أحب العمل و العمال طوال حياته على قصرها (44 سنة)، حاصل على الإجازة في الفلسفة وله دراسات في المجال الفلسفي وصاحب رواية رماد ذاكرة ورواية المارستان التي مازالت (تحت الطبع) فهو الذي عشق الحياة وعمر الزهور قصير فغادرنا جسدا عشيّة احتفال القوى الاشتراكية والديمقراطية و الحركة العمالية و الشعبية عموما في كلّ مكان من العالم بغرة ماي المجيدة تخليدا لنضالات الطبقة العاملة في مدينة شيكاغو الأمريكية 1886 ضد سياسة الاستغلال الطبقي و الظلم و القمع للنظام الرأسمالي الجائر. غادرنا مهذب السبوعي الرفيق و الصديق جسدا يوم السبت 30 أفريل 2011 بعد أن استطاع بهمته الفتية وعزمه الصارم أن يصارع الموت لسنوات طويلة بسبب مرض عضال فتك به (منذ 1994) أن يترك لنا نصيبا وافرا من المبادئ والآراء والنظريات في سبيل التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي و إعلاء كلمة الحق... كيف لا وقد مدّ جريدتنا الشعب وهو طريح الفراش تهتك الآلام جسده هتكًا بمراسلة بتاريخ 30 مارس 2011 تحت عنوان »اعتصام بالسّاحات ومفترقات الطّرق بمعتمديّة المزّونة والتّلويح بإضراب عام«. ودعته المزونة مسقط رأسه يوم الأحد غرة ماي إلى مثواه الأخير وقد حضر وفد عن حزب العمال الشيوعي التونسي، وطد، القوميون العرب، البعثيون، الطترسكيون، النهضة، النقابيون، رجال التعليم. وقد تم تأبينه يوم الاثنين 2 ماي 2011 بالمعهد الثانوي بالمزونة أين كان يشتغل من قبل جمهور غفير من الأساتذة والتلاميذ. الأخ محمود بن جماعة متفقد عام في مادة الفلسفة وباحث في شؤونها وشاعر: غادرنا الصديق والمربّي الفاضل: مهذب السبوعي بعد أن عانى من مرض عضال لازمه طويلا، ولكنه لم يفلّ من عزيمته وإصراره على الحياة، عرفناه إنسانا متواضعا دمث الأخلاق يحلو الجلوس إليه لسعة ثقافته وروح الدعابة التي كان يتحلى بها عرفناه أستاذا مقتدرا يتفانى في تكوين تلاميذه ويسعى إلى تطوير منهجه في التدريس وإفادة غيره من الزملاء بتجربته التربوية، وعرفناه أيضا مناضلا نقابيا ملتزما بمبادئه ومواقفه السياسيّة التقدميّة والحداثية. ولا ريب في أنه واكب بحماس وافتخار ثورة الرابع عشر من جانفي التي انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد، وهو ابن الجهة، نشأ فيها وقاسم أهلها الظلم والاستبداد في العهد البائد وسكنه حلم التحرر والتوق إلى الكرامة مثلما حلم جيله والأجيال الأخرى التي ناضلت من أجل الحرية والكرامة. نترحم عليه ونتقدم بأحر التعازي إلى أهله وأصدقائه، ونحن نشعر بالحزن والأسى لفقدانه ونستحضر ذكراه من خلال ما جمعنا به من صداقة ومودة ومن اهتمامات فكرية وقيم إنسانية. وستبقى شاهدا عليه روايته: »رماد ذاكرة« التي ضمنها معاناته وأحلامه. الأخ محمد نجيب عبد المولى المتفقد العام في مادة الفلسفة صاحب بحوث ودراسات في ذات الشأن: »وداعا مهذّب« فاجعة الموت تختطف منّا الأصدقاء والأقرباء بين الحين والآخر، فتهجم لحظة الإعلان عن الخبر الأليم، أقوال وأحداث أخذناها من هنا وهناك عن الفقيد العزيز. مهذّب عرفته إنسانا طيّب المعشر هادئ المزاج، كنت أعرف منذ زمن أنّ المرض يسكنه، ويفرض عليه نظاما وانضباطا، ومع ذلك لم أكن أسمع تذمّره ولا تشاؤمه، كان يخزن كلّ أحزانه في أعماق أعماقه على امتداد سنوات وسنوات وفي السّنة الماضية، رمى بكلّ آلامه ووجدانه في »رماد الذّاكرة«، إنّه سيرة ذاتية اختلط فيها وجع الألم والمرض والحزن بالثّقافة الفلسفية، فإذا بالتّفلسف انعطاف للذات لمساءلتها عن إنّيتها وحاضرها ومآلها، وإذا بالتّفلسف سؤال عن الآخر وعن معقولية ما يفعل وما يقول ولا معقوليته. وإذا بكلّ هذا يتأرجح بين التّشاؤم والأمل، »رماد الذّاكرة« سيرة تحكي انصهار الفلسفة في كيان مهذّب، فإذا بها اللّغة التي يسائل بها الأحداث والبشر، ومن خلالها يعقد صلته بالعالم وبالآخر. الكتابة كما مارسها مهذّب كانت صيغة وجود، وحاجة ذاتية إلى التّعبير، حاجة إلى قصّ رواية الحياة بكلّ انعطافاتها المفرحة حينا والمحزنة أحيانا كثيرة الكتابة اعتراف بالجميل للأمّ الحنون وللأب الذي وهب الحياة لمهذّب مرّتين، الأولى عند ميلاده والثانية عندما وهبه كلية ليكفيه عناء التّردّد على مصحّات تصفية الدّم، ورغم ذلك زادت أمراض مهذّب ووهن جسده. كان نحيفا عندما زرته في شهر رمضان الماضي رفقة صديقي مصدّق، ولم يكن يقوَ على الوقوف، ومع ذلك كان يحكي عن الحياة وعن مشاريع الكتابة وفرحة الإبداع ويعبّر في ابتسامة هادئة عن سعادته بلقائنا. لقد صمد مهذّب كثيرا أمام الألم، لكنّ المرض هاجمه الهجمة الأخيرة واختطفه وهو في مقتبل العمر، لم يتمم بعد مشاريعه. لقد عبّر لي في تلك المسامرة عن استعداده للحلول ضيفا على الجمعية الفلسفية عندما تتحسّن صحّته قليلا، تلك كانت الأمنيات وهكذا كان المآل. »رحم اللّه الفقيد رحمة واسعة ورزق والديه وإخوته وأصدقاءه جميل الصّبر والسّلوان وإنّا لله وإنّا إليه راجعون«.