وأنا أقِفُ على حَافة الثّلاثين، فكّرتُ بطفولتي الضّائعة، هناك بين أشجار اللّوز والزّيتون. فكّرت بالقرويّات وهنّ يغسلن »صوف« الخِرافِ فجرًا على حافة النّبعِ وأمّي التي تعطّرتْ برائحة الخبز السّاخن. فكّرت بحَمْحَماتِ أبي المتذمّرة دونما سببٍ بعد صلاة الصّبح. فكّرتُ بخوف أختي الصّغيرة من نُباحِ كلاب »المالوسي« (1) ليلا. فكّرتُ برشوات جدّتي لي يوم الأحد حين أجلب لهَا جرّة ماءَ من الحقل المجاورِ لمنزلنا. فكّرت في حبّي الغريزيّ للسّاعة الخامسة والنّصف مساءً (2). من كلّ سبت وأنا أطوي طريق العودة من المدرسة إلى البيت ركضًا وفي فمي قطعة حلوى دون أن ألتفت إلى الوراء. فكّرتُ في صياح ديكةِ »الدّوار« (3) دفعة واحدةً قبل آذان الفجرِ بلحظات. فكرتُ بكلّ هذا وأنا أقِفُ وحيدًا في الشرفة بينما كان ليلُ »باب سعدون« ينثر فوقي حَفنةً هائلة من نجومهِ الفضيّةِ! (1) المالوسي: منطقة تابعة لمعتمدية منزل بوزيان في الوسط الغربي وهي مسقط رأس الشاعر. (2) الخامسة والنصف مساءً: هو موعد انتهاء الدّروس في المدرسة الابتدائية التي درس فيها الشاعر. (3) الدّوّار: مشهد ريفيّ مفتوح يتميّز بتجمّعات سكنيّة متباعدة نسبيّا وهو إحالة على موطن نشأة الشّاعر.