من الواضح أنه لم يكن أحد يتوقع حدوث الثورة، هذا في الظاهر، لكنها حدثت مرات عديدة في أحلامنا وتطلعاتنا الى المستقبل حتى تكيّفنا معها في الدواخل الى ان اصبح المواطن العربي عموما والتونسي خصوصا يمشي هائما على وجهه، وأصبح حالما متخيلا مبدعا في صياغة القضية وفق ما يقتضيه الشارع، مازلنا لم نفق من الحلم في نفس الوقت الذي اصبح ثمة فائض من الديمقراطية وأخشى ما أخشاه ان تقع إساءة التعامل مع هذا الفائض لاعتبارات عديدة، من أهمها حسب تصوري أن الأزمة الرئيسية التي نواجهها هي أزمة وعي ومفاهيم خصوصا ان كل من أخرج رأسه بعد الثورة وهم يعدون بالعشرات إن لم أقل المئات كل فرد فيهم يدّعي الحكمة وان لديه عصا موسى. إنني أعتقد أن افضل البحث هو ذلك الذي يجعلك تنقب في نفسك وصولا الى العلل ثم وصولا الى المعرفة التي أفضلها معرفة الذات بنفسها، فلو حاول الواحد منا أن يبذل كل مجهوداته في اصلاح نفسه وعدم الاهتمام بعيوب الآخرين فاني متأكد من أننا سنرتقي بذواتنا الى السمو، ولنعلم جيدا ان احترام مشاعر الآخر أهم بكثير من الاهتمام بأفكاره. ما أروع ذلك الشخص الذي يدافع عن أفكارك وأنت على خلاف فكري معه ولا يفعل ذلك الا احتراما لمشاعرك ولذاتك وعيا منه أن ما يجمعكما هو المبدأ، وكم خطير أن يدعى أحد صداقتك وفقا لترابط وتناسق التصورات التي اتفقتما عليها وفي باطنه يتربص بك للنيل منك خوفا على مصلحته كما يتصور. إنني أعتقد ان نجاح اي عمل جماعي سواء كان ثقافيا او سياسيا او غير ذلك يتحد من خلال صفاء القلوب والنوايا، ولا يحدث ذلك الا اذا انتزعت جميع الأقنعة بما فيها الأقنعة الايديولوجية. من الصعب جدا على العقل ان يستقرئ المرء الواقع دون مرجع يستند اليه، ولكن ألا يجب النظر في ذلك المرجع بشيء من التروّي لمراجعته أو لمراجعة استيعابنا له وفق صياغة موضوعية كي يتسنى لنا ان نعطي للعقل فرصة للتفكير والتفكر مجددا دون مسلمات سُجِنَّا وسَجَنَّا أنفسنا فيها؟ لقد آن الأوان أن نفكر ونتفكر، ان نسأل ونتساءل، أن نعمل وان نبدع وأن... وأن...، ولا يحدث ذلك الا اذا اتحدنا.