اتّفق العرب أخيرا على أن يتفّقوا، هي استعارة عكسيّة لمقولة مأثورة أراد بها الغرب لنا عَربًا أن نتبنّاها صاغرين، راضين، متفقّين بصوت واحد »اتفق العرب على أن لا يتّفقوا«. فكانوا يتابعون بكلّ وسائلهم الاعلاميّة التي هي في الكثير من الأحيان مخابراتية قممنا العربية، واتفاقاتنا الاقليميّة ومهرجاناتنا الثقافية بل ومسابقاتنا الرياضية أيضا. هم متحفّزون، متأهّبون لقول ذلك القول المأجور. فمتى تحقّق لنا الخلاف تحقّق لهم الوفاق والاتّفاق على أنّنا عرب لا يمكن لهم أن يتفّقوا أبدا. هذه المقولة الرّكيكة البغيضة والمُوجعة في حقّنا عَربًا ننطق بلغة واحدة، وإن اختلفت اللّهجات ونحتكم الى دين واحد مع مراعاة ديانة بعض الأقلّيات الأمر الذي لا يمنع بأي شكل من الأشكال من التعايش معًا، قوّضت هذه المرّة وإلى الأبد من خلال مقابلة رياضية في كرة القدم جمعت كما يعلم الجميع النّاديين الافريقي التونسي والزمالك المصري. ودون الرّجوع الى نتيجة المباراة وما حفّ بنهايتها من تجاوزات ومهاترات ودمار من فئة ضالّة أرادت لثورة البلدين وتحديدا ثورة مصر ثورة مُضادّة لن تنطلي على عاقلٍ. بعيدًا عن منطق الرّبح والخسارة فإنّ الرّابح الأكبر في كلّ ما تقدّم معي العلاقة الانسانيّة والتاريخيّة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين التونسي والمصري، التي لا تزعزها نتيجة اثنان لواحد أو أربعة أهداف لهدفين ولَوْ كره المردّدون والصّائدون في مياه التفرقة. فما أقدم على فعله الاعلام التونسي والمصري اثر نهاية المباراة لدليل على رجاحة وعمق ثورتي البلدين وما الاعتذار الذي قدّمه شعب مصر واعلام مصر وسياسيّوها ورياضيّوها وفنّانوها أيضا لتونس وقبول هذا الاعتذار من التونسيين جميعا دون استثناء لتأكيد آخر وليس بالأخير أنّ إرادة الشعوب فوق كلّ المصالح الفرديّة وإن تجمعت إلى حين. هي هبّة المواطنة التي نريد من شعبين يجمعهما تاريخ واحد وحضارة واحدة وثقافة واحدة رغم المسافات وبعض الاختلافات وما عملوا على تكريسه سابقا من حساسيات أريد بها باطل وبُطلان لحق الشعوب في تقرير المصير والذّهاب بعيدا بثورتي البلدين المتشابهتين إلى الإعمار لا الدّمار. فكان التسامح والوفاق والاتّفاق على الملأ وعلى الهواء مباشرة دون تشفير ولا حصريّ ولا هُمْ يتاجرون، ومن كان بيده حجر فليرمه. فدفاع لاعبي مصر التلقائية عن نظرائهم من التونسيين من جحافل المتهوّرين والمناوئين والمندّسين وما يمكن أن يصيبهم من مخاطر فيه أكثر من جبْرٍ لخاطر كلّ التونسيين المتسامحين العقلاء الذين قبلوا الاعتذار بشتم الكبار وبأخلاق حليمة ليست عزيزة على أهل تونس. الاتفاق والوفاق كان أكثر من رائع أيضا في الثقافة الجديدة للاعلام التونسي والمصري اللّذين قدّما الوقائع دون تزييف ولا تحريف ولا زقزقة عصافير. تحاوروا وتنافسوا في المشكلة بعيدا عن سلطة الرّقيب ومطيّة التّأليب وغيرها من التعلاّت الواهية السّابقة فكان الحوار نزيهًا شفّافًا بين كلّ المتدخلين التونسيين والمصريين على حدّ سواء بإتيانهم على كلّ التفصيلات والملابسات دون مُوَاربة ولا تخفٍّ، بل من خلال مُقارعة الحجّة بالحجّة والبرهان بالبرهان والمواطن المصري والتونسي كانا شاهدين العيان ولجنتيْ تقصٍّ للحقائق على الهواء مباشرة... ممّا أكّد للمرّة الألف أنّ لثورتي تونس ومصر مزايا سيكتبها التاريخ بأحرف من ذهب لا نريد له أن يذهب مع مرور الأيّام، وهي مزايا على الاعلام أوّلا وروح المواطنة المسؤولة ثانيا، وعلى التآخي التونسي المصري دائما، وقديما قيل: »ربّ ضارّة نافعة« واليوم نقول: »«.