطالب الشعب، فهذا يتطلّب أنّها قد جدّدت مقولات وآليات اتصالها بالجماهير، وهذا ما لم نلحظه.
هناك مسألة أخرى هي مشكلة الديمقراطية، فمن الجدير القول إنّ أزمة الديمقراطيّة ليست خاصّة بالأنظمة الرسمية فقط، بل حتّى المعارضة في العالم العربي تعاني من اختراق الديمقراطية، فأحزاب المعارضة من يمينها إلى يسارها تعاني من عدم احترام الأساليب الديمقراطية وغياب الحوار في اتخاذ القرار. فالقرارات والمواقف السياسية تثير دائما جدلا واسعا باعتبارها فوقيّة وغير نابعة من القواعد، لهذا نطرح سؤالا: هل يمكن لهذه الأطراف اليوم (وإن كانت قد اتفقت على الإطاحة بالديكتاتوريّة) أن تتوحّد حول بديل وطني واضح الملامح يوحّد حوله الرأي العام الشعبي؟ وكيف يمكن لهذه المكونات التي لا تمثّل في أغلب الأحيان منخرطيها ومناضليها بقدر ما تعبّر عن مواقف قادتها وزعمائها أن تعبّر عن الشعب وتمثّله؟
نخلص إلى القول انّ انتفاضة الشباب في العالم العربي جاءت ضدّ القمع بشتى أشكاله ضدّ القمع الرسمي وضدّ التهميش البيروقراطي لأحزاب المعارضة أي هي انتفاضة ضدّ أنظمة قديمة اهترأت وضدّ عقلية الحرس القديم التي صدئت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.