قليل من الشعب التونسي من لم يطبل ويزمر ويهلل ويهتف باسم الرئيس المخلوع بن علي وتحوّله المشؤوم بشكل او بآخر وجمعينا أعجب بنشاطه في وقت ما خلناه المهدي المنتظر اذ أبهرنا بزياراته الفجئية على غرار الزكاكرة والبرامة وفك عزلتيهما، وتنقله بين هذه المؤسسة وتلك مبرزا الاخلالات التي يعاني منها التونسيين وعيادته لمراكز المسنين ودور الحالات الخصوصية اذ تمكن من التغرير بنا بسحر ودراما أتقن حبك سيناريوهاتهما، والعهد ليس ببعيد والفارق بين 7 نوفمبر 2010 واندلاع الثورة المباركة في 14 ديسمبر 2010 لا يعني وفي هذا الحيز الزمني فقط تنكر الشعب لمخرب مجد تونس بل ترقبوا الاجل المحتوم بكل تأنٍ، والمؤكد ان غالبية هذا الشعب لم تكن لديهم قناعة ولو بسيطة بقوام سياسة ال 23 سنة ومردوديتها في اي مجال كان على البلاد او العباد بل كانوا يسايرون الوضع لمجرد اتقائهم شر هذا النظام المستبد في أشخاصهم أولا وفي مصير ومستقبل البنين، من ذلك فقد عانت شرائح منهم أشكالا من القهر والاضطهاد لا يصدقها حتى العود وبخاصة لمن لم يخلصوا الولاء لهذه السياسة الظالمة ولمن اختاروا الاستكفاء بما هان من كسب لرغيف الخبز قوة اسرهم فلم يسلموا ممن تجندوا لحماية هذا النظام وهياكله ابتداء من »الهيدوق« و »رئيس الشعبة« وغيرهم وفيهم من باع السياسة للسياسيين واعتكف في عبادة الخالق الذي لا أحد سواه فطالته اشكال عديدة من الأذى من ذات النظام وقد وصل الامر بالبعض ولدرْءِ الخطر على أنفسهم وعوائلهم بارتياد الخمارات والتقرب والتودد الى زبائنها ومع ذلك لم يسلموا، حرموهم من موارد رزقهم وسلبوهم حقهم المدني وذهبوا الى ابعد من ذلك بأن اجبروا أزواجهم بالتخلي عنهم والطلاق منهم كرها، هذه عينات من أبشع ممارسات هذا النظام المستبد، اما فئة المنافقين الطامعين والماسكين بتلابيب نظام الطاغية من وجب نبذهم وهم من لم يقدم لهذا البلد واهله سوى المآسي اذ لم يكن لهم من هم سوى الوصول الى مآربهم الذاتية وقضاء مصالحهم الشخصية وكرسوا في هذا المجتمع الطاهر ما فسد من المظاهر كالرشوة والمحسوبية، لابد على صناع الثورة المباركة تحديد اسمائهم ومحاسبتهم الحساب المستحق وعدم انتظار موقف ما من الحكومة المؤقتة في خصوص تحديد مصيرهم بحكم انها لم تحسن النية بالقدر المؤمل حتى لفتح ملفات أكابرهم وسادتهم. ومن منطلق المثل »يبتسم كثيرا من يبتسم أخيرا« وبحلول الوعد الالاهي يعمل التونسيون بالآية الكريمة لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم كانت حديثة محمد البوعزيزي غفر الله لنا وإياه مجرد الشرارة التي أوقدت نار الثورة التونسية وكانت بمثابة المفاجأة التي هزت أركان المخابرات الغربية سيما منها الداعمة لدكتاتورية الطاغية بن علي والظاهر انها كذلك تفاجأتْ هي بفظاعة حكمه لشعب أطاعه بصدق وسايره الى أبعد الحدود حتى كادوا يصدقونه في وقت كانوا يتربصون الفرصة التي من شأنها تزودهم بالدفع المعنوي المستحق لوضع حد لظلمه وجبروته اذ كان لشباب تونس انطلاقا من سيدي بوزيد القطع مع سياسة الخنوع ومغالبة الخوف الذي سيطر عليهم لأكثر من عقدين من الزمن وكسروا كل القيود المفروضة عليهم ونظموا صفوفهم وخرجوا في مسيرات حاشدة غير مبالين بما تعودا عليه من اجراءات في مثل هذا الامر واعتصموا بأعداد وافرة