»تلّ الغزلان« أو »تلّ العطش« كما أصبح يُطلق عليها البقيّة الباقية من أهلها، الذين هجّرهم المعمّر الجديد، أو المستثمر المدعوم من السلطات في العهد البائد، في عمليّة »أنفال« لم تشهدها المنطقة منذ وجودها. »تلّ الغزلان«، هذه الضّيعة التي كانت أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، كانت رمزًا للخصب والخير، كانت عنوان البركة والخير، مأساتها انطلقت منذ أن حلّ بها أحد المستثمرين الذين دفعوا كثيرا لأفراد من عائلة الطرابلسي، كي يحصل عليها كتأجير طويل المدى بسعر رمزي، وبدل أن يكون مستثمرا حقيقيّا يفلح الأرض لتعطي خيراتها، وتطعم أهلها وتساهم في التنمية، فإنّه كشّر عن أنيابه منذ الوهلة الأولى، وبدأ يتصرّف كأنّه معمّر جديد أو اقطاعي من العصور الوسطى، فاستعبد العمّال واستغلهم وعذّبهم ووصل به الأمر إلى هتك أعراضهم وممارسة هواياته الساديّة على عائلاتهم وحرماتهم. »تلّ الغزلان«، وضيعتها تحديدا، تمسح أكثر من 1000 هكتار وتشغّل 60 عاملاً قارّا و100 عاملا مؤقّتا، وكان يمكن لهذا الرّقم أن يرتفع بتطوّر القطاع وتطوّر عدد السكان وتطوّر المردود، لكن المعمّر الجديد ضرب عرض الحائط بكلّ الشعارات التي كانت تُرفع وبكلّ البرامج والمبادئ والاتفاقات، وبدل أن يحافظ على موارد رزقهم وينقيها ويضمن حقوقهم، فإنّه انتقم منهم شرّ انتقام، فشرّدهم وأطردهم ولم يترك منهم إلاّ خمسة عمّال، »جاب عليهم الماء« كما يقولون بلهجتنا العامّة، فهؤلاء العمّال الخمسة يعملون ليلا نهارًا، وبصغة الأشغال الشاقة الأقرب إلى العبوديّة. »تلّ الغزلان«، عرفت أيّاما وسنينا في الخير والوفرة لكنّها اليوم أشبه بقرية أشباح، هجرها أهلها وجفّت آبارها، رغم أنّ تقديرات الخبراء تقول إنّ الماء يوجد فيها على عمق ستة أمتار فحسب، الاّ أنّ المعمّر الجديد، تعمّد حفر عدّة ابار عميقة جذبت المائدة المائيّة وجفّفت آبار الفلاحين في القرية ووصل بهم الأمر أن يشتروا منه الماء بالصّهريج. فالمعمّر الجديد الذي ابتليت به القرية، لا تعرف الرّحمة الي قلبه سبيلا، ويروي عنه سكان القرية القلائل الذين بقوا هناك، حكايات أقرب إلى خرافات العصور الوسطى، وعن سهراته الماجنة صحبة ضيوفه المنتظمين من طرابلسيّة ومسؤولي التجمّع فالأمن في المنطقة وعن لهوهم الماجن واطلاق النّار في الهواء ودون سبب سوى استعراض العضلات والتباهي بالمعارف والأكتاف من علية القوم. »تلّ الغزلان« التي يقول أحد أبنائها بحسرة وألم: لقد ولدتُ في هذه الأرض عندما كان تُنتج حتى الزعفران والآن يدمى قلبي كلّما رأيت الجوع يعشّش فيها ويكشّر عن أنيابه بوجه سكانها القلائل، لقد كنّا مطمورة للقمح ومقصدا للباحثين عن العمل والمساعدة واليوم نحن نكاد نستجدى المأكل والملبس من الغرباء، في حين ينعم المعمّر الجديد بخيرات بلدنا. أهالي »تلّ الغزلان« الذين بقوا هناك، في أقصى حدود الوطن متشبّثين بالأرض والعرض، لم يروا من عهد بن علي سيء الذكر، الاّ كلّ هوان وذُلّ واستغلال واستعباد وهم اليوم يتوجّهون بكل الأمل إلى الثورة المباركة فهل تُنصفهم وتعيد الحقّ الى الحماية أم تستمرّ المعاناة وتضمحلّ قطعة أخرى من وطننا الغالي؟