عندما اكتب عن الكاف فإني اعود إلى ذاكرة مثقلة بالألم ومشبعة برضوض نفسية تثير أحاسيس بالغبن لا قرار لها ذلك ان هذه الجهة ظلت مظلومة على الدوام منذ العصر الحجري الاول الذي يشهد به الجبل المقدس »اوزرو« الدير ووادي سيدي الزين حيث عثر على وفاة أول الآدمين حسب مصنف »غينس« مرورا بيوغرطة وحربه ضد الرومان وبصاحب الحمار الذي حمته الكاف من بطش الفاطميين وبفرحات ولد الكاهية وعلي التركي الذي تزوج من »شارنية« وانجب منها حسين مؤسس دولة البايات... انه الماضي الذي لا يمضي، نعيد بعضه على من لا يستحون من التاريخ ممن باذانهم وَقْر من باب الانصاف والاعتراف وتأصيلا لكرامة التراب وكبرياء الارض حتى لا ينزل بعض الناس الى مادون الناس وهم يمارسون المسؤولية ويتولون النفوذ ويمسكون برقاب الناس ومصائر الناس ويشطبون الدور والوزن والتأثير لجهة تصدت لاول فلول الاحتلال الفرنسي وجاءت برجال مشوا بتونس الى الاستقلال والعزّة على درب الحديد والنار وقد خلق الله للشدائد رجالا يسفون التراب ولا يقفون ابدا على الابواب. هذا تاريخ ، والتاريخ عبر ودروس وأبقى الدروس اكثرها مرارة والدرس المستخلص اليوم لنا ابناء جهة الكاف ان نعمل جميعا على رفع حالة العطالة والشطب والتقليص وتدارك ما ضاع من وقت ببذل الجهد والعرق والمراس الشاق وألاّ نتَّكِلَ الا عن انفسنا فمن اتكل على زَاد غيره طال جوعه وذلك لننهض بجهتنا ولا عيب في هذا فالجهة هي مسقط الرأس ومسقط القلب حين ينبض بأول حب وهي الوحدة الاساسية للتنمية والاحساس بحرارة الانتماء الواعي اليها كفيل بفتح وعر المسالك وخلع الاقفال المألوفة وكسر نواعير الاجترار والانتظار.. هذه الجهة التي أتحدث عنها ادركتها الثورة وهي في آخر محطة من محطات انتظار الموت ومحطات انتظار الموت هي قاعات انشأتها الراهبة »تيريزا« بمدينة »بومباي« حتى يحتمي بها من احس بالموت حتى لا يموت في الشارع فتنهشه القوارض لقد بلغت الكاف هذه المحطة بفعل لوبيّات سياسية تجمع ولا تشبع اجتهدت في هدر مقدرات الجهة وتبديدها في المفاسد تحت لافتات توجب الإثم وخطابات تدور في حيز الزيف والكذب والمراوغة والتسويف تلون المآسي وتُؤَبّد الفقر والحرمان... واليوم وقد انتصرت الثورة وتجسمت ارادة الشعب وذهبت هذه الرهوط السياسية كالأمس الدابر والتي كبلت جهتنا اكثر من نصف قرن والكل من الكافية يتذكر ذلك المسؤول الحزبي الذي ليس له من الشهائد الا شهادة التلقيح ضد الجدري والمتخرج من »كلية التعاضد« تمسك بان يزف لبورقيبة مكرمة من بركات التعاضد ليغالطه بادعاء ان الثيران اصبحت تدر الحليب في التعاضديات وقد سبق له بان روج ان تاجروين تنتج البرتقال، اليوم علينا ان نعمل ونشد ازر من يحل على جهتنا مسؤولا يريد ان يعمل ويوسع مساحة المشاركة للقوى الحية والمجتمع المدني فالتمسك بالرأي الواحد مذموم... وحتى لا أمضي صكا على بياض ومن نهشته الحية عليه ان يحذر الرسن (لجام الفرس) ترددت في الحديث عن بوادر ايجابية بدأت تحرك ما أسن من ماء جهة الكاف تتمثل في هذه الروح الثورية والنضالية التي يتسم بها السيد والي الكاف غير المنضبط للنواميس والبروتكولات المترهلة التي دأب عليها الولاة منذ عهد عاد وارم ذات العماد حيث كنت الشاهد على احدى زياراته الميدانية مصحوبا فقط بعضدين من اعضاده احدهم يقود السيارة الرباعية الدفع، يعاين، يستمع، يسجل وينفض الغبار عن الملفات العالقة ولا يعد الا بما هو ممكن وماهو في حدود المتاح وما هو متوفر من امكانيات وهو يدرك ان وعدًا بلا وفاء هو عداوة بلا سبب. لقد شعرت حين رافقت والي الكاف الجديد في زيارة عيانية الى احد ارياف تاجروين ان المواطن على درجة عالية من الانضباط والوعي والادراك بان طلب كل شيء لا يحقق اي شيء حتى وان كانت النفس البشرية مجبولة على حب العاجل وحتى وان كان اهلنا في هذه المناطق مُكْتَوين بالحديد الساخن ومذبوحين بالتهميش و»الحڤرة« من الوريد الى الوريد وان ما يغيضهم انهم يصطادون وغيرهم يأكل السمكة وان حكايتهم مع وعود التنمية الوهمية كحكاية الثعلب مع حديقة العنب يدخل جائعا ويخرج جائعا... لقد كانت الطلبات كثيرة خلال هذه الزيارة وكان اسلوب الوالي على غاية من الحنكة المستندة الى قوة الواقع والقاطع مع ممارسات التسويف والوعود الزائفة والدعاية الكاذبة التي تذكرنا »بالثور الحلوب« وقد تركت اطيب الاثر على نفسية هؤلاء المواطنين الذين استبشروا باول زيارة لهم من هذا القبيل قد تمثل لهم معنويا شيئا من جبر الضرر التاريخي. عثمان اليحياوي صحافي أول سابق