امام ادارة ذات سيادة ورمز للنظام البائد وأعني بذلك مركز الولاية، وطالب المتظاهرون الذين كان في مقدمتهم خيرة ابناء الجهة لا فائدة في ذكر اسمائهم وغيرهم كثر، وعبروا على رفضهم لسياسة القهر والحرمان، سياسة الاستبداد بالرأي الأوحد منادين بالثورة على المستبد وكان ذلك يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 (تذكروا هذا التاريخ جيدا) ونتيجة لذلك فقد تحمل هؤلاء الشباب مختلف أنواع وأساليب القمع البوليسي الذين تجندوا بالمدينة بالالاف، وعلى مدى 12 يوما كاملة مارسوا أبشع حالات الاجرام والتنكيل والاعتقالات في صفوف الشباب وما لحق من الاهانات لأسرهم في ظل تعتيم كامل ومقصود للاعلام بكل اشكاله وذلك في محاولة لاحتواء الوضع لكن ذلك لم يثني من عزيمة ابناء »الهمامة الأشاوس« كما يصفهم الزعيم الراحل بورقيبة وسرعان ما هب كل الشعب التونسي من اقصى البلاد الى اقصاها لمؤازرة اخوانهم في سيدي بوزيد وتأجيج الثورة رافعين الشعارات المطالبة برحيل رمز الفساد والاجرام غير عابئين بشراسة بطشه وجبروته ووحشية الاساليب التي قاوموا بها السيول البشرية المتحركة في كافة المدن التونسية دون استثناء والتي كانت بمثابة الزلزال او التسونامي التونسي اذ لم يقو هذا النظام الخارب من الانهيار بهروب الطاغية وذلك يوم 14 جانفي 2011. وبقدر ما كانت الفرحة عارمة بين كافة اطياف الشعب التونسي والتي جاءت نتاج تضحيات جسام على مستوى عدد الشهداء ممن سقطوا فداءً لهذه الثورة فان المفاجآت الخيالية التي اكتشفناها في رصيد عصابة المخدرات والاربعين حرامي ومدى التلاعب بمصير وقوة هذا لشعب الصبور المقدام ومازلنا ننتظر المزيد منها بين الفينة والاخرى بسبب عدم الوضوح الذي لمسناه مع الاسف في الحكومة الوقتية، فان هاجس الخوف بقي قائما من امكانية الالتفاف على الثورة الى حد هذا التاريخ باعتبار ان اطراف مازالوا ينشطون هم بمثابة الاشباح لابد من الاحتراز منهم ليقع تحديد مواقعهم حتى يحذرهم المجتمع. والى من أقر وحدد تاريخ الثورة بتاريخ نهايتها في 14 جانفي 2011 ورغم اننا نعتز بهذا التاريخ الذي سجله شباب تونس المقدام وبدماء شهدائه وبحرقة قلوب الامهات لفراق فلذات اكبادهن، فان ابناء سيدي بوزيد يذكرون من حدد يوم 14 جانفي تاريخ الثورة ان المولود يحسب له من اول لحظة رأى فيها النور وليس بتاريخ ختانه و 17 ديسمبر 2010 التاريخ الاصحّ لثورة الكرامة والحرية اللهم اذا ما كان لمن وراء ذلك وان كانوا جمعا او اذا ما كان الاعلام التونسي هو المعني له خلفية ما مع سيدي بوزيد مهد الثورات من عهد الباي »ثورة علي بن غذاهم« الى ثورة التحرير الوطني وأول شرارة قد انطلقت ضد المستعمر الفرنسي في 8 مارس 1954 بجبل قارة حديد بسيدي بوزيد وحاولت فرنسا انذاك كذلك احتواء الوضع بأن أحْضرت عتادا عسكريا يقدر ب 14 الف جندي معززين بمختلف آلياتهم الحربية فتكبدوا خسائر فادحة في الارواح فيما جرح ثائر واحد تم ضبطه ادعى انه راعي ماعز. واذا ما كان تاريخ هذه الجهة التي لا تنأى على الخارطة التونسية فان ابناء سيدي بوزيد يستغربون من تعمد طمس تاريخهم ويطالبون بتصحيح تاريخ الثورة التونسية من 14 جانفي 2011 الى 17 ديسمبر 2010، وسيدي بوزيد ليست جزيرة لمبادوزا، وتاريخها يبقى من تاريخ تونس دون ادنى شك.